غزة - خاص شبكة قدس: "لمولي عظمه وكل حاجة فيه" هكذا صرخت " أم أحمد" وقت أوصلوها لبيتها في رفح حيث رفاة ولدها الشهيد "حسن أشرف السيد" – 15 عامًا- التي تحولت إلى عظام.
احتضنت جمجمته وبكت لتقول " والله حاسة فيك يما، روحي يما والله مش خايفة منك ياحسن (..)جيتك يما والله جيتك وجيت اخدك، ماحدش دور عليك غيري".
عندما وصل رجال الدفاع المدني لأخذ ما تبقى من عظام الشهيد حسن لنقلها إلى المقبرة، فبكت الأم "ابني ابني وين ماخدينه (..) حبيبي يما".
فهذا حسن الذي قرر الذهاب إلى بيتهم في رفح ليحضر الطحين لأمه بعدما انقطع في المنطقة الوسطى ومواصي خانيونس حيث ينزحون وذلك قبل نحو شهرين من وقف إطلاق النار.
حينها، ذهب حسن ليحضر لأمه في خيمتها الطحين برفقة زوج أخته، حينها بدأ قناص في جيش الاحتلال بإطلاق النار عليهم، فحاول زوج أخته منعه وإجباره على العودة لكنه أصر على إكمال طريقه وهناك قنصه الجنود بعدة طلقات نارية ليرتقي على إثرها شهيدا.
بقيت الأم تنتظر ابنها أياما علّه يعود، فبقيت تظن أنه ربما حوصر في البيت ولم يستطع العودة، رغم أن الجميع أكد لها ارتقاءه شهيدا.
وبمجرد الإعلان عن وقف اطلاق النار ذهبت برفقة شقيقاته "داليا و نورا" وبقية العائلة للبحث عنه حتى وجدته هيكلا عظميا أكلته الكلاب الضالة، عرفته من قميصه وحذاءه وبقيت تردد "اللهم أجرني في مصيبتي وأخلفني خيرا منها".
هنا حكاية الشهيد "حسن" انتهت في قطاع غزة وتحديدا في رفح، لكنها لم تنته في "الفيوم" المدينة المصرية، حيث البلد الأصلي الذي كشفته "شبكة قدس الإخبارية" حين علمت أن "حسن" من أب مصري الجنسية.
عزاء حسن في الفيوم
تواصل مراسل "شبكة قدس" مع والد "حسن" وهو "أشرف السيد" ليخبر القصة قائلا:" منذ بداية الإبادة الجماعية على قطاع غزة أعيش تفاصيلها يوما بيوم هنا في مصر، أقف أمام شاشة الجزيرة وأراقب القنوات عبر التلجرام، لدرجة أني كنت أنقل في بعض الأحيان ما يجري في شمال القطاع لأبنائي في رفح".
وأوضح "أشرف" أنه له 4 أبناء من زوجته الفلسطينية السابقة وهما "أحمد لديه طيف توحد، وداليا ونورا والصغير حسن، مشيرا إلى أنه من قبل الحرب كان يتواصل معهم، حتى أنه زار رفح وقت زفاف ابنته، وطوال فترة الحرب كان يسعى لاستقدامهم لكن لم يكن لهم نصيب في ذلك.
ولم يستوعب الأب حتى اللحظة ارتقاء ابنه الصغير "حسن" فدائمًا يسترجع المحادثات عبر الفيسبوك بينهما، ويعلق:" كان متحمس لحضور زفاف أخته رحاب، لدرجة أنه طلب مني شراء ملابس له لارتداءها وقت الفرح (..) ودوما كان يخبرني ماذا سيفعل حين سيأتي لمصر فقد كان يود العيش معي بعد الحرب".
أما عن الجدة والأقارب في الفيوم، فقد أصابهم حزن شديد، فجدته التي شارفت على الثمانين عاما لاتزال تردد اسمه وتترحم عليه، وكانت تطوق لرؤيته كيف غدا شابا، فدائما كان يهاتفها قائلا " بدي أجي أزورك بالفيوم وأشوف بلدي".
ويضيف الأب أشرف:" كان حسن يحب رفح كثيرا ويحفظ أزقتها، ودوما يتحدث له عن أصدقاءه واشتياقه لمدرسته، ويتمنى انتهاء الحرب ليعود لبيته وحارته في رفح".
وأكثر ما كان يسأل عنه الشهيد حسن، أبيه هو "شو بقولو بالأخبار، متى راح تنتهي الحرب"، فيرد عليه الأب "قريبا حتفرج وأجيبك عندي مصر".
وكان يطلب من والده الملابس وبعض الحلويات المصرية، وكان يرد عليه " حأجيبك عندي ونشتري مع بعض"، حيث يصر الأب على ارتداء "بدلة رياضية" لونها أزرق أحبها "حسن" كثيرا وطلب مثلها بلون "أحمر".
وطوال الحديث عن حسن لم تتوقف دموع الأب، فهو لم يصدق ارتقاءه لدرجة أنه حين يذهب لوزارة الخارجية المصرية لمراجعة استقدام أبنائه، يذكر حسن معهم ثم يستوعب أنه ارتقى شهيدا.
وبمجرد سماع الأب اللهجة الغزاوية في مصر، يقبل على الناس ويسألهم عن الأوضاع ويبكي كثيرًا، يقول إنه وعائلته في مصر عاشوا الحرب، وتوقف عن شراء اللحوم والدجاج وأجبرهم على الأكل الذي يأكله الناس في غزة، حتى أخبره الشيخ بأن ذلك "حرام" وعليه الدعاء وممارسة الحياة بشكل طبيعي.
وأثناء الحديث معه، اتصلت ابنته "داليا" عبر الفيسبوك للاطمئنان عليه، فسريعا يحدثها بلهجة غزاوية ممزوجة بكلمات مصرية" ايه لساتكم قاعدين بالخيمة يابا"، "ايه اخبار حسن عملتلو قبر(..) وإمك ربنا يصبرها شوفتها بالفيديو بتعيط خليكم جنبها"، ثم يسترسل بالحديث" قولي لاختك تشتري بطاقة نت وتكلمني عايز أطمن عليها وديروا بالكم على أحمد".
وتوقفت الحرب، ودفنت عظام الشهيد "حسن"، ولايزال الأب "أشرف" قلقا على أولاده في رفح، فهو يسعى لاخراجهم إلى مصر واحتضانهم من جديد، فرغم حزنه على ابنه فهو فخور أن له ابن "شهيد" تضمنه أرض غزة العزة.