منذ العام 2003 أصبح اللاجئون الفلسطينيون المقيمون في العراق يعيشون ما بين المقابر والأرض الحرام التي أرست بهم أخيراً عام 2007 في كندا والبرازيل وأستراليا.
كان اللاجئون الفلسطينيون قد لجؤوا إلى العراق على موجات متعددة، حيث قدمت المجموعة الأولى (5000 شخص) من حيفا ويافا عام 1948، بينما وصلت المجموعة الثانية بعد حرب عام 1967، أما المجموعة الثالثة فقد وصلت بعد حرب الخليج عام 1991 حين أرغم الكثير من الفلسطينيين على مغادرة الكويت وذلك كعقاب لهم على تأييد منظمة التحرير الفلسطينية للنظام العراقي آنذاك.
في تموز 2003 أجرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تعداداً لللاجئين الفلسطينيين في العراق، وحسب التعداد وصل عدد الفلسطينيين المقيمين في بغداد إلى أكثر من 22 ألف، بالإضافة إلى أعداد أخرى موجودة في البصرة والموصل إلا أن الأوضاع الأمنية حالت دون تسجيلهم.
الوضع القانوني لللاجئين الفلسطينيين في العراق
لم يتم إعطاء اللاجئين الفلسطينيين وضع لجوء رسمي من قبل السلطات العراقية، ومن ثم تمت مساعدتهم بشكل كامل من قبل وزارة الدفاع العراقية، ومن بعدها من قبل وزارة العمل والشؤون الإجتماعية. تم توفير الحماية للاجئين الفلسطينيين من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة إضافة إلى أنهم تمتعوا بمعاملة خاصة نوعاً ما.
يضاف إلى ذلك، وحسب بروتوكول الدار البيضاء للعام 1965 كان قد تم منح اللاجئين الفلسطينيين وثائق سفر خاصة، وكان لديهم الحق بالعمل والحصول على الخدمات الصحية والتعليم والخدمات الحكومية الأخرى إضافة إلى أنه تم منحهم مساكن حكومية ودعم مادي من أجل الحصول على مساكن خاصة.
من الناحية العملية تمتع الفلسطينيون بكثير من الحقوق والرفاهية النسبية التي تمتع بها المواطنون العراقيون، كما أنهم عانوا بنفس الطريقة من تدني مستوى المعيشة الذي عاني منه العراقيون أيضاً نتيجة للحروب.
2003 ونقطة التحول نحو الجحيم
أدى سقوط النظام العراقي في نيسان 2003 إلى ترك الفلسطينيين في وضع قانوني هش، وضياع الإلتزامات التي كانوا يتمتعون بها سابقاً، فقد أشارت تقارير منظمة الصليب الأحمر الدولي لتعرضهم للمضايقة والتهديد اللفظي والجسدي من قبل الميلشيات العراقية. واتهم الفلسطينيون من قبل بعض وسائل الإعلام العراقي في أيار 2005 بالقيام بأعمال تفجيرية في حي بغداد الجديدة، يضاف إلى ذلك أنه تم إخلاء المئات من العائلات الفلسطينية من منازلهم من قبل مالكين غاضبين لأنهم كانوا قد أجبروا على تأجير منازلهم لفلسطينيين يحصلون على إعانات مالية.
كانت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين قيد أعلنت في حزيران 2006 عن مقتل 8 فلسطينيين في حي البلديات إثر هجوم شنته ميلشيات مسلحة، وتم اختطاف 60 فلسطينياً من قبل قوات الأمن المتعددة الجنسيات والذين لا يزال مصيرهم مجهولاً.
تصاريح الإقامة حين تجبرك على اللجوء للأرض الحرام
يعاني الفلسطينيون كغيرهم من اللاجئين في العراق من صعوبة تجديد تصاريح إقامتهم والتي تكون بالعادة عملية مذلة. تجدر الإشارة إلى أنه لم يكن مطلوباً من الفلسطينيين الحصول على تصاريح إقامة خلال فترة حكم النظام السابق. أما بعد سقوط النظام فيواجه العديد منهم الترهيب عند تجديد التصاريح.
كرد فعل على الترهيب والأوضاع الأمنية المتردية قام حوالي ألف فلسطيني بمحاولة الهروب وانتهى بهم الأمر بهم عالقين في الصحراء في المنطقة الحدودية بين الأردن والعراق والمعروفة باسم الأرض الحرام.
في آب 2003 سمحت السلطات الأردنية ل 386 شخصاً بالدخول إلى أراضيها من ذوي الزيجات المختلطة والبقاء في مخيم الرويشد، أما الباقون فمنهم من لم يحتمل القسوة الظروف المعيشية في الأرض الحرام قرروا العودة لمواجهة مصيرهم في بغداد والذي بقي محصوراً بين الموت على أيدي الميلشيات المسلحة أو العيش في المقابر للحفاظ على حياتهم إلى حين تمكنهم من الهروب مرة أخرى بوثائق وجوازات سفر مزورة وطلب اللجوء في بلدان أخرى.
والجدير بالذكر أنه تم إنشاء مخيم الرويشد الذي يقع على بعد 70 كيلومترا من الحدود مع العراق في عام 2003 وقد أقام به صوماليون وأكراد إيرانيون، بالإضافة إلى الفلسطينيين والعراقيين الذين فروا بسبب أعمال العنف في العراق. وستتم إعادة توطين معظم هؤلاء الأشخاص في بلدان ثالثة، بما في ذلك أستراليا، كندا، الدانمارك، نيوزيلندا، السويد، والولايات المتحدة.
وكان آخر المقيمين، وهم مجموعة مكونة من 108 فردا من الفلسطينيين، قد تم قبولهم من جانب البرازيل وغادرت مخيم الرويشيد في ثلاث مجموعات ابتداء من أواخر أيلول/ سبتمبر 2007 بعد معاناة استمرت لمدة 3 سنوات توفي خلالها العديد من اللاجئين الفلسطينيين والذين كان آخرهم فتاة ووالدتها كانتا قد وصلتا إحدى مستشفيات عمان جثتين متفحمتين.
وحسب تقارير المفوضية العليا لشؤون اللاجئين فقد عاش الفلسطينيون حياة قاسية في الرويشيد حيث عانوا من انتشار العقارب، والعواصف الرملية، وعدم القدرة على النوم في خلال فصل الصيف الحار. ويوماً بعد يوم أصبحوا يائسين حتى أن بعضهم عاد إلى العراق. وتقول رشيدة، وهى تطوى بطانية من أجل الرحلة إلى البرازيل: "في بعض الأحيان، اعتقدت إنني لن أغادر هذا المكان مطلقا. وقد جاء هذا اليوم والآن لدينا جميعا فرصة ثانية في هذه الحياة، في مكان سنحاول فيه نسيان الماضي".
وأخيراً، فإنه لا يزال ما يقدر بنحو 13 ألف فلسطيني آخرين يتعرضون للاستهداف والمقايضات والتهديد والقتل في بغداد. يقول حسام وهو فني كهرباء مدرب: "عندما كنا في بغداد، كنا نذهب إلى العمل في الصباح ولا ندرى إن كنا سنعود مرة أخرى إلى منازلنا". ويبقى السؤال ماذا لو قررت دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية أن تعير الفلسطينيين في العراق بعضاً من اهتمامها.
* في الصورة: آخر المغادرين أسرة تتجمع لالتقاط صورة جماعية ليلة رحيلهم من مخيم الرويشد.
ملاحظة: تم تحضير هذا التقرير بالاعتماد على تقارير المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمة الصليب الأحمر الدولية، ومجلس اللاجئين الدنماركي.