يعد الدعم السياسي والعسكري الذي تقدمه بعض الدول والكيانات للمقاومة الفلسطينية أمرًا بالغ الأهمية في سياق الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي" المستمر.
من بين أبرز هذه الدول التي تقدم دعمًا قويًا لفصائل المقاومة الفلسطينية هي اليمن، وبالأخص حركة أنصار الله. إن هذا الدعم ليس فقط دعمًا سياسيًا بل يمتد إلى الدعم العسكري والتضامني الذي يمثل محورًا أساسيًا في استراتيجية انصار الله تجاه القضية الفلسطينية.
الأساس الفكري والديني لدعم القضية الفلسطينية ينبع الدعم اليمني للمقاومة الفلسطينية من الأسس العقائدية والدينية التي تجمع بين الشعبين العربيين. يشترك اليمن وفلسطين في الانتماء إلى الأمة العربية والإسلامية، ولذا ترى حركة أنصار الله أن دعم القضية الفلسطينية ليس مجرد موقف سياسي بل هو واجب ديني وأخلاقي؛ فأنصار الله، مثل العديد من الحركات الإسلامية الأخرى، يعتبرون الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي" جزءًا من صراع أوسع ضد الهيمنة الغربية والاستعمارية، ويشمل هذا الصراع مواجهة الاحتلال للقدس وفلسطين.
كما أن حركة أنصار الله ينظرون إلى المقاومة الفلسطينية، وخاصة حركة حماس والجهاد الإسلامي، على أنها تجسد المقاومة المشروعة ضد الاحتلال، وهو ما يتوافق مع معتقداتهم في "الجهاد" ضد قوى الاستكبار العالمي. كما أن الموقف الإيراني الداعم للمقاومة الفلسطينية ينسجم مع توجهات أنصار الله الذين يعتبرون إيران حليفًا استراتيجيًا في معركة التصدي للمشاريع الغربية والصهيونية في المنطقة.
الدعم السياسي والدبلوماسي
منذ اندلاع الثورة في اليمن، أكدت حركة أنصار الله على مواقفها الثابتة في دعم حقوق الفلسطينيين. في العديد من المحافل الدولية والعربية، تساند الحركة القضية الفلسطينية وتطالب بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وأبرزها حقه في تقرير المصير وإنهاء الاحتلال. كما أن المجلس السياسي الأعلى الذي تقوده حركة انصار الله في اليمن قد أعلن بشكل متكرر دعمه الكامل لفلسطين، ورفضه لأي تطبيع مع الاحتلال.
وقد تميز دعم أنصار الله لفلسطين بالتحركات في مجال الدبلوماسية العربية والإسلامية. فقد دأبت حركة انصار الله على إصدار بيانات تُعلن الدعم الكامل للمقاومة الفلسطينية في مواجهة العدوان "الإسرائيلي"، وذلك في كل جولة تصعيد بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال، وهذا يشمل الدعوة لوقف العدوان، توقديم الدعم العربي لفلسطين، ورفض أي محاولة لتصفية القضية الفلسطينية.
الدعم العسكري والتقني
على الرغم من أن هناك تباينًا في قدرة الدول على تقديم الدعم العسكري المباشر للمقاومة الفلسطينية، إلا أن اليمن وحركة أنصار الله قد قدمت الدعم العسكري والتقني للمقاومة الفلسطينية. التعاون بين حركة انصار الله والفصائل الفلسطينية في مجال التدريب العسكري وتبادل الخبرات في حرب العصابات والتكتيك العسكري قد تم في بعض الأحيان، وكان ذلك مرتبطاً بالظروف الميدانية.
كما أن هناك تقارير تشير إلى أن حركة أنصار الله قد قدمت للمقاومة الفلسطينية دعمًا في مجالات الصواريخ والطائرات المسيرة، وهي التقنيات التي طورتها الحركة في سياق الصراع المستمر في اليمن مع التحالف العربي. الدعم في هذا المجال يمكن أن يعزز من قدرة المقاومة الفلسطينية على مواجهة الهجمات الجوية "الإسرائيلية" وتوجيه ضربات مؤلمة للاحتلال.
إضافة إلى ذلك، نفذت حركة أنصار الله عددًا من العمليات العسكرية في البحر الأحمر مستهدفة السفن "الإسرائيلية" أو التابعة للتحالف العربي بعد حرب السابع من أكتوبر 2023، التي شهدت تصاعدًا في التنسيق بين المقاومة الفلسطينية وحلفائها الإقليميين. في هذا السياق، نفذت قوات البحرية التابعة لانصار الله هجمات استهدفت سفنًا تجارية "إسرائيلية" أو السفن التي تنقل إمدادات للتحالف العربي في البحر الأحمر.
هذه العمليات أظهرت الدعم العسكري المباشر وغير المباشر لفصائل المقاومة الفلسطينية، من خلال ضرب أهداف استراتيجية تساهم في الضغط على "إسرائيل" والتحالف العربي، مما يعزز من قدرة محور المقاومة على الرد على العدوان "الإسرائيلي". وقد أظهرت تلك الهجمات قدرة انصار الله على تنفيذ عمليات بحرية معقدة باستخدام تقنيات متطورة مثل الطائرات المسيرة والصواريخ الدقيقة التي يمكن أن تستهدف السفن العسكرية أو التجارية في البحر الأحمر. وبذلك، سعت حركة أنصار الله إلى خلق نوع من الردع العسكري ضد الاحتلال وتحقيق ضغط ميداني على إسرائيل على أكثر من جبهة، خصوصاً أن انصار الله قامت باستهداف العديد من مدن الداخل المحتل (1948) عبر الصورايخ والطائرات المسيرة، وضربت من خلالها اهداف حساسة وحيوية في ظل معركة "طوفان الاقصى".
التأثير على التوازن الإقليمي والدولي
دعم حركة أنصار الله للمقاومة الفلسطينية يندرج ضمن سياسة أوسع لهذه الحركة وإيران في المنطقة، ويهدف إلى تعزيز موقفهم ضد الدول الداعمة "لإسرائيل" في العالم العربي والغربي. فإيران، التي تعتبر حليفًا أساسيًا لحركة أنصار الله، تقدم دعمًا كبيرًا لفصائل المقاومة الفلسطينية، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على العلاقات بين إيران وحركة أنصار الله من جهة وفلسطين من جهة أخرى.
على مستوى العلاقات الإقليمية، يؤثر دعم اليمن وحركة أنصار الله للمقاومة الفلسطينية بشكل غير مباشر على توازن القوى في الشرق الأوسط. فإنصار الله، من خلال هذا الدعم، يوجهون رسالة واضحة إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج التي لها علاقات تطبيع أو تطلعات لتطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، مفادها أن دعم القضية الفلسطينية يظل أولوية استراتيجية في السياسة الإقليمية.
إن موقف أنصار الله، الذي يرفض أي شكل من أشكال التطبيع مع الاحتلال، يضعهم في دائرة المواجهة مع التحالفات الإقليمية والدولية التي تحاول تحسين العلاقات مع الاحتلال، مما يساهم في عزل هذه الدول على المستوى الشعبي والجماهيري في العالم العربي.
الآثار الاجتماعية والثقافية في اليمن
في اليمن، حيث يعاني الشعب اليمني من حصار ونزاع داخلي مرير، يساهم دعم حركة أنصار الله للمقاومة الفلسطينية في تعزيز الروح القتالية والشعور بالعدالة لدى اليمنيين.
هذا الدعم يخلق نوعًا من التضامن الشعبي مع الشعب الفلسطيني، ويجعل القضية الفلسطينية جزءًا من الوعي الشعبي اليمني. تعكس المسيرات والمظاهرات التي تشهدها المدن اليمنية في المناسبات الفلسطينية مثل يوم القدس، مدى اهتمام الشعب اليمني بالقضية الفلسطينية، بما يساهم في تعزيز التضامن العربي والإسلامي، وأيضاً المسيرات المليونية التي تخرج كل يوم جمعة للتضامن مع الشعب الفلسطيني بعد السابع من أكتوبر 2023.
وبالإضافة إلى ذلك، يعكس دعم اليمن لفلسطين موقفًا رمزيًا مهمًا في العالم العربي، خاصة في ظل الأزمات التي يواجهها اليمن داخليًا. هذه المواقف التضامنية تزيد من الحضور الإعلامي لحركة أنصار الله في العالم العربي، وتعزز من مكانتها كقوة إقليمية في المنطقة، تسعى لمقاومة الهيمنة الصهيونية والعدوان الأمريكي.
التحديات والتأثيرات المستقبلية
رغم الدعم القوي الذي تقدمه حركة أنصار الله للمقاومة الفلسطينية، إلا أن هناك تحديات تواجه هذا الدعم، أهمها الضغوط الدولية والعربية على اليمن وحركة أنصار الله. فالسعودية، التي تقود التحالف ضد الحوثيين، تعتبر القضية الفلسطينية إحدى الركائز الأساسية في سياستها الخارجية، وعليه، فإن دعم أنصار الله لفلسطين قد يعقّد علاقاتهم مع الدول العربية التي تنتهج مواقف تطبيعية مع الاحتلال.
كما أن تحديات الحرب المستمرة في اليمن قد تحد من قدرة حركة أنصار الله على تقديم الدعم العسكري والتقني الكبير للمقاومة الفلسطينية. ولكن في الوقت نفسه، يمكن أن يشكل هذا الدعم جزءًا من استراتيجية أكبر لتعزيز العلاقات مع فصائل المقاومة الفلسطينية وتوسيع دائرة التضامن مع قوى المقاومة في المنطقة.
دعم حركة أنصار الله للمقاومة الفلسطينية هو امتداد لمواقف اليمن التاريخية والعقائدية تجاه فلسطين، ويشكل جزءًا من استراتيجية أوسع لتعزيز محور المقاومة في المنطقة.
هذا الدعم له أبعاد سياسية، عسكرية، ودبلوماسية، ويساهم في تحريك الساحة الإقليمية، ويعزز من موقف اليمن على الساحة العربية والإسلامية. في النهاية، يمثل هذا التحالف بين اليمن وفلسطين رسالة واضحة للعدو الإسرائيلي بأن المقاومة ستظل حية في كل زاوية من العالم العربي، وأن الاحتلال لن يكون قادرًا على القضاء على حلم التحرر الفلسطيني.