انتشرت أمس صور السفير الأمريكي في الكيان الصهيوني مايك هاكابي وهو يزور البقرات الحمراء الخمس في مستوطنة "شيلوه" شمال شرق رام الله في الضفة الغربية، وهي البقرات المعدة لطقس "الذبح والتطهر" من "نجاسة الموتى" تمهيداً لمضاعفة العدوان على المسجد الأقصى ومضاعفة أعداد المقتحمين له من خلال تجاوز هذه "العقبة الدينية"، فما الذي يجعل السفير الأمريكي مهتماً بقضية طقوسية يهودية تفصيلية كهذه؟
في واقع الأمر ليست هذه أول مرة يشاطر فيها المسؤولون الأمريكان عملياً جماعات الهيكل المتطرفة في أنشطتهم لتهويد المسجد الأقصى وتغيير هويته: فقد سبق لجيسون جرينبلات مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط في ولايته السابقة ومعه ديفيد فريدمان سفير الولايات المتحدة في الكيان الصهيوني أن شاركا مع سارة نتنياهو في 2019 في افتتاح "نفق الحُجاج" الذي يشكل جزءاً من حفريات تهويد جوار المسجد الأقصى في سلوان، بل إن فريدمان صرح حينها بأن أنفاق سلوان "إرث أمريكي".
البقرات ذاتها التي يزورها السفير اليوم هي أمريكية؛ فقد تطوع مزارع أمريكي من تكساس من الطائفة الإنجيلية اسمه بايرون ستانسون لتوفيرها، رغم أن هناك ظلالاً من الشك أن دوره لم يكن شراءها فقط بل محاولة توفيرها وتربيتها بعملية هندسة جينية تسمح بالتأكد بأنها حمراء بلا أي شعرة من لون مختلف. ويتطوع لرعايتها اليوم في موقعها في شيلو مزارع أمريكي آخر هو لاري بورنتريجر، وتولي شبكة سي بي أن المسيحية الإنجيلية التي تبث من الولايات المتحدة الاهتمام الإعلامي الأكبر لتلك البقرات.
ولا يقتصر الاهتمام بتلك البقرات على بعض الناشطين، بل إن الحاخام الذي يتولى مشروعها إسحاق مامو قد حل ضيفاً في شهر 1-2024 على أحد أكبر التجمعات الأنجيلية في واشنطن تحت رعاية مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي.
ما يجمع كل هذه الجهود السياسية الأمريكية الدؤوبة لاحتضان جهود تغيير هوية المسجد الأقصى والقدس والضفة الغربية بأسرها هو اتفاقها مع سموتريتش وبن جفير على فكرة مركزية واحدة هي الخلاص؛ فالمسيحية الإنجيلية تؤمن بعودة ثانية للمسيح تشكل خلاصاً للبشرية حيث سيحكم المسيح لألف عام تسمى "العصر الألفي السعيد"؛ أما الصهيونية الدينية التي يؤمن بها سموتريتش وبن جفير فتعتقد بالماشيح المخلص الذي سيبعثه الرب لتخليص "شعب إسرائيل" وليُخضع له "أعناق الأمم"؛ ورغم خلافهما على هوية المخلص إلا أن كلا الطرفين يتفقان على ضرورة التدخل لتعجيل مجيئه.
الصهيونية المسيحية ترى في العمل لتعجيل مجيء المخلص الحل لأزمة انحلال الأخلاق والمثلية والبعد عن الدين والاحتكار وانتشار الفساد وهي كلها عناوين تسعى ضمنياً لإعادة تكريس تفوق العرق الأبيض في الولايات المتحدة عبر القيم المسيحية؛ أما الصهيونية الدينية التي يتبعها سموتريتش وبن جفير فترى أن تعجيل مجيء المخلص هو المدخل الوحيد لحسم الصراع وإنهاء العداء وتأبيد وجود الكيان الصهيوني كحقيقة إعجازية يفرضها الرب ولا يضطر الصهاينة للقتال من أجلها إلى الأبد، ومع طول أمد الحرب يمسي إلحاح قدوم المخلص أكبر.
كلا الطرفين يعتقدان أن قيام الهيكل في مكان الأقصى هو لازمة ضرورية لمجيء المخلص، وأن تهويد كل أرض فلسطين شرط مسبق لمجيئه... عملياً نحن أمام صهيونية دينية تجد لها أنصاراً ووقوداً من الإنجيليين أكثر مما تجد من العلمانيين الصهاينة أنفسهم، ومايك هاكابي ليس إلا أحد هؤلاء، ولذلك كان اليوم أول سفير أمريكي يزور مستوطنة في الضفة الغربية، واختار مستوطنة ذات بعد ديني وبدأ من عند البقرات الحمراء ليقول بأنه أكثر حماساً للحسم في الضفة الغربية وفي المسجد الأقصى من سموتريتش نفسه!