شبكة قدس الإخبارية

بعد 5 أشهر من اجتياح مستمر.. ماذا تعني عبوة جنين؟

٢١٣

 

unnamed (15)
سلمى قادر

في مساء ثاني أيام عيد الأضحى المبارك، وفي اليوم الـ 138 على الاجتياح الإسرائيلي لمدينة جنين ومخيمها، ورد الخبر المفاجئ: "عبوة ناسفة تستهدف آلية لجيش الاحتلال على دوار الحمامة". كان الخبر مفاجئًا حتى لأهالي جنين، "أم العبوات"، فذلك الصوت القوي، الذي سُمع في معظم أرياف المدينة من مسافات بعيدة، غاب منذ أشهر طويلة... فماذا يعني أن تنفجر عبوة ناسفة الآن في جنين؟

في وقت قياسي، تمكن جيش الاحتلال من احتلال مخيم جنين ومحيطه، حيث واجه مقاومة، لكنها لم تكن بالشدة المعتادة كما في السابق. دخلت قوات الاحتلال المنطقة بعد عملية نفذتها أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، أدّت إلى تشتيت صفوف المقاومين واعتقال عدد كبير منهم، واستمرت السلطة في تنفيذ الاعتقالات حتى خلال الاجتياح الإسرائيلي، كما واصل جيش الاحتلال الحملة نفسها.

لم تقتصر العملية العسكرية الإسرائيلية الكبرى على الاعتقالات، بل تم اغتيال عدد من المقاومين، سواء في ريف جنين أو في مدن أخرى.

كان المقاومون يدركون جيدًا أن جيش الاحتلال سيتدخل عاجلًا أو آجلًا، وأن الحملة الأمنية للسلطة ستنتهي. ومع استمرارهم في التصدي لقوات الأمن الفلسطينية، حاولوا إعادة تطبيق تكتيك قديم سبق أن جُرّب خلال أحد الاجتياحات الكبرى قبل الحرب على غزة: إبقاء عدد محدود من المقاومين داخل المخيم لإشغال الاحتلال، بينما ينسحب معظمهم إلى خارج المنطقة، بحيث لا يجد الاحتلال "الصيد الثمين" عند الاقتحام.

هذا هو بالضبط السيناريو الذي تبناه مقاومو "عش الدبابير"، إذ انتقل غالبية المطاردين والمقاومين إلى بلدات ريف جنين، وبعضهم ذهب أبعد من ذلك إلى محافظات ومدن أخرى. وكان الهدف من هذا التكتيك "الانحناء حتى تمرّ العاصفة ثم رفع الرأس بقوة من جديد". غير أن السلطة الفلسطينية أحبطت هذا المخطط، بشنّ حملة اعتقالات واسعة وقاسية في الريف، طالت المطاردين والمقاومين، وترافقت مع إذلالهم وبث مشاهد اعتقالهم، في حين كانت العملية العسكرية الإسرائيلية مستمرة في المخيم ومحيطه. ووصل الأمر إلى قتل مقاومين ومدنيين خلال حملة "حماية وطن" وخلال الاجتياح الإسرائيلي الذي تلاها.

أصبح مخيم جنين خاليًا من المقاومين ومن سكانه أيضًا، وخمدت أصوات العبوات الناسفة، ولم تعد "السمرا" تزغرد بالرصاص في وجه الاحتلال. اقتصر الأمر على بعض العمليات الفردية والمتفرقة في أرياف جنين، بينما توقفت المقاومة تقريبًا في المدينة والمخيم، باستثناء رشق الفتية قوات الاحتلال بالحجارة من حين لآخر.

لكن مساء ثاني أيام العيد، عند الساعة 10:34 مساءً، دوّى انفجار قوي أحدث هزة وقرع جرس الإنذار داخل أروقة الشاباك! عبوة ناسفة كبيرة انفجرت بجانب آلية عسكرية لجيش الاحتلال على دوار الحمامة في شارع الناصرة في مدينة جنين. لماذا يُعد هذا الحدث مفصليًا؟

إضافةً إلى ما سبق من ظروف أمنية وغياب شبه تام للمقاومة، فإن طبيعة هذه العملية تكشف عن دلالات بالغة. فنحن أمام مقاوم أو أكثر، زرع عبوة ناسفة، ونجح في تمويهها بإتقان دون أن يرصد أو يشك به أحد، لا من أجهزة أمنية، ولا من طائرات الاحتلال المسيرة، ثم نجح في تفجيرها دون أن يُكشف "ضاغط الزر"، ونجا بالانسحاب الآمن... وذلك إن اكتفينا فقط بتفاصيل العملية الميدانية.

هدف العملية يحمل أهمية خاصة؛ إذ استهدفت مدرعة مدولبة ضمن قافلة تعزيزات عسكرية يومية، عادةً ما تنطلق من حاجز الجلمة نحو مخيم جنين. وقد ازداد شعور جنود الاحتلال بالثقة خلال الأشهر الأخيرة، حتى بدوا وكأنهم يتحركون في قاعدة عسكرية داخل "تل أبيب" وليس في جنين.

باتت هذه التعزيزات تسير علنًا، وتطلق أبواقها الاستفزازية في الشوارع، وظهر بعضها دون حماية حقيقية (آليات غير مصفحة أو مكشوفة السقف)، بالإضافة إلى شاحنات مياه ووقود خاصة بالجيش داخل المخيم. وهنا تكمن الخطورة: ماذا لو انفجرت عبوة ناسفة في إحدى هذه الآليات المكشوفة؟

الأسئلة التي تقض مضجع الشاباك الآن: من المسؤول عن العبوة؟ هل هو مطارد معروف، أم مقاوم قديم خرج من الظل؟ كيف زرعت هذه العبوة ومتى؟ كيف لم يكتشفها أحد؟ ماذا لو انفجرت في "جيب مشدّر"؟ هل هناك عبوات أخرى في الطريق؟ ماذا كنا نفعل طوال خمسة أشهر؟

أما توقيت العملية، فهو ليس بعد خمسة أشهر من الاجتياح فقط، بل أيضًا بعد ساعات قليلة من اعتقال القيادي البارز في كتيبة جنين، "مسلم مصاروة"، وعدد من المقاومين، في لحظة نشوة أمنية إسرائيلية، إذ إن مصاروة أفلت أكثر من مرة من الاعتقال، ويُعد من أقدم وأبرز قادة الكتيبة.

مكان العملية مفاجئ كذلك، إذ جرت في المدينة نفسها وليس في الريف، باستخدام عبوة كبيرة معدّة مسبقًا، وليست عبوة محلية بسيطة. وهذا دليل على وجود مقاومين غير مرصودين أمنيًا، يصرّون على الفعل المقاوم في أقسى الظروف، رغم أن سلوك المطاردين في الشهور الماضية اتجه إلى التخفي لا المواجهة.

لذلك، لم يندهش الاحتلال وحده من هذه العملية، بل حتى شبان جنين والمخيم عبّروا عن دهشتهم منها، فتبادلوا النكات قائلين: "مالكم؟ اعملوا حالكم متعودين!"، ورد آخر: "زمان عن هالصوت، زمان عن ريحة العبوات"... ما حدث كان بالفعل "معجزة" و"عملًا يقهر المستحيل".