شبكة قدس الإخبارية

تفكيك الوضع القائم: كيف تُدار الطقوس اليهودية في المسجد الأقصى؟

٢١٣

 

Screenshot 2025-06-01 115712

ترجمات خاصة - شبكة قدس: كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت أن تعليمات شرطة الاحتلال بمنع الطقوس الدينية اليهودية داخل الأقصى نظرياً، هي تعليمات شكلية لا تُنفذ عملياً، وبالرغم التصريحات الرسمية المتكررة الصادرة عن حكومة الاحتلال الإسرائيلي وشرطة الاحتلال بشأن "الالتزام بالحفاظ على الوضع القائم" في المسجد الأقصى، يكشف تحقيق أعدته الصحيفة أن الواقع الميداني داخل باحات المسجد بات مختلفاً جذرياً، إلى درجة يمكن القول معها إنّ "الوضع القائم لم يعد قائماً".

وفق ما وثقته الصحيفة، فإن التعليمات الرسمية التي تُعرض في الإيجاز الأمني لعناصر شرطة الاحتلال قبيل كل اقتحام يهودي للمكان، تُنصّ بوضوح على حظر أي "نشاط ديني أو طقسي يهودي" داخل الأقصى. لكن التوثيقات الميدانية أظهرت أن هذه التعليمات تُترك دون تطبيق، حيث يؤدي المقتحمون طقوساً دينية علنية، تشمل الركوع، الانبطاح على الأرض باتجاه "مكان الهيكل"، وتلاوة آيات من التوراة بصوت مرتفع، وحتى إقامة صلوات جماعية داخل زوايا في باحات المسجد، بينما تكتفي عناصر الشرطة بمراقبة ما يجري دون أي تدخل يُذكر.

يُبرز التحقيق أن من يقود هذه الانتهاكات اليومية هم طلاب وأعضاء "يشيفات هار هبيت" و"كلية درِيشات تسيون"، واللذان يسيّران اقتحامات شبه يومية باستثناء أيام الجمعة والسبت، والأعياد الإسلامية وشهر رمضان. ويصف مدير المدرسة الدينية، مردخاي يورافيتسكي، التباين بين التعليمات والممارسة قائلاً: "ما يُكتب شيء، وما يُطبق شيء آخر تماماً".

وبحسب شهادات متطابقة من المشاركين في الاقتحامات، لم تعد تلك الاقتحامات تقتصر على الشعائر الدينية، بل تحولت إلى فعل سياسي "سيادي" يُراد به ترسيخ وجود إسرائيلي دائم في المكان. أحد المشاركين، أهرون متلون (37 عاماً) من مستوطنة كريات أربع، عبّر عن ذلك قائلاً: "حتى لو وُصفنا بالمتطرفين أو أتباع بن غفير، نحن نغير الواقع. هذا ما فعله من أسسوا الدولة من قبل".

ورغم تأكيدات رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو مراراً أن "الوضع القائم في الأقصى لن يتغيّر"، إلا أن ما كشفه التحقيق يبيّن أن الصلوات اليهودية انتقلت مؤخراً إلى مناطق أكثر مركزية في المسجد، بما فيها الجهة الغربية، التي تشهد مروراً دائماً للمصلين المسلمين.

ويعود هذا التغيير بشكل كبير إلى سياسات وزير "الأمن القومي" إيتمار بن غفير، الذي أطلق دعوات صريحة لفرض "الحرية الدينية لليهود في الأقصى"، بل شارك شخصياً في اقتحامات علنية، أبرزها في ذكرى "تسعة آب" العبري، وأمر الشرطة بالسماح بأداء طقوس السجود الديني علناً. الحاخام إليشاع وولفسون، رئيس "يشيفات هار هبيت"، لخص هذا التحول بالقول: "في السابق كنا نهمس بصمت، اليوم نغني وننحني بلا خوف".

ورغم المعارضة التي تبديها المرجعيات الدينية اليهودية التقليدية، وعلى رأسها الحاخامية الأرثوذكسية التي تحظر اقتحام الأقصى، يرى أتباع تيارات دينية قومية، أبرزهم أتباع الحاخام شلومو غورين، أن اقتحام الأقصى جائز ضمن شروط "طهرانية" محددة. ويعتبر هؤلاء أن بناء "الهيكل الثالث" هو الغاية النهائية لوجودهم في المكان.

بالنسبة لأهرون متلون، فإن الاقتحام ليس الهدف، بل مجرد خطوة أولى نحو "استئناف تقديم القرابين" و"إقامة العبادة الأصلية". ويشاطره في هذا الرأي ناشطون آخرون، مثل يوآف سلومون، الذي عاد مؤخراً من الخدمة في جيش الاحتلال، قائلاً: "عندما يُبنى الهيكل، ستنتهي أسباب الصراع".

اللافت في نتائج التحقيق أن ما يقارب نصف طلاب "يشيفات هار هبيت" هم من التيار الحريدي، رغم أن المرجعيات الدينية لهذا التيار تُحرّم بشكل قطعي اقتحام الأقصى. أحد هؤلاء الطلاب، ويدعى حاييم (38 عاماً)، يقول إنه خالف ما تربى عليه بعد دراسات دينية معمّقة. ويرى أن "تحريم الاقتحام لا يستند إلى نصوص قاطعة"، متهماً من يعارضونه بأنهم "يخضعون لضغوط سياسية وليس لشرائع التوراة". ويضيف حاييم: "لم نحلم لألفي عام بالوصول إلى الحائط فقط، بل إلى ما خلفه. الحائط يقيدنا... والحرية تكمن خلفه".

ينقل التحقيق عن الحاخام وولفسون قوله: "نحن في حالة حرب. العدو لا يستمد قوته من السلاح، بل من تمسكه بالمكان. عندما نفهم أن كل جبل الهيكل (الأقصى) لنا، سيتحقق الخير للبشرية". ويذهب أحد المتحدثين، ويدعى إيليحنان، إلى اعتبار تسليم الأقصى للوقف الإسلامي من قبل وزير الحرب الأسبق موشيه ديان عام 1967 "خيانة تاريخية لا تُغتفر"، مضيفاً: "كانت لدينا الفرصة لاستعادة الهيكل، وأهدرناها".