طوباس - خاص قدس الإخبارية: إحدى عشر يوماً طوال أمضاها النازحون بعيداً عن مخيم الفارعة جنوب طوباس شمال الضفة الغربية، بعد أن أجبرهم جيش الاحتلال على إخلاء منازلهم واتخاذها ثكناتٍ عسكرية خلال عدوان "السور الحديدي" المُستمرة في مخيمات جنين وطولكرم، والتي دخلت شهرها الثالث على التوالي.
عاد النازحون من مخيم الفارعة إلى مخيمهم فور انسحاب جيش الاحتلال، الذي خلَّف وراءه دمارا واسعا طال المنازل والبنية التحتية، ليصل كلٌّ منهم إلى بيتِه المُدمر بشكلٍ كُلي، أو جزئي، أو المحترق، أو إلى محتويات البيت التالفة، أو إلى مصادرِ رزقهم الوحيدة التي لم تعد موجودة بعد أن نال منها عبثُ الاحتلال.
وبحسب بيانات رسمية، نزح أكثر من 3000 فلسطيني في 250 عائلة عن المخيم، معظمها تحت تهديد السلاح، تزامنًا مع نقص المياه والمواد الغذائية، والأدوية، جراء الحصار الذي فرضه الاحتلال على المخيم.
ولم يكتفِ جنود الاحتلال بترويع الآمنين في بيوتهم ومداهمتها فحسب، بل أصرّوا خلال الاجتياح أن يتركوا دماراً في كل شبرٍ تطأه أقدامهم، دمارٌ يجلب دماراً لحياة الفلسطينيين ويُعيدهم إلى نقطة الصفر التي سعوا كل حياتهم للتغلب عليها.
يقول الفلسطيني خضر مهداوي لـ "شبكة قدس"، بعد أن فجر الاحتلال دكانته الصغيرة ومصدر رزقه الوحيد " مرَّ شهرٌ كامل على تفجيرها وما أزال أعيش بالديْن من هنا وهناك بعد خسارتي 60 ألف شيكل، داهموها بعد مداهمةِ البيت وتخريب كافة محتوياته والاعتداء على ابني واعتقاله، وقرروا تفجيرها بعد أن أتلفوا ما فيها من بضائع".
ويُضيف: "لم أستطع إعادة ترميمها حتى الآن، أستلف المال ممن أعرفهم لإصلاحها تدريجياً لعلّني أتمكن من الاسترزاق منها مجدداً، ولم تُمد يد العون أو العوض من أي جهة رسمية حتى الآن، جميعهم يأتون لالتقاط الصور لا أكثر".
دمارُ غرفةٌ يشرِّد 26 فرداً
داخل البيت الكبير ذي الطوابق الثلاثة، الذي كان يضُم أربع عائلاتٍ قبل أن يُداهمه جيش الاحتلال ويسلِب منهم تلك الجدران التي تأويهم.
"لم يسقط البيت بشكلٍ كامل، ولكنه لم يعد صالحاً للسكن أيضا، فجّر الاحتلال غرفة دمرت كل ما يحيط بها من غرف في الطابق العلوي، والغرف السفلى المباشرة في الطابق الثاني"، تقول لميا صبح، أحد أفراد البيت.
وتضيف صبح، في حديثها لـ "شبكة قدس": حتى السكن في الطابق الأول أصبح خطيراً، فالبيت بأكمله أصبح آيلاً للسقوط ولا دعامات ليستند عليها، وهو ما اضطرنا جميعاً للنزوح واستئجار شققٍ أخرى خارج المخيم، وبذلك أصبح 26 فرداً نازحينَ من بيتهم الذي ما يزال واقفاً، بسبب غرفة".
وعن حادثة التفجير تروي صبح أن جنود الاحتلال داهموا منزلهم 4 مراتٍ خلال الاجتياح، في المرةِ الثالثة أخذوا الزي العسكري لشقيقها العامل بالسلطة الفلسطينية وأتلفوها بالزيت والمنظفات.
وتضيف: في المرة الرابعة، تذرع جنود الاحتلال بوجود كاميرات مراقبة في ذات الغرفة، بحجة أنها ترصد تحركات المقاومين، مع أن الكاميرات وشاشة المراقبة لم تعملا منذ مدةٍ طويلة، ولكنهم قرروا أنها غرفة "تخريب" وعليهم تفجيرها.
وخلال اجتياح المخيم، منعت قوات الاحتلال إدخال الأدوية وحليب الأطفال، إضافة إلى منع طواقم الإسعاف من الوصول إلى المرضى، حيث لم يتمكن المسعفون من التعامل سوى مع خمس حالات فقط، بينها إصابة لسيدة بشظايا جراء تفجير باب منزلها.
همٌّ فوق آخر
واستكمالاً لتدمير الاحتلال للمنشآت والمباني والبنية التحتية في مخيم الفارعة حتى يومه الأخير، وبعد أن فشل عدوانه العسكري وسقطت أهدافه المعلنة لها بعد عجزه عن الوصول إلى المقاومين، لم يجد أمامه سوى الانتقام من حاضنتهم الشعبية بالتنكيل والتخريب.
وخلال الاقتحام، حققت قوات الاحتلال ميدانياً مع أكثر من 100 شخص من أهالي المخيم، وأجبرت كثيرين منهم على النزوح القسري خارج المخيم، كما جرى اعتقال شخصين، أحدهما مطارد للاحتلال جرى اعتقاله في قرية الجديدة، جنوب جنين، ومن ثم هدم مقهى على مدخل المخيم تعود ملكيته لعائلته.
وطال هذا الخراب مبنى اللجنة الشعبية في المخيم، التي تُقدم الخدمات لأكثر من 10 آلاف لاجئْ فلسطيني، تطبيقاً للمخطط الإسرائيلي القاضي بتفكيك المخيمات وجعلها بيئةً طاردة لسكانها بعد حظر عمل الأونروا وتدمير معظم البيوت ومحال الرزق والشوارع.
وهدم الاحتلال أثناء ذلك أيضاً بيتاً آخر يقابل مبنى اللجنة الشعبية، فغرست أنيابُ جرافاته المبنيين ودمرت بذلك بيتاً لفلسطينيين أضحوا بعدها نازحين بلا مأوى.
يقول رائف جميل، صاحب البيت المُدمر: "لم نأخذ من البيت أي شيء بعدما أجبرنا على النزوح، هدموا البيت، حرقوا المركبات، واعتقلوا أخي وظلت زوجته وأولاده بلا معيل منذ شهرٍ حتى الآن، فتزامنت كل الهموم علينا معاً."
ويوضح جميل لـ "شبكة قدس" إنه اضطر للنزوح إلى خارج المخيم، وتولى رعاية عائلة أخيه الذي أسره الاحتلال، إلى جانب أولاده الخمسة، بينما لم يعد يملك لا بيتاً ولا مالاً أملاكه التي هدمها الاحتلال.
وفي 21 كانون الثاني/ يناير الماضي، بدأ الاحتلال الإسرائيلي عدوانا عسكريا على محافظات شمال الضفة استهله بمدينة جنين ومخيمها وبلدات في محيطهما. ثم وسّع الاحتلال عدوانه إلى مدينة طولكرم ومخيمها في 27 كانون الثاني/يناير، قبل أن يقتحم بلدة طمون ومخيم الفارعة في محافظة طوباس في الثاني من شباط/فبراير الجاري، حيث انسحب من طمون بعد حصار دام 7 أيام وانسحب من الفارعة اليوم، بينما يتواصل عدوانه على جنين وطولكرم.