شبكة قدس الإخبارية

مصر.. والشمع الأحمر

مصطفى بدر

ربما لم يقدّر الكثيرون فحوى الانقلاب العسكري الذي قاده الفريق أول “عبد الفتاح السيسي” على الرئيس المصري “محمد مرسي” في الثالث من يوليو، حيث أثبت للعالم أن مصر لا تزال ومنذ أكثر من 60 عاماً تحت حكم ورحمة العسكر، وعلى ما يبدو فإن الأزمة في مصر ليست جديدة، بل هي إعادة التاريخ لنفسه مرةً أخرى، وإعادةٌ لأزمة مارس عام 1954، ليتكرر مع “محمد مرسي” ما حدث مع “محمد نجيب”.

قبل 59 عاماً، عندما تصارعت الديمقراطية والتشريعية مع الحكم العسكري، فكان الرئيس “محمد نجيب” -الذي قاد ثورة عام 1952- في خلافٍ مع مجلس قيادة الثورة، فكان مجلس قيادة الثورة يدّعي أن نجيب رَكِبَ المَوجة، ولم يكن سوى واجهةٍ لهم لعلو رتبته، وقيل أيضاً بأنه لم يكن يعلم شيئاً عن الثورةِ إلا حين حدوثها. رغم قول آخرين بأن نجيب هو المحرّك الرسمي للثورة، وأنه بعلو رتبته ونفوذه العسكري وشهرته الشعبية حوّلت الانقلاب إلى ثورةٍ شعبية. وما لا غبار عليه أن نجيب أراد أن يعيد الضباط إلى ثكناتهم بعد أن استلموا مناصب إداريةٍ رفيعة المستوى بالدولة، وأراد أن يُنهي الفساد الإداري بشكلٍ قطعيٍ في مصر، وأن ينشئ في مصر حياةً برلمانيةً سليمة.

بدأ مجلس قيادة الثورة بعزل نجيب شيئاً فشيئاً عن صلاحياته، وعقدوا اجتماعاتٍ لمجلس قيادة الثورة بدونه، وقاموا بالعديد من الإجراءات التي رفضها رفضاً قطعياً رغماً عنه، والتي اعتبرها ظلماً كاعتقال زعماء سياسيين من بينهم “مصطفى النحاس”، ورفض بعض الوزراء المعينين منهم أداء اليمين الدستورية أمامه، مما دفعه في نهاية المطاف لتقديم استقالته في فبراير عام 1954.

أقال مجلس قيادة الثورة محمد نجيب في بيانٍ يقلل من دوره، بل يهينه. وخرجت فئاتٌ من الشعب المصري والسوداني آنذاك تطالب بإعادته كرئيس، وبعد مناوشاتٍ بينه وبين مجلس قيادة الثورة انتهى الأمر بعزله في إحدى الفلل بحي المرج بالقاهرة.

ssuh

واليوم يعيد التاريخ نفسه، فيقوم السيسي بعزل مرسي، ورغم أنني لا أحاول تشبيه محمد مرسي بمحمد نجيب، إلا أن إجراءات عزلهما متشابهةٌ إلى حدّ كبير، وفحواها أن مصر لم تخرج عن حكم العسكر منذ أكثر من 60 عاماً، وربما تحتاج مصر إلى شخصيةٍ كاريزميةٍ لا ديكتاتورية تلتف حولها الجماهير، وعدم وجود شخصيةٍ كاريزميةٍ عند محمد مرسي أو أيٍ من قيادات الإخوان جعلت العالم ينسى أن الإسلام ليس مجرد طائفةٍ أو مذهب، بل هي أمةٌ تتسع قلوبها للجميع، ولو أدرك أيٌ من الأحزاب الإسلامية ذلك قبل أن يدرك الآخرون، لما وجدوا هذا الرفض ضدهم، لكن إصرارهم على حصر الإسلام من دين حياةٍ لمجرّد حزبٍ سياسي هو ما أدى بهم إلى هذا الرفض الجماهيري.

في هذه الفترة أنظار العالم كله تتجه نحو مصر، وفي حين وصلت محاولات التدخل الدولي إلى أعلى مستوىً في الشؤون المصرية، أقول لمصر أن الحل الوحيد أمامها هي أن تغلق على نفسها بالشمع الأحمر، وأن تنعزل عن تدخلات العالم بمصر، فمصير مصر لا يحدده سيناتورٌ أمريكيٌ أو وزيرٌ قطري أو غيره، مصر تحدد مصيرها، ومصر ستخرج نفسها من هذه الأزمة.