ترجمة خاصة - شبكة قدس: أعلن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن تعيين اللواء المتقاعد دافيد زيني رئيسًا جديدًا لجهاز الأمن العام لدى الاحتلال (الشاباك)، في خطوة أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والقانونية داخل الكيان، وسط تصاعد الانتقادات بشأن تسييس الأجهزة الأمنية وتغول السلطة التنفيذية على المؤسسات ذات الطابع المهني والأمني.
دافيد زيني، المولود في القدس عام 1974، ينتمي لعائلة دينية بارزة، حيث أن والده هو الحاخام يوسف زيني. نشأ في مدينة أشدود وتلقى تعليمه في مؤسسات دينية، قبل أن ينخرط في مسار عسكري طويل بدأه من الوحدة الخاصة التابعة لهيئة الأركان المعروفة بـ”سييرت متكال”، ثم التحق بلواء “جولاني” ضمن جيش الاحتلال، حيث شغل مناصب قيادية شملت قيادة كتيبة 51، ومن ثم وحدة “إيغوز” الخاصة، وهي وحدات شاركت في مهام قتالية متعددة ضد الفلسطينيين واللبنانيين، أبرزها خلال حرب تموز 2006 والعدوانين على قطاع غزة عامي 2009 و2014. في عام 2015، أسس زيني لواء الكوماندوز الجديد في جيش الاحتلال، ما عزز حضوره كأحد العقول العسكرية الصاعدة داخل المنظومة الأمنية الإسرائيلية.
في أعقاب عملية السابع من أكتوبر 2023، شارك في الاشتباكات مع مجموعات المقاومة الفلسطينية، وهو ما استخدمه نتنياهو لتسويغ ترشيحه باعتباره “قائدًا ميدانيًا شجاعًا”، بينما اعتبره خصومه محاولة لإضفاء طابع بطولي على شخصية تفتقر للخبرة الاستخباراتية المطلوبة لرئاسة جهاز بحجم الشاباك.
تعيين زيني يأتي في سياق تصعيد سياسي واضح من قبل نتنياهو ضد رئيس الشاباك الحالي رونين بار، الذي حاول عزله بزعم “فقدان الثقة”، في حين أن دوافع العزل بحسب معارضين تعود لرفض بار الانصياع لتوجيهات سياسية تضمنت قمع احتجاجات داخلية ومراقبة معارضين لسياسات الحكومة. المحكمة العليا في الكيان أوقفت إجراءات العزل، معتبرة أن الخطوة تنطوي على تضارب مصالح، لا سيما في ظل التحقيقات الجارية في ملف “قطر غيت”، والذي تلاحق شبهاته مقربين من نتنياهو.
الاتهامات المتبادلة بين نتنياهو ورئيس الشاباك الحالي كشفت عمق الأزمة داخل مؤسسات الحكم، إذ اتهم بار رئيس الحكومة بمحاولة توريط الجهاز الأمني في نزاعاته السياسية الداخلية، بينما وصف نتنياهو رئيس الشاباك بأنه “فاقد للمصداقية” و”يخدم أجندات سياسية معادية”.
ما يزيد من إشكالية هذا التعيين هو أن زيني سيكون أول رئيس للشاباك يُعيّن من خارج الجهاز منذ قرابة ثلاثة عقود، وهو ما أثار استياءً داخل الجهاز نفسه وفي أوساط المعارضة التي رأت في القرار تجاوزًا للتقاليد المهنية وتسييسًا خطيرًا لمؤسسة يفترض أن تبقى محايدة.
تحذيرات صدرت عن المستشارة القانونية لحكومة الاحتلال طالبت بعدم تمرير التعيين قبل تسوية المسائل القانونية المتعلقة بوضع رونين بار، محذّرة من أن المضي في هذا المسار قد يؤدي إلى انهيار ثقة الجمهور بالجهاز الأمني. في المقابل، يرى أنصار نتنياهو أن زيني يحمل في رصيده تجربة عسكرية ميدانية صلبة تؤهله للتعامل مع التحديات الأمنية التي تواجه الكيان، خاصة في ظل المواجهة المستمرة مع قطاع غزة والتوترات الإقليمية المتصاعدة.
ويُعد دافيد زيني من الشخصيات المقربة لعائلة نتنياهو، وتحديدًا لسارة نتنياهو، زوجة رئيس وزراء الاحتلال، والتي لعبت دورًا ملحوظًا في ترشيحه لمناصب أمنية رفيعة، حيث طُرح اسمه سابقًا لرئاسة أركان جيش الاحتلال، رغم تحفظات داخل المؤسسة العسكرية على ترشيحه بسبب قلة خبرته الاستراتيجية مقارنة بمرشحين آخرين. هذا القرب العائلي والسياسي يعزز الانطباع بأن تعيين زيني لرئاسة جهاز الشاباك لا يستند فقط إلى مؤهلات مهنية، بل يأتي في إطار مشروع أوسع يقوده نتنياهو لإحكام السيطرة على أذرع الاحتلال الأمنية، خاصة بعد تصاعد الأصوات المنتقدة لسياساته داخل تلك الأجهزة.
هذا التعيين يعكس منهجية واضحة يتبعها نتنياهو منذ سنوات، تقوم على تعيين شخصيات موالية له شخصيًا أو مقربة من محيطه العائلي في مناصب أمنية حساسة، وذلك لضمان عدم معارضتهم له، خصوصًا في الملفات المتعلقة بمحاكمته بقضايا فساد أو التعامل مع الاحتجاجات الداخلية. ويبدو أن نتنياهو يسعى لتحويل أجهزة الدولة الأمنية من مؤسسات ذات استقلالية نسبية إلى أدوات تخدم بقاءه السياسي، سواء عبر تطويع الجيش أو الشاباك أو الشرطة، في مشهد يثير القلق من تآكل الطابع المؤسسي لنظام الحكم لدى الاحتلال وتغوّل السلطة التنفيذية على ما يفترض أنها أجهزة مهنية مستقلة.