غزة - خاص قدس الإخبارية: منذ أشهر، يشتاق الفلسطينيون في قطاع غزة للمذاق الحلو، فبين حين وآخر يختفي السكر من الأسواق، ثم يظهر بسعر أعلى، حتى وصل الكيلو جرام الواحد منه 500 شيكل (نحو 150 دولار).
وكعادة الفلسطينيين في غزة، يجدون الحلول دائما، انتشرت بدائل للسكر، يتنافس الباعة في مدى قدرتها على التحلية، هذا يقول إن جراما واحدا من المُحلي الذي يعرضه يكفي لتحلية سبعة لترات من الماء، وذاك يقول إن منتجه أفضل، الجرام منه يجعل عشرة لترات "مثلا القطر"، يضعون كميات صغيرة جدا في أوراق ملفوفة على شكل "قرطاس".
سيلٌ من التحذيرات من هذه البدائل انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة، خاصة أن الأمر وصل لاستخدام بعض أدوية الأطفال في تحلية منتجات جاهزة كالعصائر والمثلجات، ما يعني أن الشخص قد يتناول دواء لا يعرفه، ودون حاجة له، وربما يضره، وفي المقابل يُحرم مرضى من علاجهم.
تجربة مؤلمة
إخلاص الكفارنة، ككثير من الفلسطينيين، وجدت ضالتها حين سمعت بائعا يرفع صوته مكررا: "بديل السكر"، اشترت القليل منه على أمل تتذوق طعما حلوا غاب لفترة طويلة، لكنها لم تجد الطعم المنشود.
قررت أن تعطي المنتج فرصة أخرى، فوضعته على الشاي مجددا، كان مذاقه سيئا كالمرة الأولى، والأصعب أنها عانت بعد تناوله من مغص وإسهال استمرا أربعة أيام.
ربطت الوعكة التي مرّت بها ببديل السكر، وتأكدت حين قرأت على مواقع التواصل الاجتماعي تحذر من المُحليات، فحمدت الله أنها لم تسمح لأبنائها بتناوله.
لا تعرف الكفارنة نوع المُحلي الذي استخدمته، فقد اشترت كمية صغيرة في مغلف من ورق الدفاتر من بائع متجول، بحسب ما أخبرت به "شبكة قدس".
أما الفلسطيني إياد عجور، فكان أكثر حذرا، اشترى في بداية أزمة غلاء السكر بدائل يعرفها مسبقا، مثل مُحلي "ستيفيا"، لكنه لم يتخيل أن تطول الأزمة كثيرا، فلم يخزّن الكثير.
منذ ثلاثة أسابيع تقريبا، انتهت المحليات في بيته، لكنه لم يشترِ غيرها، ولم يضعف أمام أبنائه الذين يطلبون منه أي منتج حلو المذاق.
يقول لـ "شبكة قدس": "لا أعرف الأنواع الموجودة في السوق، ولا أثق بالبائع إن حدد البائع نوع المنتج الذي يبيعه، فأنا لا أرى أمامي إلا أوراق دفاتر وكتب ملفوفة على شكل قراطيس فيها بودرة بيضاء".
ويضيف: "حتى بعض الباعة الذين يزنون الكمية المطلوبة من علب معروضة ومكتوب عليها تفاصيل المنتج، لا يمكنني تصديقهم، فقد كثر الغش في بلادنا منذ اندلاع الحرب".

أنواع.. وحدٌّ أقصى
مدير مختبر الصحة العامة بوزارة الصحة، أسامة الخليلي يتحدث لـ"شبكة قدس" عن هذه البدائل، يقسّم الموجود منها حاليا بين أدوية ذات مذاق حلو، ومحليات صناعية كتلك المخصصة لمرضى السكري ومتبعي الحميات.
يقول إن البعض يستخدم مضادات حيوية ومسكنات مُحلّاة لكونها مخصصة للأطفال، خاصة في منتجات تُباع بكثرة مثل العصائر المثلجة، وهذا الاستخدام كارثي لتأثيره على صحة متناولي هذه المنتجات من جهة، ولمساهمته في استهلاك أدوية دون حاجة لها بينما يعاني القطاع من شحّ في الأدوية، ما يعني حرمان محتاجيه الحقيقيين منه.
ويضيف عن ضرر الأدوية على المستهلك: "بهذه الطريقة، يتناول الإنسان دواء لا يحتاجه ولا يعرف مكوناته، وإن كان هذا الدواء مضادا حيويا تطال الفرد تبعات الإكثار من المضادات، ومنها وجود سلالات مقاومة للدواء".
وعن باقي البدائل، يوضح أنها محليات صناعة معروفة ومُستخدمة، تكون آمنة حال استخدامها بطريقة صحيحة، وأول شروط الاستخدام الآمن الالتزام بـ"الحد الأقصى المسموح"، والمقصود أن لكل مُحلّي نسبة محددة يُمنع تناول أكثر منها يوميا.
ويشدد على أنها غير مناسبة للأطفال، وكبار السن، والحوامل، ومن يعانون من أمراض في الكبد والكلى، بالإضافة إلى أن أنواعا منها ممنوعة لفئات محددة، كما الحال بالنسبة لمُحلي "أسبارتام" للمصابين بالاضطراب الوراثي "بيلة الفينيل كيتون".
ويبين الخليلي أن بعض الأنواع قد تسبب حساسية لمستهلكيها، وأحد أكثر المحليات شهرة "سكارين" منعته عدة دولة لإصابة فئران التجارب بسرطان في المثانة بعد تجربته عليهم.
ويلفت إلى أن محلي "ستيفيا" هو الأفضل، ويليه محلي "سكرلوز"، مع ضرورة الالتزام بالحد الأقصى لهما.
ويجدر الإشارة إلى أن "سكرلوز" هو الاسم العلمي للمنتج، وليس دلالة على اشتقاقه من اللوز كما يدّعي بعض الباعة.
ويقول الخليلي إن هذه المحليات لا تقدم شيئا للإنسان سوى طعمها، فهي خالية من العناصر الغذائية والسعرات الحرارية، ولا يمكن الاعتماد عليها لتزويد الجسم بالطاقة أو رفع نسبة السكر فيه.
تختلف المحليات عن السكر الطبيعي في كونها موادا كيميائية ذات طعم حلو، وعملية الاستقلاب الخاصة ببعضها تحدث في الكبد، بينما السكر يمتصه الجسم ويستخدمه كمصدر طاقة، بحسب الخليلي.
في ظروف سوء التغذية، والإنهاك الذي يطال أجساد الفلسطينيين بسبب الحرب، هب يمكن أن تزيد احتمالات التأثير السلبي للمحليات على مستهلكيها؟، يجيب الخليلي: "بالتأكيد، فالاختبارات على هذه المنتجات تتم على أصحاء وفي ظروف طبيعية".