شبكة قدس الإخبارية

استخدام المعلومات المضللة في النزاعات: أداة استراتيجية في الحرب النفسية

٢١٣

 

استخدام المعلومات المضللة في النزاعات: أداة استراتيجية في الحرب النفسية

نشرت مجلة "المهام العسكرية" المتخصصة في الشأن العسكري مقالة تحت عنوان "استخدام المعلومات المضللة في الصراعات: التداعيات التكتيكية"، وفيما يلي ترجمة المقالة وتلخيصها:

تطور استخدام المعلومات المضللة لتصبح سلاحًا نفسيًا هامًا في النزاعات المسلحة، حيث تهدف إلى التأثير على التصورات والسلوكيات خلال العمليات العسكرية. يمكن أن تكون المعركة على العقول بنفس أهمية المعركة في الميدان، إذ تتضمن التلاعب بالحقائق وتوجيه الجمهور لصالح طرف معين. وتعد هذه الظاهرة جزءًا من الحرب النفسية، حيث تتداخل الحقيقة والخداع بشكل معقد لتشكيل الواقع الذي يدير النزاع.

والمعلومات المضللة هي المعلومات الكاذبة أو المحرفة التي يتم نشرها سواء عمدًا أو غير عمد بهدف التأثير على المواقف أو الارتباك أو التلاعب بالسلوك. تلعب هذه الظاهرة دورًا رئيسيًا في استراتيجيات الحرب النفسية، التي تسعى لتعطيل عمليات اتخاذ القرارات لدى الخصوم. تزرع المعلومات المضللة الشكوك، وتقوض المعنويات، وتثير الخوف بين الجنود والمدنيين على حد سواء. ومع التطور الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، زادت سرعة انتشار المعلومات المضللة بشكل كبير، مما جعل البيئة الإعلامية أكثر تعقيدًا.

للمعلومات المضللة تاريخ طويل في الاستراتيجيات العسكرية. خلال الحرب العالمية الأولى والثانية، كانت القوى المتصارعة تستخدم الدعاية بشكل واسع، ليس فقط لتعبئة الجمهور ولكن أيضًا لتدمير معنويات العدو. تم استخدام ملصقات الدعاية والتقارير المزيفة، بالإضافة إلى تكتيك "الخيانات الاستراتيجية" لنقل معلومات مغلوطة عن تحركات العدو ومخططاته. في الحرب العالمية الثانية، على سبيل المثال، أُستخدمت المعلومات المضللة بشكل بارز خلال غزو نورماندي، حيث خدع الحلفاء الألمان بمعلومات خاطئة حول مكان وزمان الهجوم، مما منحهم الأفضلية الاستراتيجية.

خلال الحرب الباردة، تطور استخدام المعلومات المضللة ليشمل الحروب الإيديولوجية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. نشر كل طرف معلومات كاذبة لتشويه صورة الآخر وتعبئة شعوبه ضد العدو. من أبرز الأمثلة في هذا السياق "عملية انفكشن" السوفيتية، التي زعمت أن الولايات المتحدة قد طورت فيروس الإيدز كسلاح بيولوجي.

تستغل المعلومات المضللة آليات نفسية متعددة لتشويه الإدراك البشري وقيادة السلوكيات الموجهة. الانحرافات المعرفية، مثل التحيز للمعتقدات والانحياز للأمان، تلعب دورًا كبيرًا في تقبل المعلومات المضللة. فعلى سبيل المثال، يميل الأفراد إلى تصديق المعلومات التي تتماشى مع معتقداتهم السابقة، مما يعزز تأثير الدعاية المضللة.

بالإضافة إلى ذلك، يعد التلاعب العاطفي، خصوصًا من خلال إثارة الخوف، أداة فعالة في نشر المعلومات المضللة. باستخدام مشاهد عنف أو تهديدات مبالغ فيها، يمكن أن تثير المعلومات المضللة ردود فعل عاطفية سريعة وغير عقلانية من الأفراد، مما يسهم في اتخاذ قرارات غير مدروسة تؤثر على سير النزاع.

تسعى استراتيجيات المعلومات المضللة في الحروب إلى تقويض الثقة في المصادر الشرعية للمعلومات. يمكن أن تتضمن هذه الاستراتيجيات نشر مستندات مزورة أو صور معدلة تهدف إلى تضليل الجمهور حول قدرات العدو العسكرية أو نواياه. أيضًا، قد يتم استخدام وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي لتسريع انتشار المعلومات المغلوطة.

التوقيت المناسب لنشر المعلومات المضللة يعد عنصرًا حاسمًا في نجاح هذه الاستراتيجيات. عندما يتم نشر الأخبار المغلوطة في وقت حساس يتزامن مع العمليات العسكرية الكبرى، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تعزيز تأثيرها على الجبهة الداخلية وعلى الخصوم.

شهدت النزاعات الحديثة، مثل الحرب الأهلية السورية والصراع في أوكرانيا، استخدامًا واسعًا للمعلومات المضللة. في الحرب الأهلية السورية، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا بارزًا في نشر روايات حول الهجمات بالأسلحة الكيميائية، مما جعل من الصعب تحديد الحقيقة وسط تناقض التقارير. أما في النزاع الأوكراني، فقد استخدمت وسائل الإعلام الروسية معلومات مضللة للتلاعب بالتصورات حول التقدمات العسكرية وتغيير المعادلة النفسية في الداخل والخارج.

المعلومات المضللة لا تؤثر فقط على القوات العسكرية، بل تلعب دورًا محوريًا في التأثير على المدنيين أيضًا. من خلال خلق مناخ من الشك والخوف، تساهم المعلومات المضللة في تقسيم المجتمعات وزيادة التوترات بين السكان. قد تؤدي هذه المعلومات إلى فزع غير مبرر، وتعرقل توزيع المساعدات الإنسانية، مما يزيد من معاناة المدنيين. بالإضافة إلى ذلك، فإن انتشار المعلومات المضللة يعوق قدرة المدنيين على اتخاذ قرارات رشيدة بشأن سلامتهم، مما يجعلهم أكثر عرضة للخطر.

وتلعب الحكومات دورًا كبيرًا في استخدام المعلومات المضللة كأداة للحرب النفسية.

سواء من خلال وسائل الإعلام أو الهجمات السيبرانية، تستغل الدول المعلومات المضللة للتأثير على الرأي العام، زعزعة ثقة الخصوم، وتقوية الدعم المحلي لجهودها الحربية. من ناحية أخرى، تستخدم الجماعات غير الحكومية، مثل المنظمات الإرهابية، أيضًا هذه الأدوات لنشر روايات كاذبة، تحريض العنف، أو تجنيد الأعضاء.

من المتوقع أن يتطور استخدام المعلومات المضللة مع تقدم التكنولوجيا. سوف تتزايد استخدامات الذكاء الاصطناعي لإنشاء روايات أكثر إقناعًا، بينما ستصبح الوسائط الاصطناعية، مثل التزييف العميق، جزءًا أساسيًا في الحروب النفسية. هذا التطور سيجعل من الصعب التمييز بين الحقيقة والخيال، مما يزيد من تحديات مكافحة التضليل.

إن استخدام المعلومات المضللة في الحروب يثير العديد من القضايا الأخلاقية. فبينما توفر هذه الاستراتيجيات ميزات استراتيجية، فإنها تؤدي إلى تداعيات أخلاقية عميقة، بما في ذلك زيادة الخوف وفقدان الثقة. كما أنها تضعف التماسك الاجتماعي وتثير العنف داخل المجتمعات.

ومع ذلك، تظل المعلومات المضللة أداة قوية في الحروب النفسية، حيث تؤثر على التصورات وسير النزاع. مع تطور تقنيات التضليل، من الضروري أن تطور المجتمعات استراتيجيات فعالة لمكافحة هذا التلاعب المعلوماتي، مع الحفاظ على مسؤولياتها الأخلاقية. إن فهم تداعيات المعلومات المضللة في النزاعات يساعد على إعداد الأفراد والمجتمعات بشكل أفضل للتعامل مع تأثيراتها السلبية.