شبكة قدس الإخبارية

للعام الثاني عيد الأضحى تحت القصف

لا أضاحي تُذبح والفلسطينيون يسعون نازحين بحثا عن الأمان

٢١٣

 

لا أضاحي تُذبح والفلسطينيون يسعون نازحين بحثا عن الأمان
مها إبراهيم

غزة - خاص قدس الإخبارية: للعام الثاني على التوالي تختفي مراسم الاحتفاء بعيد الأضحى في قطاع غزة بفعل الإبادة الجماعية التي يعيشها الفلسطينيون بعدما فقدوا كل شيء، فلا بيوت مقامة لاستقبال المهنئين، ولا أضاحي لذبحها تقربا إلى الله، ولا مساجد يصدح من مآذنها صوت الأطفال في التكبيرات، ولا حتى ملابس جديدة للأطفال.

في هذا العيد يرتدي المسلمون في مكة لباس الإحرام لتأدية فريضة الحج، بينما أهل قطاع غزة يمنعون السفر للحج ويرتدون بفعل الصواريخ الحربية التي تقتلهم "الكفن الأبيض" لا طاعة ولا نسكا بل موتا وتشريدا.

في غزة، حيث تُغلق الأبواب في وجه الحجاج، وتُفتح القبور للأبرياء، استُبدل سعي الحجيج بين الصفا والمروة بسعي آلاف النازحين بين محافظات غزة بحثًا عن مأوى آمن يحميهم من القصف.

وبدلًا من شرب ماء زمزم المبارك، يشرب النازحون من مياه ملوثة لا تصلح للاستهلاك الآدمي، رغم التحذيرات من تفشي الأوبئة بسبب تدهور البنية التحتية وانعدام الرعاية الصحية.

وفي عيد الأضحى هذا، يطوفون بجثامين صغارهم الذين ارتقوا في المجازر يحملونهم إلى القبور بدلا من شراء ملابس جديدة واصطحابهم للأماكن الترفيهية كما جرت العادة.

ولحرمانهم الحج والوقوف على جبل عرفات، يقف العزيون أمام خيامهم يشكون لربهم الخذلان، ويرجمون بدعواتهم كل من يغض الطرف عن الإبادة التي يعيشونها.

منذ مايو 2024 يغلق الاحتلال الاسرائيلي عبر رفح أمام الفلسطينيين، فلا سبب يحول إغلاقه سوى أنهم من قطاع غزة، لا يستحقون الحياة ولا العلاج ولا العيش كآدميين كما يرى الاحتلال الإسرائيلي.

عيد اللحمة وسط المجاعة!

يطلق الفلسطينيون على عيد الأضحى "عيد اللحمة" بسبب كثرة الاضاحي وأكل اللحوم والمشاوي طوال أيام العيد، لكن هذا العام "لا عيد ولا لحمة" فقط حرب وجوع.

من يصدق أن قطاع غزة الذي بقي محاصرا 17 عاما قبل السابع من أكتوبر 2023 كان يشهد أعلى سعر أضاحي في الوطن العربي، ومع ذلك غالبية العوائل تشتري الأضحية وتوزعها على فقراء المدينة، أما اليوم الجميع سواء فلا غني ولا فقير سيذبح الأضحية أو يأكل اللحوم وذلك لعدم وفرتها، فما تبقى بعد الحرب تم ذبحه العام الماضي أو قصفت المزارع وقتلت المواشي.

لم يعد يخجل الفلسطينيون وهم يصرخون "نحن مجوعون، نشتاق إلى اللحمة والأكل بدلا من المعلبات القاتلة"، ففي العام الأول من الحرب توفرت الأموال لكن اللحوم قليلة، أما هذه المرة لا أموال ولا لحوم، حتى لا معابر لإدخال المساعدات الاغاثية بما فيها اللحمة.

يقول الحاج سمير مدوخ من حي الدرج لـ "شبكة قدس" : في العادة أتشارك وأبنائي الخمسة منذ سنوات طويلة في شراء عجل وتوزيعه على الأقارب والجيران وفقراء الحي، وكان من ضمن طقوسنا أن نفطر بعد ذبح الأضحية الكبدة والكلاوي والمعلاق".

ويتابع بحزن:" يأتي هذا العيد دون أضحية لعدم مقدرتي المالية ولا يوجد أصلا أضاحي (..) والأقسى أني خسرت اثنين من ابنائي في قصف غادر لمنزلنا".

ويستذكر تفاصيل يومه في عيد الأضحى أنه بعد صلاة العيد يجتمع الأبناء والأحفاد لذبح الأضحية ومن ثم المشاركة في توزيعها، وعصرا كان يذهب برفقة أبناءه لزيارة الأرحام، لكن اليوم لا بيوت ولا أقارب غالبيتهم تحت الأنقاض.

لا أسواق ولا ملابس

لم يكتف الاحتلال بمنع إدخال الأضاحي، وقتل الفلسطينيين وتدمير بيوتهم، حتى بهجة العيد في شراء الملابس قتلت، فدمرت الأسواق ولا بضائع جديدة تبهج الصغار، وإن توفر "قديم مستهلك" أو "بالة" ثمنها غالي.

في العادة سوق معسكر جباليا وعمر المختار والرمال من أكثر الأسواق اكتظاظا بالسكان وقت العيد، لكن هذا العيد تلك الأسواق مدمرة والملابس تحت الركام محروقة.

حتى حلوى العيد مقطوعة، وكذلك الحلويات الشعبية لم تعد متوفرة لعدم وجود السكر والمواد الأساسية في صناعتها، فعادة تفوح رائحة الكعك والمعمول من البيوت الغزية، بينما هذا العيد تفوح من بين الخيام رائحة الأطعمة المعلبة سيئة المذاق، والسكر مقطوع منذ شهور وإن توفر بثمن باهظ، لعل الجرام الواحد ينافس جرام الذهب.

في سوق الصحابة الذي استحدثت البسطات فيه خلال الحرب، تقف أم عامر حائرة تبحث عن ملابس لصغيريها "أحمد وأدم" فهما ما تبقى من أبناءها الستة وزوجها بعدما ارتقوا شهداء في قصف إسرائيلي.

تحكي لـ "شبكة قدس" إنها حصلت على كابون من مؤسسة اغاثية بقيمة 150 شيكل لشراء ملابس لصغارها، لكنها فعليا اشترت بلوزة مستعملة بالمبلغ فهذا ما وجدته مناسب.

تقول:" في السابق كنت اشتري من أفخم المحال التجارية لصغاري، لكن اليوم لا توجد محلات ولا ملابس جديدة جميعها مستعمل ولا تناسب أذواقنا، لكن لا خيار أمامنا سوى شرائها وغسلها ليفرح عليها الصغار".

وتذكر أن أجواء الأسواق والشراء في الأعياد كانت مميزة، فقد كانت تزين طاولة الاستقبال بأفخم الحلويات التي كان يشتريها زوجها وتعدها هي في البيت، مشيرة إلى أنه وقت الحرب لا بهجة ولا سعادة بالعيد ليس بسبب انعدام مظاهر الاحتفال بل لخسارة الأحبة.

لا حجيج ولا استقبال

في عيد الأضحى، كانت جدران المنازل تتزيّن بعبارات التهنئة للحجيج، وعند وصولهم، تصدح أصوات المنشدين بالمديح النبوي، وتُنشَد الأناشيد الخاصة بالحجاج.

أما داخل البيوت، فكانت تتزين بعبارات الترحيب أيضًا، وتُحضَّر أوانٍ خاصة لاستقبال المهنئين، حيث يهتم أهل الحجاج بأدق التفاصيل.

لكن في هذا العيد، اختفت حتى مظاهر استقبال الحجاج التي كانت تملأ الشوارع؛ فلا حجيج، ولا استقبال، ولا بيوت، فصوت القصف يعلو فوق كل شيء، ورائحة الموت تعبق في كل مكان.

تقول كفاح عنان أم لأربعة أطفال :" بشكل دائم في البيت كان لنا حاج في مكة، وكانت لنا طقوس جميلة في استقبالهم، هذا العام نستقبل عيد الأضحى في خيمة متهالكة دون ملابس جديدة ولا طعام".

تضيف لـ "شبكة قدس": "أتمنى أن يتبدل الحال ونعيش أياما عادية تشبه العالم دون قصف أو دمار، ويعاد إعمار البيوت وتدخل البهجة إلى قلوب صغارنا بدلا من الخوف والقصف والهلع".

يحاول الصغار تقليب الصور في هواتف أمهاتهم ليروا أشكالهم في الأعياد التي سبقت الحرب، يقفز الصغير أحمد "ماما وين بلوزتي"، ثم يسارع شقيقه أدم "ماما وين لعبتي اللي في الصورة"، صمت الأم يجيب على كل شيء فهم يدركون أن لا بيت ولا ذكريات ولا ملابس، كل شيء بات تحت الأنقاض، تطلب منهم الأم الدعاء لتعود الأيام دون حرب وقتل وتدمير.