ترجمة خاصة - شبكة قُدس: على مدار شهور طويلة بعد بدء معركة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر، ظل الجمهور الإسرائيلي وقادة الاحتلال أسرى العديد من الأسئلة والشعور بالإحباط العميق بشأن الإخفاقات التي أدت إلى نجاح العملية. فقط مع انتهاء ولاية رئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي هليفي، وقبل دخول خليفته، آيال زامير، تم نشر تحقيق جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يوضح الإخفاقات التي أدت إلى بدء الحرب. التحقيقات هذه، التي جاءت بعد شهرين من التأخيرات، تقدم صورة قاتمة بشكل خاص حول الثقافة الاستخباراتية والعسكرية التي كانت موجودة في النظام الأمني لدى الاحتلال.
ويعتبر خبراء في الشأن العسكري لدى الاحتلال أن إحدى الاستنتاجات الأكثر قسوة التي تم اكتشافها في التحقيقات هي الثقافة الاستخباراتية من العمى والغرور التي كانت موجودة في السنوات التي سبقت العملية. لم ينجح النظام الأمني لدى الاحتلال، وخاصة جهاز الاستخبارات، في فهم نوايا حركة حماس رغم سلسلة من الإشارات التي كانت تشير إلى إمكانية حدوث هجوم واسع. بمعنى آخر، لم تسمح الثقافة التنظيمية والاستخباراتية لدى الاحتلال باستخلاص العبر من الحالات التي سبقت الأحداث، مما أدى إلى فقدان القدرة على التعرف على النوايا الحقيقية لحركة حماس، التي استمرت في التخطيط للمعركة على مدار سنوات.
ووفقا لهم، أعمق إخفاق كان الاعتقاد بأن حماس لا ترغب في حرب واسعة مع الاحتلال. هذه النظرة، التي استندت إلى سياسة "إدارة الصراع" وعدم فهم العدو، ساهمت في تعزيز قوة حركة حماس وجعلت النظام الأمني لدى الاحتلال يعتقد أن حماس تفضل إبقاء الوضع كما هو ولن تتخذ خطوة واسعة. بالإضافة إلى ذلك، لم يأخذ النظام الأمني لدى الاحتلال في الحسبان حقيقة أن حماس قد تنتقل لعمل مفاجئ، كما فعلت في 7 أكتوبر.
وكشفت تحقيقات 7 أكتوبر عن إخفاق آخر، حيث لم تُجرَ مناقشات مسبقة حول الحاجة للتحضير لهجوم واسع من حركة حماس، ولم يتم إزالة التهديدات العملياتية التي كانت معروفة في الميدان. رغم أنه كان معروفًا أن حماس كانت تطور خططًا لكسر الدفاعات حول غزة، إلا أنه لم تتم مناقشة التحضيرات بشكل جدي لمواجهة هجوم واسع، ولم يُعطَ الاهتمام الكافي لتلك التهديدات.
ويشير الخبراء أن المعلومات المتاحة لم تُنقل بشكل منظم ولم تكن واضحة للقيادة العليا في هيئة الأركان لجيش الاحتلال حول النوايا الفعلية لحركة حماس. من بين تلك المعلومات، كانت هناك إشارات تدل على نية حماس تنفيذ الهجوم تحت اسم "جدار أريحا"، لكن كل هذه المعلومات لم تُقيَّم بشكل صحيح ولم تؤدِ إلى استجابة مناسبة.
ويوضح الخبراء الإسرائيليون أن السياسة التي قادت "إسرائيل" في العقد الأخير كانت سياسة "إدارة الصراع" مع حماس، وهي سياسة الحفاظ على الوضع الراهن ومنع تصاعد المواجهة. لكن الاستنتاجات التي تَبَيَّنَت بعد 7 أكتوبر أظهرت أن هذه كانت خطأ مريرًا. لم تدرك "إسرائيل" أن حماس لم تكن تبحث عن الهدوء، بل كانت تخطط فعليًا للحرب كعملية استراتيجية بهدف تحقيق تحرير فلسطين. حماس لم تعتبر التهدئة مع "إسرائيل" خيارًا واقعيًا، بل أداة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية.
كما هو مذكور في التحقيقات، فشلت سياسة "إدارة الصراع" لأنها لم تُقيِّم بشكل صحيح قدرات حماس والتهديدات الحقيقية التي كانت تشكلها الحركة. كانت الفرضية الأساسية في النظام الأمني لدى الاحتلال هي أن حماس لا تطمح إلى حرب واسعة، وبالتالي لم يكن هناك تخطيط مناسب يشمل احتمال حدوث مثل هذا الهجوم.
أحد العناصر الرئيسية في التحقيق كان الاستخدام الناجح لحركة حماس للخداع العسكري والعملياتي، مما أدى إلى مفاجأة النظام الأمني لدى الاحتلال تمامًا. استخدمت حماس خدعًا تكتيكية وعملياتية لإخفاء خططها، مستغلة بذلك العمى الاستخباراتي لدى جيش الاحتلال الإسرائيلي والنظام الأمني. شملت هذه الخدع تدريبات وهمية وعمليات خدعت جهاز الاستخبارات الإسرائيلي وجعلته يغفل عن الإشارات المشبوهة. ويشير التحقيق إلى أن تأثير هذه الخدع كان حاسمًا، حيث أدت إلى مفاجأة تامة لجيش الاحتلال الإسرائيلي في 7 أكتوبر.
وكانت خطة غزو حماس نموذجًا ليس فقط للخداع، ولكن أيضًا لتجربة تهدف إلى كسر دفاعات جيش الاحتلال الإسرائيلي. تم تحضير خطة "جدار أريحا" على مدار سنوات، وكان من المفترض أن تكون عملية مشتركة تعمل وفقًا لنماذج من المفاجأة والمناورة الواسعة. نجحت حماس في مفاجأة النظام الأمني لدى الاحتلال بعدم وجود تحذير استخباراتي كافٍ كان يمكن أن يوجه جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وكان النظام الأمني لدى الاحتلال، وخاصة جهاز الاستخبارات، في حالة غفوة بالنسبة لحركة حماس. لم تُعطَ أهمية كافية لفهم حماس لإمكانات النجاح في الهجوم الواسع. حتى الفهم بوجود إشارات على التحضير العسكري لم يقُد إلى استخلاص العبر بالشكل المناسب، وظل النظام الأمني لدى الاحتلال في غفلته.
لم تُعتبر البيانات التي جمعها جهاز الاستخبارات إشارات على حالة استثنائية، مما أدى إلى تأخير الرد على الهجوم.
الدروس التي ذُكرت في التحقيقات تتعلق بضرورة إجراء تغييرات جذرية في تصور "الأمن القومي الإسرائيلي". يشدد خبراء عسكريون إسرائيليون أنه يجب إيقاف سياسة "إدارة الصراع" وتغيير الاستراتيجية التي كانت متبعة على مدار سنوات. يجب التحضير للهجمات المفاجئة على نطاق واسع وعدم الاعتماد على الغفوة الأمنية السياسية.
وفقًا للتحقيقات، يجب التركيز على تعزيز قوات الاحتياط والتحضير لمعارك كبيرة ومعقدة، بالإضافة إلى استخدام أساليب متقدمة لاكتشاف التهديدات بشكل أكثر فعالية. علاوة على ذلك، من المهم النظر في إدخال ثقافة رقابة استخباراتية أكثر حساسية، بحيث يكون جهاز الاستخبارات قادرًا على التعامل بشكل أفضل مع التحديات العملياتية من النوع الذي واجهته "إسرائيل" في 7 أكتوبر.
وفي النهاية، تظهر الاستجابة المتأخرة من جيش الاحتلال الإسرائيلي تجاه حركة حماس في 7 أكتوبر المشكلات العميقة في النظام الأمني لدى الاحتلال، التي أدت إلى الفشل الاستخباراتي، القيادي والعسكري. النظام الأمني لدى الاحتلال، الذي كان مقتنعًا أن حماس لن تقوم بهجوم واسع، كان يراهن على التهديدات الحقيقية وأصبح ضحية لخدع مبرمجة من قبل حماس.