شبكة قدس الإخبارية

وحدة "ملات" السرية في جيش الاحتلال.. كيف انخرط نشطاء وصحفيون فلسطينيون في خدمتها؟ 

٢١٣

 

photo_2025-03-25_20-05-47

خاص - شبكة قدس: تهدف العمليات النفسية في السياق العسكري إلى تقويض معنويات العدو، وتعطيل عمليات اتخاذ القرار لديه، والتأثير على الرأي العام. يستخدم هذا النوع من الحرب الدعاية، والمعلومات المضللة، والتكتيكات النفسية لتحقيق أهدافه. إدماج الحرب النفسية في العمليات العسكرية يعزز الأهداف الأخيرة. المكونات الأساسية للحرب النفسية تتضمن مزيجًا استراتيجيًا من الدعاية، والمعلومات المضللة، والترهيب، جميعها تهدف إلى تشكيل تصورات وسلوكيات الجمهور المستهدف. تسعى هذه التكتيكات إلى استغلال الضعف النفسي، مما يخلق بيئة من الخوف لدى الجمهور المستهدف.

أحد الجوانب الأساسية للعمليات النفسية في السياق العسكري هو استخدام الدعاية لنشر المعلومات التي تخدم أجندات محددة. يمكن أن تشمل هذه الترويج لموضوعات نفسية تهدف إلى تقويض المعنويات، أو إظهار القوة، أو تعزيز الانقسام داخل الجمهور المستهدف. من خلال صياغة روايات مقنعة، يمكن للعمليات العسكرية التأثير بشكل فعال على معتقدات وأفعال المقاتلين والمدنيين على حد سواء. بالإضافة إلى ذلك، تلعب المعلومات المضللة دورًا حاسمًا في تشويش وزعزعة استقرار الجمهور المستهدف. يمكن أن تؤدي هذه التكتيكات إلى دفع الأعداء إلى اتخاذ قرارات سيئة بناءً على تقييمات غير دقيقة للوضع.

كما يشكل الترهيب عنصرًا أساسيًا، حيث يهدف إلى غرس الخوف في الجمهور المستهدف. يمكن أن تجبر عروض القوة أو إعلان العواقب المحتملة، الجمهور المستهدف، على الامتثال للمطالب أو التخلي عن أهدافهم الاستراتيجية. مجتمعة، تؤكد هذه العناصر على أهمية الحرب النفسية في تعزيز فعالية العمليات العسكرية. في الصراعات الحديثة، أصبحت العمليات العسكرية تتكامل بشكل متزايد مع الحرب النفسية كاستراتيجية محورية. يعتمد هذا النهج على مهارات الاتصال، والتقدم التكنولوجي، وعلوم السلوك للتأثير على تصورات العدو واكتساب ميزة نفسية.

تركز العمليات النفسية النفسية في السيناريوهات العسكرية المعاصرة على مجموعة متنوعة من التكتيكات، بما في ذلك العمليات الإعلامية، وحملات الدعاية، وتكتيكات التضليل. تهدف هذه الاستراتيجيات إلى زعزعة معنويات العدو وخلق حالة من عدم اليقين بين السكان المدنيين. تشمل العناصر الرئيسية للحرب الحديثة التي تستخدم التكتيكات النفسية ما يلي: التلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي لنشر السرديات، والرسائل المستهدفة التي تهدف إلى التأثير على السكان المحليين.

من خلال هذه الأساليب، تهدف العمليات العسكرية إلى إلى إعادة تشكيل المشهد النفسي لساحة المعركة. من خلال معالجة الجوانب العسكرية والمدنية للحرب، يتم تعزيز الفعالية العملياتية العامة في بيئات معقدة. العمليات النفسية تؤثر بشكل عميق على السكان المدنيين خلال العمليات العسكرية. فهي تستخدم تكتيكات تهدف ليس فقط إلى تخويف الخصوم، بل أيضًا إلى التلاعب بالتصورات والسلوكيات لدى السكان المحليين. تهدف هذه الاستراتيجيات إلى خلق الارتباك والخوف وفقدان الثقة، مما يؤدي في النهاية إلى تقويض معنويات المقاتلين الأعداء والمدنيين على حد سواء.

والاهم، يمكن أن يؤدي التأثير النفسي إلى اضطرابات اجتماعية كبيرة. فقد يعاني المدنيون من زيادة في القلق والشعور بالضعف، مما يؤثر على حياتهم اليومية ويغير الديناميكيات الاجتماعية. يمكن أن تؤثر الدعاية على الرأي العام، سواء لدعم أو معارضة الأعمال العسكرية للجهات والمنظمات التي تنتمي لهم (فصائل المقاومة في الحالة الفلسطينية). علاوة على ذلك، غالبًا ما تستخدم العمليات النفسية حملات التضليل، التي يمكن أن تؤدي إلى تمزق التماسك المجتمعي وإثارة الانقسامات بين مختلف الجماعات. يمكن أن تكون العواقب طويلة المدى ضارة، مما يعزز بيئة من الشك والعداء داخل المناطق المتأثرة.

وحدة "ملات".. جيش الاحتلال والعمليات النفسية

في عام 2005 أنشأت شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وحدة خاصة أطلقت عليها مركز العمليات النفسية "ملات". ورغم أن عمل الوحدة سريا بعض الشيء، إلا أن بعض المصادر الإسرائيلية تشير إلى أنها "وحدة قتال في المجال النفسي". في البداية، كانت الوحدة تتبع قسم العمليات في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية قبل أن تتحول في 2006 إلى وحدة متخصصة ومنفردة في مجالها. 

في تعريف العمليات النفسية التي تقوم بها "ملات"، يشار إلى أنها "مجموعة الأنشطة التي تهدف إلى تغيير تصور الواقع، المواقف، المشاعر والسلوكيات لدى الجمهور المستهدف". وهذا مصطلح واسع يشمل الأنشطة السرية والعلنية. بعض هذه الأنشطة، يتمثل في: منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، اختراق الصحفيين والنشطاء وتوجيههم للكتابة في الاتجاه الذي يحقق أهداف العمليات النفسية العسكرية الإسرائيلية وإنشاء حسابات وهمية ومواقع إنترنت. 

في عام 2008 كان الاختبار الأول لعمل وحدة "ملات" في الساحة الفلسطينية. كان الهدف الرئيسي للوحدة خلال عدوان 2008 هو تقويض دعم الشعب الفلسطيني لحركة حماس، أو كما تم التعبير عنه في مفاهيم الوحدة "غرز شقاق بين السكان وحماس" ، وفق ما يكشف معهد دراسات الأمن القومي في دراسة نشرها في 15 فبراير 2021. كانت الوحدة قد استعدت لهذه المهمة قبل بدء العملية، وأعدت حملة دعائية بمساعدة مستشارين إعلاميين ونفسيين، تضمنت مقاطع فيديو وبيانات صحفية، وطورت قدرات إنتاج لتوليد محتوى جديد بسرعة أثناء العملية. من بين الرسائل التي ركزت عليها الحملة كانت: "قادة حماس هربوا وتركوكم"، و"حماس تستخدم المدنيين كدروع بشرية وتسرق المساعدات الإنسانية التي وُجهت إليهم".

في العدوان المذكور (2008)، كانت العمليات النفسية لـ"ملات" تهدف بشكل رئيسي إلى التأثير على الشعب الفلسطيني وتصوراته تجاه حركة حماس، التي تم تصويرها كمنظمة لا تهتم بمعاناة الشعب الفلسطيني. كما حاول الجيش تعزيز الانطباع بأن حماس قد تعرضت لضربة قوية. ومع ذلك، على عكس الحرب مع حزب الله في عام 2006، اختار جيش الاحتلال الإسرائيلي التركيز على الدمار الذي أنتجه العدوان وليس على شخوص قيادة حركة حماس خشية أن تؤدي هذه العملية لنتائج عكسية ويرتفع رصيد قيادة الحركة بين الفلسطينيين. 

في تلك الفترة لم يكن لوسائل التواصل الاجتماعي ظهور، ولذلك دمجت وحدة "ملات" بين الأدوات المختلفة من أجل خلق أكبر تأثير ممكن مع تركيزها على المنتديات التي كانت وسيلة التواصل الاجتماعي المعروفة. كما كان جيش الاحتلال الإسرائيلي يحرص على إسقاط منشوراته بالقرب من مبنى الصحفيين في غزة، لكي يتم تغطيتها من قبل الصحافة في غزة. كما قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بحجب البث الإذاعي والتلفزيوني الذي كان يرتبط بحماس، لمنع رفع معنويات الفلسطينيين. كما أنتج جيش الاحتلال الإسرائيلي "نشرات أخبار" تم بثها على محطات الراديو التي سيطر عليها، حيث كان يتم التأكيد على التقارير التي تتناقض مع رواية حماس، مثل حجم المساعدات الإنسانية التي أدخلتها إسرائيل إلى القطاع.

تطور عمل وحدة "ملات" في عدوان 2014 على قطاع غزة. أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي للوحدة إمكانية انتشار رسائلها على نطاق واسع ضمن ذات الأهداف والسياقات؛ تفكيك الحاضنة الشعبية لحركة حماس والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. لكن بعدا آخر اهتمت فيه الوحدة، تمثل في التركيز على فكرة "الاختراق" و"هشاشة الأمن" لدى حركات المقاومة في قطاع غزة. حاولت الوحدة خلق نوع من الشك لدى المقاومين في قيادتهم، وبين المقاومين أنفسهم، وبين المقاومين والحاضنة الشعبية. استثمرت الوحدة في هذا العدوان كثيرا في التأكيد على فكرة تفوق الاحتلال استخباراتيا وتكنولوجيا وقدرته على الوصول لأدق التفاصيل في قطاع غزة، وعمدت على نشر أسماء مقاومين وصورهم وأدوارهم في العمل المقاوم، وكذلك الإعلان عن أسماء الشهداء منهم حتى قبل الإعلان الرسمي من حركات المقاومة. لكن المهمة الأهم بالنسبة للوحدة كانت؛ خلق فجوة بين المقاومة والحاضنة الشعبية. 

في حرب الإبادة التي بدأت في أكتوبر 2023، يمكن ملاحظة الدور النشط لوحدة "ملات" بعد إعادة تفعيلها، والتي لم تعد تعتمد على رسائلها الخاصة، بل على رسائل من الجمهور المستهدف. ينخرط نشطاء وصحفيون فلسطينيون أحيانا، بقصد أو بغير قصد، في العمليات النفسية التي تقودها وحدة "ملات". من أهم مظاهر هذا الانخراط، هو مهاجمة المقاومة المسلحة، وتحميلها مسؤولية المجازر والدمار الذي حلّ بالفلسطينيين. تتلاقى هذه الرسائل في الأهداف مع وحدة "ملات"، وبما أن نشاط الوحدة سري وتتبع هيئة استخباراتية إسرائيلية فإنه يمكن الافتراض أن جزء من النشطاء المنخرطين في الدعاية التي تحقق أهداف الوحدة، هم مكلفون بحكم علاقة سرية بالوحدة.

إن أحد أهداف وحدة "ملات" كما أشار معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، هو التأثير على الشعب الفلسطيني وتصوراته تجاه حركة حماس، التي تم تصويرها كمنظمة لا تهتم بمعاناة الشعب الفلسطيني. يمكن الكشف عن الكم من هذه الرسائل في منشورات العديد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، بل إن جهات رسمية فلسطينية تتبنى مثل هذه الرسائل وتعززها في الخطاب الفلسطيني. إن التحوّل والنجاح الكبير في عمل الوحدة خلال حرب الإبادة المستمرة على الشعب الفلسطيني هو استفادتها من رسائل من داخل الجمهور المستهدف.