شبكة قدس الإخبارية

سيطرة هادئة استمرت لسنوات وصلت حد التجويع.. هكذا أحكمت السلطة قبضتها على أقدم جمعية خيرية في فلسطين 

PNN_f1967image_story

خاص - شبكة قُدس: تعدّ جمعية المشروع الإنشائي العربي من أهم المشاريع الخيرية في فلسطين، والتي أنشئت بقرار من الجامعة العربية عام 1945 لدعم الفلسطينيين. حافظت الجمعية على استقلاليتها على مدار عقود، حيث كانت تُدار من مهنيين وكفاءات، لكنها في السنوات الأخيرة تعرضت لضغوط كبيرة من أجل فرض سيطرة عليها من السلطة الفلسطينية عبر تشكيل مجلس إدارة يأتمر بأوامر السلطة، وقد وصل الحد إلى تجويع الأبقار لأشهر في 2021 - 2022 من خلال تهديد الشركات المزودة للجمعية بالأعلاف، وفق ما كشف عضو مجلس إدارة في تلك الفترة لـ شبكة قدس.

في 8 من الشهر الجاري، أعلن رئيس السلطة محمود عباس عن حل مجلس إدارة جمعية المشروع الإنشائي العربي. قرار بقانون صدر عنه خوّل وزير الداخلية بتعيين لجنة مؤقتة تقوم بمهام مجلس الإدارة لمدة عام. تتولى اللجنة مهام: فتح باب العضوية للانتساب للجمعية، تدقيق التقارير والسجلات المالية، حصر ممتلكات الجمعية من الأموال المنقولة وغير المنقولة، مراجعة النظام الأساسي للجمعية والدعوة لعقد اجتماع للجمعية العمومية بهدف انتخاب مجلس إدارة جديد. 

محاولات السيطرة على الجمعية بدأت منذ سنوات بعيدا عن الصحافة وبهدوء، لكنها توّجت بقرار عباس. امتنعت وزارة الداخلية عن تزويد مجلس إدارة المشروع المنتخب بتاريخ 6 تشرين ثاني 2021 كتاب اعتماد تواقيع مجلس الإدارة الجديد الموجه للبنوك مما أدى إلى عدم القدرة على تغذية مزارع الأبقار والأسماك ودفع رواتب الموظفين، والذي تسبب بخسائر فادحة تكبدتها الجمعية، وأصبح وضع الثروة الحيوانية في المشروع في خطر كبير، وهو ما دفع 3 أعضاء من الهيئة الادارية إلى تقديم استقالتهم بتاريخ 25 تشرين ثاني 2021 احتجاجا على هذا القرار، وتم قبول استقالتهم بتاريخ 29 تشرين ثاني 2021 وتشكيل هيئة إدارية مؤقتة من باقي أعضاء الهيئة الإدارية وجرى إبلاغ وزارة الداخلية بالاستقالة وبتشكيل اللجنة المؤقتة وبتحديد تاريخ 28 كانون أول 2021 موعدا لانتخاب هيئة ادارية جديدة.

وواصلت وزارة الداخلية التابعة للسلطة التضييق على الجمعية من خلال وضع اشتراطات وتقييدات على اللجنة المؤقتة والتدخل بطلب فتح باب العضوية للهيئة العامة وإجراء تعديلات على النظام الداخلي للمشروع كشرط لاعتماد تواقيع مجلس الإدارة لدى البنوك، خلافاً لأحكام قانون الجمعيات الذي يمنع التدخل والسيطرة على الجمعية ويمنع سياسة الاستحواذ والتأثير على أعضاء الهيئة العامة وأعضاء الهيئة الإدارية والتي منحت لهم الحصانة من أي تدخل وفق أحكام قانون الجمعيات رقم 1 لسنة 2000 حيث لا يجوز للجنة أو لأي جهة التدخل بأعمالها أو محاولة التأثير على قراراتها بما يشمل أي تأثير أو تدخل سياسي أو حكومي أو من القطاع الخاص في غير محله.

ولم يقف الأمر عند حد العراقيل بل وصل حد التهديد. وكيل وزارة الداخلية وجه في 2022 تهديدا للهيئة الإدارية أنه إذا ما قبلت الهيئة الإدارية شروط وزارة الداخلية بأنها سوف تحيل تقرير ديوان الرقابة لهيئة مكافحة الفساد، وكان رد مجلس الإدارة المؤقت أن مساءلة كل من يثبت تورطه بتجاوزات من الهيئات السابقة هو مطلب من مطالب الهيئة الإدارية المنتخبة والتي هي حريصة على أن تتم المساءلة والمحاسبة لكل من له يد في أي معاملة فساد. وتدخل أعضاء من وزارة الداخلية في تنسيب أعضاء جدد للجمعية، من خلال حث موظفين حكوميين على تعبئة طلبات لمواطنين معروفين لديهم وموظفين في وزارة الزراعة تربطهم مصالح مع المشروع سواء بمشاريع زراعية أو استئجار أراض من المشروع، وتنسيبهم لعضوية المشروع، وهو أمر مخالف للقانون.

ومع أن الهيئة العامة التي جرى انتخابها في 2021 تجاوبت مع كل طلبات وزارة الداخلية وشروطها، إلا أنها تفاجأت بقرار من وزير الداخلية آنذاك، محمد اشتية بحل اللجنة المؤقتة وتشكيل لجنة مؤقتة جديدة، وذلك قبل يوم من عقد انتخابات الهيئة الإدارية وقبل انتهاء مدة اللجنة المؤقتة بموجب القانون وهي شهر، بما يشكل مخالفة جسيمة لقانون الجمعيات". وتضمن قرار التعيين وجود ثلاثة أشخاص ضمن اللجنة المؤقتة وهم ليسوا أعضاء في الهيئة العامة للمشروع الإنشائي العربي، وبذلك يكون القرار بتعيين الأشخاص المذكورين في اللجنة المؤقتة مخالف للمادة (22) من قانون الجمعيات التي تنص على وجوب تعيين اللجنة المؤقتة من أعضاء الهيئة العامة للجمعية، وفق البيان.

وفي 28 كانون أول 2021 وضمن المدة القانونية المتاحة للجنة المؤقتة الشرعية والمنتخبة من الهيئة العامة للمشروع، جرى اجتماع هيئة عامة للمشروع مع الأعضاء الجدد وانتخاب مجلس إدارة جديد، استنادا إلى قرار الهيئة العامة، وقدم المجلس المنتخب أوراق الاجتماع كافة لمكتب الداخلية في أريحا حسب الأصول،  وتضمن الملف المقدم إجراءات العملية الانتخابية، أسماء الفائزين، ومحضر اجتماع توزيع المناصب حسب الأصول، ورفضت وزارة الداخلية التعاطي مع مجلس الإدارة الجديد مما دعا مجلس الإدارة إلى رفع قضية أمام المحكمة ومن المتوقع أن تقوم المحكمة بإبطال الهيئة الإدارية المعينة وكل قراراتها لأن القرار الوزاري يعتبر مخالفة جسيمة للقانون إلا إذا صدق ما ذكره أحد أعضاء الهيئة الوزارية المؤقتة أمام اجتماع عام "نحن خلفنا الوزارة، وأنتم خلفكم القانون... خلينا نشوف مين بكسب".

ورفضت اللجنة الوزارية المؤقتة غير الشرعية قبول قرار الهيئة العامة الأعضاء الجدد الذين تم اعتمادهم في الاجتماع غير العادي بتاريخ 18 كانون أول 2021 والذي تمت الدعوة إليه من قبل أكثر من ثلث أعضاء الهيئة العامة والذين أصبحوا أعضاء في الهيئة العامة من تاريخه حسب القانون وبذلك تكون محاولة الهيئة الحكومية المؤقتة الطعن في قرار الهيئة العامة وانتقاء أعضاء من الهيئة العامة على مزاجها غير قانوني ويعتبر تعدي على المؤسسة وعلى كرامة الهيئة وأعضائها. وقامت اللجنة المعينة غير الشرعية بتنسيب أعضاء للهيئة العامة بشكل غير قانوني، لأنه أولا لم يتم التصريح عن معايير للتنسيب وموافقة الهيئة العامة عليها، وثانيا لم يتم عرضها وتبنيها من قبل الهيئة العامة حسب النظام الداخلي للجمعية وقانون الجمعيات حيث يتم تنسيب الأعضاء الجدد بقرار من الهيئة العامة فقط، وهذا يشكل خرقا آخر للقانون".

وتعد جمعية المشروع الانشائي العربي الأقدم في فلسطين وهي جمعية خيرية غير هادفة للربح ولا تنتمي لأحزاب سياسية. وقد تأسست في عام ١٩٤٥ بقرار من جامعة الدول العربية دعما لمشروع تقدم به موسى العلمي والذي كان ممثل فلسطين المنتخب والناطق باسمها في المحافل الدولية آنذاك، وتهتم في المقام الاول بخدمة المجتمعات الريفية العربية، وتحسين أداء النشاطات الحرفية والصناعات الزراعية، والحفاظ على البيئة عن طريق غرس الأشجار المثمرة، وتوفير التعليم الزراعي، الصناعي، والمهني للأطفال والشباب العربي.