شبكة قدس الإخبارية

عن أسطورة القربان وخطرها على المسجد الأقصى

٢١٣

 

عن أسطورة القربان وخطرها على المسجد الأقصى
زياد ابحيص

حاول ثلاثة من المقتحمين الصهاينة اليوم إدخال قطع لحمٍ لخروف حديث الذبح يقطر منها الدم إلى قبة السلسلة الواقعة شرق قبة الصخرة مباشرة، وقد نجحوا في الوصول إليها ولم يكن متبقياً لهم –وفق معتقدهم- إلا أن يضعوا اللحم والدم المتقطر منه على أرض قبة السلسلة.

ويأتي هذا بعد عشرين يوماً من محاولات المقتحمين الصهاينة إدخال قربان حي إلى المسجد الأقصى، ونجاحهم في إدخاله مؤقتاً إلى ساحة الأقصى لأول مرة منذ احتلاله، فما هو هذا القربان؟ وما سر الإصرار عليه؟

ما هو القربان الحيواني؟

يقصد بالقربان الحيواني تقديم ذبيحة من الماعز أو الخراف صغيرة السن في داخل المسجد الأقصى المبارك، بناء على الزعم الصهيوني بأنه هو ذاته مكان "الهيكل". ويعتقد اليهود الصهاينة بأن الهيكل كان "مقر سكن روح الرب"، والذي "تحل" فيه هذه الروح إذا سكن "الشعب المختار" في "الأرض الموعودة"، وأن أعلى أشكال الشكر والتقديس على ذلك هو تقديم القربان الحيواني لهذه الروح في مكان سكنها.

لماذا يصرون على تقديم القربان الحيواني رغم عدم إقامة الهيكل المزعوم؟

تنظر الصهيونية الدينية –ومعها منظمات الهيكل التي تشكل واجهتها المتخصصة في تأسيس الهيكل في مكان الأقصى- إلى فرض الطقوس التوراتية في الأقصى باعتبارها مقدمة لتأسيس الهيكل في مكانه، وترى في فرض طقوسها فيه "تأسيساً معنوياً للهيكل" يمهد لتأسيسه المادي.

وبما أن القربان هو ذروة العبادة في الهيكل المزعوم وفق الأسطورة التوراتية؛ فإن فرضه يعني استكمال دورة العبادة التوراتية في المسجد الأقصى، وتكريس التعامل معه روحياً باعتباره هيكلاً ينتظر البناء المادي فقط، وهي ترى أن الهيكل يجب أن يقام في مكان المسجد الأقصى بكامل مساحته، وأن مبناه المركزي الذي تسميه "قدس الأقداس" يجب أن يبنى في مكان قبة الصخرة.

أي أن القربان في المحصلة هو في نظر هذا التيار الصهيوني هو خطوة رمزية مركزية على طريق إزالة المسجد الأقصى بكاملة من الوجود، وتأسيس الهيكل في مكانه.

ما المعنى السياسي لمحاولات فرض القربان الحيواني في الأقصى؟

الصهيونية الدينية تيار خلاصي، يؤمن بأن الرب سيتدخل بمعجزة في مجرى التاريخ ليحسم الصراع لصالح الصهيونية، وليقضي على كل أعدائها وإلى الأبد، و"ليُخضع لشعبه أعناقَ الأمم"، ويؤمن هذا التيار بأن هذه المعجزة هي إرسال "الماشيح" المخلص المنتظر وفق الأسطورة التوراتية، وأن هذا القادم سيكون الملك المؤيد بروح الرب والذي سيحسم الصراع نهائياً، وهي بالتالي تعمل لاستعجال مجيء المخلص والتمهيد له، وتعتبر نفسها "يد الرب" التي من خلالها ينجز وعده... 

وهي تستعير عملياً هذه الرؤية من اعتقاد مسيحي عند بعض طوائف البروتستانت يسمى "الاسترجاعية" أو "العصر الألفي السعيد"، وهو مختلف عن الفهم التقليدي اليهودي للمخلص باعتبار إرساله قراراً إلهياً لا يمكن للبشر التدخل فيه.

هذا يعني أنه كلما زادت حاجة هذه الجماعات لإنهاء الحرب وحسم الصراع وإلحاق "الهزيمة النهائية" بأعدائها، فإنها تزداد إلحاحاً على استدعاء المخلص واستعجال المعجزة الإلهية، خصوصاً وأنها ترى في ظرف الحرب وتراجع الرباط والفعل الشعبي، وفي الصمت العربي والإسلامي فرصة تاريخية قد لا تتكرر.

ما علاقة القربان بالخلاص؟

تعتقد الصهيونية الدينية ومنظمات الهيكل بأن دم القربان كان السبب المباشر الذي دفع الرب إلى تخليص الجماعة اليهودية الأولى من التيه في سيناء، وذلك بعد أن جربت تلك الجماعة كل شيء ولم تفلح، ولذلك هم يهتمون بالقربان الذي يأتي في عيد الفصح تحديداً لأنه قربان الخلاص... مع أن القربان الأهم والأعظم وفق الشريعة اليهودية هو "قربان الغفران" الذي يقدم للرب تكفيراً للخطايا وطلباً لرضاه، وهو قربان لم يجري تسجيل أي محاولة لتقديمه، إذ أن هذه المعاني الدينية ليست مهمة بالنسبة للصهيونية الدينية، فهذه طقوس لا تقصد بها الصهيونية الدينية رضى الرب أو كسب أجرٍ مرتجى، بل تقصد بها توظيف الرب في معركة قومية كونية كبرى.

ما هو تاريخ محاولات فرض القربان في المسجد الأقصى؟

1-  بدأ "معهد الهيكل" بإحياء الأدبيات التي تصف هذا الطقس التوراتي، وبتأسيس "طبقة الكهنة" التي يفترض أن تقود صلوات اليهود في الهيكل المزعوم، وبتصنيع مختلف الأواني والأدوات والملابس المتعلقة به في عام 1990، أي أن عمر المحاولة النظرية لبَعث هذه الأسطورة هو 35 عاماً اليوم.

2-  بدأت المحاولات الفعلية لمحاكاة هذه الطقوس عملياً في عام 2014، في مدرسة دينية غرب القدس وبمشاركة طبقة الكهنة الناشئة وإشراف معهد الهيكل، ثم أخذت هذه المحاكاة تتنقل لتدور حول المسجد الأقصى من كل الاتجاهات أملاً في أن تدخل إليه، أي أن عمر المحاكاة الفعلية لهذه الأسطورة هو 12 عاماً.

3-  بدءاً من عام 2021 بدأت منظمة "عائدون إلى جبل الهيكل" عرض جوائز مالية لمن يتمكن من إدخال قربان حيواني حي إلى داخل المسجد الأقصى، أي أن عمر المرحلة الحالية لفرض القربان عملياً هو 5 سنوات.

لماذا تتركز محاولة فرض القربان على قبة السلسلة تحديداً؟

لأن الأسطورة التوراتية تزعم بأن قبة السلسلة هي بالضبط موقع "مذبح الهيكل"، بل إن الصهيونية الدينية تزعم في كثير من أدبياتها بأن المسلمين قد بنوا قبة السلسلة خصيصاً "بقصد إخفاء آثار المذبح"! رغم عدم وجود أي دليل تاريخي أو رواية حتى لو موضوعة تتناول نقاشاً كهذا عند بنائها، بل إن هذه الجماعات اعتبارت مشروع تجديد بلاط القاشاني في قبة السلسلة "أعمالاً تخريبية مقصودة تقوم بها الأوقاف لإخفاء آثار الهيكل"، وقد أقر الكنيست الصهيوني زعمها هذا في 2013 واتخذ من وقتها قراراً بمنع الأوقاف الأردنية من القيام بأي مشروع أو ترميم في الأقصى إلا بعد عرض المخططات على بلدية الاحتلال وسلطة الآثار الصهيونية وحصولها على الموافقات اللازمة، وهو ما أدى إلى تعطيل كبير لمشاريع الإعمار وأعمال الترميم منذ ذلك الحين.

هل للقربان علاقة بالمناسبة التي تم فيها اقتحام اليوم؟

لا. اقتحام اليوم 2-6-2025 تم بمناسبة "عيد الأسابيع" وهو أحد "أعياد الحج الثلاثة" التي كان يجب فيها على اليهود زيارة القدس والهيكل في عهد الجماعة اليهودية الأولى قبل السبي البابلي وفق الرواية التوراتية، وهو العيد الذي يحتفي بنزول التوراة على النبي موسى عليه السلام وفق التأريخ التوراتي، وهو عيد متداخل مع عيد الحصاد البابلي، وطقوسه متصلة بتقديم باكورة حصاد الأرض باعتباره عيداً للحصاد، وبالاحتفال وشرب الخمر باعتباره "ليلة زفاف الرب إلى التوراة" وفق بعض مدارس التراث الصوفي اليهودي.

لكن تكرار محاولة تقديم القربان في جميع المناسبات بغض النظر عن معناها التوراتي الأصلي يوضح طبيعة تيار الصهيونية الدينية كتيار قومي أولاً وديني ثانياً، يرى في الدين معززاً للقومية الصهيونية ومجدداً لروحها الاستيطانية والاستعمارية، وطقوس الدين تستمد أهميتها في نظره من مقدار خدمتها للمشروع الاستعماري الإحلالي الصهيوني.