تعد معركة طوفان الاقصى تطورا نوعيا في فكر المقاومة، فكان عنصر المفاجأة الذي حول الفعل المقاوم من مجرد الدفاع الى المبادرة بالهجوم ببراعة عسكرية منقطعة النظير، وكفاءة قتالية، وقدرة قيادية بينت قدراتها على التخطيط والقيادة، والسيطرة والتحكم والتمويه والتشويش، كذلك على الخداع الاستراتيجي والاستخباري.
بالمبادأة نعني الهجوم، ولا تتحقق النتيجة الحاسمة في الحرب إلا عن طريق العمليات الهجومية، حيث يمتلك القائد في هذه العمليات عنصر الابتكار ويفرض إرادته على خصمه، ولقد كانت استراتيجية العدو الإسرائيلي دائما هجومية من البداية إلى النهاية، وكان أبداً حريصا على ألا يترك للمقاومة زمام المبادأة أو المبادرة، ودائما يردد قادة العدو متفاخرين أنه لم يحدث قط أن كان جيش "إسرائيل" في وضع دفاعي وتلك في الواقع كانت سياسة "الحرب الوقائية" المكذوبة، سياسة شل الأعصاب وتدمير قوة الخصم غدراً على الأرض قبل أن يتحرك، فيها كان العدو يرى صمام أمنه بل صميم وجوده ذاته، وحولها خطط كل استراتيجيته.
وعليه من الضروري أن ندرك أن هذه الاستراتيجية الهجومية- هي المركز المحوري في كل فلسفة العسكرية الصهيونية وهي جزء لا يتجزأ من الطبيعة الاستفزازية والعدوانية المتأصلة في الوجود الإسرائيلي من أساسه.
لنأخذ مثالا ما قاله ايجال يادين، من أوائل رؤساء أركان العدو يقول في كتاب له – الأخطر على وجود إسرائيل وجود الروح الهجومية عند العرب لذلك يجب علينا أن نواجه هذه الروح الهجومية بضربات هجومية أشد وأقوى، ولا يجوز رد الهجوم إلا بسبق العرب إليه، أما إذا سبقتنا المقاومة إلى الهجوم فإن الهجوم المضاد يصبح الرد الوحيد والفعال".
لقد كان من الواضح تماما من مجريات وتطور الأحداث ما قبل السابع من أكتوبر أن ليس هناك ما يدعو العدو إلى تغيير استراتيجيته، ومن المؤكد أن هذا ما كان يبيته ويخطط له ـ وبالفعل فلقد اعترف العديد من قادة العدو بأنهم كانوا بصدد تصعيد عسكري غير مسبوق لمواجهة تصاعد قوى المقاومة.
غير أن المقاومة كانت الأسبق والأسرع، فكان الطوفان، فاختل توازن العدو وكان الاضطراب الشديد والفوضى الارتجالية وردود الفعل العصبية الطائشة هي أبرز ملامح سلوك العدو في الأيام الأولى وبالأخص الساعات الأولى من المعركة.
فنجحت قيادة المقاومة في عملية الخداع والتضليل، وفوتت على مخابرات الاحتلال الفرصة في تحقيق اختراقات تمكنها من كشف خطة الهجوم، التي اشتملت على عناصر كبيرة بينها حشد القوات وتدريبها وإجراء مناورات لها وتوفير السلاح المناسب، ثم تحديد الموعد الدقيق للعملية وإبلاغ القوات المعنية.
كانت عقيدة الاحتلال القتالية تدور حول محور الهجوم الخاطف ولم يكن معد نفسيا ولا عسكرياً للدفاع الجدي وهذا كان عاملاً من عوامل اهتزازه واضطرابه حين تعرض لأكبر عملية هجومية حقيقية، وما من شك أن مبادرة المقاومة بالهجوم كانت مفتاح اضطراب العدو وفرض موقف الدفاع عليه كان بداية هزيمته.
العميد في جيش الاحتلال غور ليش، الذي عمل رئيساً لقسم التخطيط في سلاح جو الاحتلال ورئيساً لشعبة مفهوم الأمن في هيئة الأمن القومي لدى الاحتلال "عملية السابع من أكتوبر كسرت العديد من المعتقدات والمفاهيم في الوعي الإسرائيلي، والحرب التي تديرها "إسرائيل" منذ ذلك الحين تختلف عن الحروب السابقة، إذا كانت "إسرائيل" لا تستطيع فرض إنهاء النزاع بالقوة على أعدائها، ومن بين أعدائها من يرغب في العمل ضدها؟! إذا كانت "إسرائيل" لا تستطيع إبقاء جيشها مجنداً وناشطاً بالكامل ويجب عليها الاكتفاء بنواة صغيرة من القوات النظامية فما الذي يمنع أعداءها من مهاجمتها في أي يوم لا يكون فيه الجيش مجنداً؟
في جميع حروبها كانت إسرائيل تمتلك زمام المبادأة والمبادرة والحركة والهجوم استراتيجياً وتكتيكياً، وهي التي تحدد الزمان والمكان، وهي التي تفرض أسلوب القتال بما يلائمها، لكن هذه المرة المبادرة بالهجوم أفقد العدو عنصر المفاجأة والصدمة والضربة الاستباقية معاً.
أما في طوفان الأقصى فكانت المقاومة الفلسطينية تمتلك عقيدة قتالية هجومية ابتداء من تحديد الزمان والمكان إلى أساليب القتال الملائمة لظروفها وإمكاناتها في حرب خاطفة ومواجهة تصادمية طويلة .
كان يوم السابع من أكتوبر كما يقول ناحوم برنياع الصحفي الاسرائيلي الشهير، "أسوأ يوم في تاريخ الحروب العسكرية التي خاضتها "إسرائيل" وهدفت حماس منها كما كتب بن كسبيت إلى الحصول على صورة نصر وعادت بألبوم كامل.
إذا لا ينبغي أن يكون لدينا شك أن كسر العدو وتهشيم منظومته العسكرية والامنية يرجع إلى المبادرة بالهجوم، فالمهاجم والبادئ بالهجوم، كقاعدة عامة وأساسية، هو الأقدر والأقوى على فرض إرادته، وهو الأقرب على احتمالات النصر وقد قيل قديماً "لا يكسب المعارك إلا من يخوضها".