شبكة قدس الإخبارية

السُلطة تُصعد في جنين.. هل تُقدم أوراق اعتمادها لإدارة ترامب؟

photo_2024-12-11_15-55-05

خاص - شبكة قُدس: تصاعدت حملة السلطة الفلسطينية في مخيم جنين منذ مطلع ديسمبر بشكل غير مسبوق، مستهدفة المقاومة المسلحة التي نشأت وتوسعت في المخيم خلال السنوات الأخيرة. الحملة التي تركز على مصادرة إمكانيات المقاومة واعتقال أبرز كوادرها تأتي في سياق إصرار السلطة على استخدام كل أدوات القوة لإعادة فرض سيطرتها داخل المخيم، وسط رفض قاطع لأي محاولات للتهدئة أو الوساطات الداخلية. يتزامن هذا التصعيد مع تعرض المخيم لعدد من العمليات العسكرية الإسرائيلية الموسعة خلال الأشهر الأخيرة، والتي خلفت دماراً واسعاً في المنشآت والبنى التحتية، وفشلًا ذريعًا في اقتلاع المقاومة.

هذا المشهد المعقد يثير تساؤلات حول الهدف الكامن وراء تصعيد السلطة في جنين، خاصة في ظل تقاطع هذه الحملة مع الجهود الإسرائيلية المتواصلة لتفكيك البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية. فهل تسعى السلطة من خلال هذه الخطوة إلى إعادة ضبط المشهد الأمني لتأكيد شرعيتها الميدانية، أم أن التصعيد يعكس رسائل سياسية خارجية تستهدف إنهاء ظاهرة المقاومة المسلحة في شمال الضفة الغربية لتأكيد السلطة أهميتها وحيوية دورها؟ 

من التصفية المعنوية إلى الإعدامات الميدانية

في خطوة تعكس تصعيدًا ممنهجًا ضد المقاومة المسلحة في مخيم جنين، دحرجت السلطة الفلسطينية حملتها تدريجيًا بدءًا من حملة تشويه واسعة طالت مقاومي المخيم، عبر اتهامات ملفقة حول زرع عبوات ناسفة قرب المدارس والمنشآت العامة. هذه الاتهامات، التي تفتقر إلى أي أدلة، تأتي في تناقض واضح مع الوقائع على الأرض، إذ أثبتت المقاومة في جنين احترافيتها في استخدام العبوات الناسفة بشكل موجّه ضد الاحتلال الإسرائيلي، وألحقت خسائر فادحة بقوات الاحتلال خلال الاقتحامات المتكررة للمخيم وحطمت في أزقته أسطورة ناقلة الجند المعروفة شعبيًا بـ"ناقلة النمر". هذه القدرة النوعية للمقاومة التي تحظى بتقدير شعبي واسع، باتت هدفًا مباشرًا لحملة السلطة، التي سعت لتشويه صورتها والنيل من مصداقيتها.

مع تصعيد الحملة، وجهت السلطة اتهامات جديدة بحق المقاومين، مدعية تورطهم في قضايا جنائية متعددة، وهي اتهامات قوبلت برفض واسع من أهالي المخيم والمراقبين المحليين الذين رأوا فيها محاولة لتقويض دعم الحاضنة الشعبية للمقاومة. 

بلغ التصعيد ذروته مع إطلاق السلطة حملة أمنية موسعة بذريعة قيام المقاومين بوضع اليد على سيارات تابعة لأجهزتها الأمنية. ورغم أن المقاومة أوضحت أن هذه الخطوة كانت احتجاجًا على اعتقال الأسير المحرر عماد أبو الهيجاء، نجل القيادي البارز جمال أبو الهيجاء المعتقل منذ أكثر من 22 عامًا، وشقيق الشهيد حمزة، إلا أن السلطة استمرت في حملتها، متجاهلة هذا السياق الاحتجاجي. لم يتوقف التصعيد عند هذا الحد، بل اعتقلت السلطة الأسير المحرر إبراهيم الطوباسي، وهو شقيق الشهيدين أحمد وإسلام، وشقيق الأسيرين سعيد المحكوم بالسجن المؤبد 32 مرة، ومحمد، ما أثار موجة غضب جديدة داخل المخيم.

رغم محاولات المقاومة التعامل مع الأزمة بمرونة واستعدادها لاحتواء التوتر، إلا أن السلطة أظهرت تصميمًا على التصعيد. المؤشرات الميدانية توضح أن الحملة الأمنية ليست مرتبطة بملف السيارات، بل تبدو مخططة ومعدة مسبقًا ضمن سياق أوسع لتصفية معنوية شاملة تستهدف تفكيك بنية المخيم، الذي يعد المعقل الأبرز للمقاومة الفاعلة في الضفة الغربية. عبر استهداف رموز المقاومة ومحاولة تأليب الحاضنة الشعبية؛ إذ تسعى السلطة إلى تفكيك هذا الحائط الشعبي الذي يشكل حماية أساسية لمجموعات المقاومة الناشطة في المخيم.

الأمر لم يتوقف عند التشويه والاعتقالات، بل اتخذت السلطة إجراءات غير مسبوقة، حيث حولت مستشفى جنين إلى ثكنة عسكرية، ما أثار استياءً شعبيًا واسعًا. الأخطر من ذلك كان عملية إعدام ميداني نفذتها قوات السلطة بحق الشاب ربحي الشلبي في محيط المخيم، لتدعي لاحقًا أن الحادث كان نتيجة استهداف من قبل المقاومين. هذه الرواية سرعان ما انكشفت زيفها بعد أن بثت كتيبة جنين مقطع فيديو يوضح الحادثة ويظهر تورط السلطة، مما أجبر الناطق باسم الأجهزة الأمنية على التراجع عن روايته الرسمية، وهو ما عزز من موجة الغضب داخل المخيم وخارجه.

تتدحرج السلطة في إجراءاتها من تشويه السمعة والتصفية المعنوية إلى الإعدامات الميدانية، وسط إصرار واضح على استخدام كل أدوات القوة في مواجهة المقاومين الذين يمتنعون حتى الآن عن التصعيد الميداني المقابل. هذا النهج، الذي يتسم بالتعنت، يعكس تصميمًا على إخضاع المخيم وإضعاف مقاومته المسلحة، ما يثير تساؤلات حول الأهداف الحقيقية لهذه الحملة، خاصة في ظل التزامن مع الضغوط الدولية والإقليمية، وعودة الحديث عن تنسيق أمني أكثر تشددًا. المخيم، الذي طالما كان رمزًا للصمود، يجد نفسه اليوم في مواجهة مزدوجة، معركة وجود مع الاحتلال من جهة، ومعركة بقاء مع السلطة من جهة أخرى، مما يجعله أمام مفترق طرق حساس قد يعيد تشكيل مستقبل المقاومة في الضفة الغربية.

ما بين نموذجي نابلس وطوباس: الهدف تصفية المقاومة

تجسد السياسات الأمنية للسلطة الفلسطينية في نابلس وطوباس نهجين مختلفين يسعيان لتحقيق هدف مشترك: تصفية المقاومة المسلحة في الضفة الغربية. يعكس النموذجان قدرة السلطة على تبني أساليب متعددة تتراوح بين الاحتواء السياسي في نابلس والقمع المباشر في طوباس، استنادًا إلى خصوصيات كل منطقة. ورغم اختلاف الوسائل، إلا أن الهدف الأساسي هو القضاء على بنى المقاومة، سواء عبر تفكيكها بهدوء أو سحقها بالقوة.

في نابلس، حيث برزت "عرين الأسود" كواحدة من أبرز حالات المقاومة الشعبية والمسلحة، اعتمدت السلطة نهجًا متداخلًا يجمع بين أساليب الضغط الإسرائيلي والاحتواء الفلسطيني. هذا النهج اعتمد على سلسلة من الخطوات المتنوعة، والتي تكاملت فيما بينها.

العمليات الإسرائيلية المكثفة التي استهدفت قادة "عرين الأسود"، التي أدت إلى استشهاد العديد منهم وعلى رأسهم قائد العرين الشهيد وديع الحوح، تزامنت مع فرض حصار إسرائيلي خانق على المدينة، والذي ساهم في خلق أجواء من الضيق الاقتصادي والاجتماعي.

بينما كان الاحتلال يطارد قادة "عرين الأسود"، قدمت السلطة عروضًا للمقاومين لتسليم أنفسهم مقابل ضمانات بالأمان، وهي عروض رافقتها سلسلة من الاعتقالات التي استهدفت كوادر المجموعة. أبرز هذه الاعتقالات كان للقيادي مصعب اشتية، الذي ما زال رهن الاحتجاز في سجن أريحا، وهو اعتقال أثار استياءً شعبيًا واسعًا لكنه عكس إصرار السلطة على تقويض المقاومة.

لعبت السلطة دورًا أساسيًا في محاولة تأليب الرأي العام المحلي ضد "عرين الأسود" عبر الضغط على التجار والنخب الاقتصادية في نابلس، شملت هذه الإجراءات فرض عقوبات اقتصادية وقيودًا على التحركات التجارية، بهدف عزل المقاومة عن حاضنتها الشعبية وإثارة انقسامات داخل المجتمع المحلي.

اعتمدت السلطة سياسة مزدوجة تقوم على الترهيب والترغيب، حيث تم الجمع بين الاعتقالات والتهديدات وبين الوعود بتقديم تسهيلات لمن يتعاون أو ينسحب من العمل المقاوم. هذه السياسة نجحت في إضعاف حالة "عرين الأسود" تدريجيًا، لكن دون القضاء الكامل عليها، حيث ما زالت بعض عناصرها نشطة ومصممة على الاستمرار.

"نموذج نابلس" يحظى بإشادة واسعة من قادة الاحتلال، وفق ما كشفه رئيس الإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية حول كون إدارته تسعى لتعميم النموذج لمناطق أخرى في الضفة الغربية، عبر منح السلطة الفلسطينية امتيازات للقضاء على المقاومة. 

وأضاف -في مقابلة مع صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية- أن إدارته تتعاون مع جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) وأجهزة أمن السلطة الفلسطينية وشخصيات عامة واقتصادية في المدينة لخلق واقع أمني جديد بعد "عرين الأسود.

على النقيض، اتسمت استراتيجية السلطة في طوباس بالقبضة الحديدية والاعتماد على القمع المباشر. في طوباس، التي تشهد وجودًا للمقاومة المسلحة يتوسع وتتصلب بنيته يومًا بعد يوم، تبنت السلطة نهجًا تصعيديًا ركز على المواجهة العسكرية والأمنية.

كان اعتقال أحمد أبو العايدة، قائد "كتيبة طوباس"، خطوة محورية في استراتيجية السلطة لتفكيك المقاومة في المنطقة. هذا الاعتقال جاء في سياق حملة أمنية واسعة استهدفت العديد من قادة الكتيبة وكوادرها، بهدف إضعاف بنيتها ومحاصرتها قبل أن تتحول لنموذج جديد ببنية تحتية صلبة على غرار جنين وطولكرم.

لم تكتفِ السلطة بالاعتقالات، بل لجأت إلى توجيه تهديدات مباشرة بالاغتيال ضد قادة المقاومة في طوباس، وهو أسلوب يعكس مدى تصعيد القبضة الأمنية ضد أي نشاط مقاوم.

ركزت السلطة على تفكيك البنية العسكرية للمقاومة، حيث قامت بمصادرة العبوات الناسفة والأسلحة التي زرعها مقاومي طوباس لمواجهة الاحتلال. هذه العمليات هدفت إلى تجريد المقاومة من أدواتها القتالية وإضعاف قدرتها على الرد الميداني.

شنت السلطة سلسلة من الحملات الأمنية التي استهدفت ملاحقة النشطاء وإغلاق المنافذ التي يمكن أن تدعم تطور المقاومة أو انتشارها، معتمدًة على التنسيق الأمني مع الاحتلال الذي وفر الغطاء لهذه الإجراءات.

بينما تواصل السلطة اختبار هذين النموذجين في نابلس وطوباس، تبدو محاولتها استنساخ الأسلوبين في جنين أكثر تعقيدًا. مخيم جنين، الذي يعد معقلًا للمقاومة، يرفض الخضوع لهذه الأساليب بسبب بنيته الاجتماعية والتنظيمية الراسخة. في جنين، تحاول السلطة الجمع بين الاحتواء السياسي عبر تقديم العروض والتشويه الإعلامي، وبين القمع العسكري عبر الاعتقالات والمداهمات.

رغم بعض النجاحات التكتيكية التي حققتها السلطة في تفكيك "عرين الأسود" ومحاولات إضعاف "كتيبة طوباس"، إلا أن هذه السياسات تواجه تحديات كبيرة على المدى البعيد سواء في خنق حالة المقاومة، أو في إعادة تعزيز دور السلطة وأجهزتها الأمنية. تصاعد الغضب الشعبي ضد الاعتقالات ومحاولات الاحتواء، تُشير إلى ضعف نجاعة أدوات السلطة، فيما تُظهر المقاومة قدرة على التكيف وإعادة بناء نفسها.

من دايتون إلى فينزل: إشراف أمريكي على تصفية المقاومة

منذ توقيع اتفاقية أوسلو، اضطلعت الولايات المتحدة بدور مركزي في رسم ملامح السياسات الأمنية في الضفة الغربية، حيث أسهمت في تصميم استراتيجيات الأجهزة الأمنية الفلسطينية لتتماشى مع أهداف محددة تخدم استقرار الاحتلال الإسرائيلي. 

بين خطة دايتون التي أُطلقت عام 2007 وخطة فينزل التي بدأت في 2023، يظهر خط مشترك يسعى إلى هدف واضح: القضاء على توسع المقاومة الفلسطينية، وإعادة فرض سيطرة الأجهزة الأمنية، بما يضمن وأد أي عمل مقاوم، وتهيئة جيل فلسطيني جديد يقبل بوجود الاحتلال ويتعايش مع معاييره ويلفظ أي شكل من أشكال المقاومة.

خطة دايتون جاءت في سياق إعادة ترتيب المشهد الأمني الفلسطيني عقب الانقسام الداخلي عام  2007 وانتهاء انتفاضة الأقصى، حيث ركزت على إعادة بناء الأجهزة الأمنية الفلسطينية عبر دعم أمريكي مكثف.

هدفت الخطة إلى خلق أجهزة أمنية قادرة على مواجهة المقاومة المسلحة، من خلال برامج تدريب مكثفة وعمليات ميدانية موجهة ضد تشكيلات المقاومة التي لم ينجح الاحتلال في القضاء عليها. عملت الخطة أيضًا على تعزيز التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل، مما جعل الأجهزة الأمنية الفلسطينية خط المواجهة الأول مع المقاومة المسلحة. كان الهدف الأبعد لهذه الخطة هو بناء بيئة فلسطينية جديدة تنبذ المقاومة المسلحة والشعبية، مع التركيز على تطويع الأجيال الناشئة لقبول الواقع القائم تحت الاحتلال.

بعد أكثر من عقد من الزمن، جاءت خطة فينزل كامتداد طبيعي لهذا النهج، لكنها ركزت على التحديات الجديدة التي فرضها تصاعد المقاومة في مناطق شمال الضفة الغربية، خاصة في جنين وطولكرم ونابلس. تضمنت الخطة تدريب قوة أمنية فلسطينية خاصة قوامها 5,000 عنصر، بإشراف أمريكي مباشر، بهدف تجهيزها لمواجهة مجموعات المقاومة مثل "عرين الأسود" و"كتيبة جنين" و"كتيبة طولكرم". 

استهدفت الخطة أيضًا تعزيز التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي وتقليل تدخله المباشر في تلك المناطق، عبر تمكين الأجهزة الأمنية الفلسطينية من القيام بالمهمة نيابةً عن الاحتلال. على غرار دايتون، سعت خطة فينزل إلى إضعاف الحاضنة الشعبية للمقاومة، من خلال مزيج من الإجراءات الميدانية والضغوط السياسية والاقتصادية.

في جنين وطولكرم وطوباس، بدا أن خطة فينزل اصطدمت بصلابة بنية المقاومة، وهو ما أدى إلى إفساح المجال لشن الاحتلال حملات موسعة تستهدف اغتيال قادة مجموعات المقاومة باستخدام التصفية المباشرة ميدانيًا أو الاغتيال من الجو، وشن عمليات عسكرية موسعة تستهدف المخيمات المذكورة، كان آخرها الحملة العسكرية التي مازالت مستمرة والتي حملت اسم "المخيمات الصيفية" وشملت تدمير واسع للبنية التحتية.

استكملت الأجهزة الأمنية دورها باستخدام أسلوب القبضة الحديدية بتصعيد الاعتقالات بحق قادة المجموعات المقاومة، وتوجيه تهديدات مباشرة لقادة المقاومة بالاغتيال، بالإضافة إلى مصادرة العبوات الناسفة وتفكيك البنية العسكرية للمقاومة بشكل ممنهج. هذه الإجراءات عكست وجود تكامل في الدور بين حملة الاحتلال العسكرية وحملة أجهزة السلطة الأمنية بما ينسجم مع أهداف خطة فينزل التي تسعى إلى إحكام السيطرة الأمنية على المناطق التي تعتبرها إسرائيل مصدر تهديد دائم.

بين خطة دايتون وفينزل، يظهر تطور في الأدوات المستخدمة، لكنها تتشارك الهدف ذاته: تحويل البيئة الفلسطينية إلى مساحة خالية من المقاومة، حيث تنفذ السلطة سياسات الاحتلال تحت إشراف أمريكي مباشر.

وسبق أن ذكرت القناة الـ12 الإسرائيلية أن هناك اتفاقا بين السلطة الفلسطينية والاحتلال على نشر 500 عنصر أمن تابع للسلطة في شمال الضفة الغربية، لتفكيك العبوات التي يعدها المقاومون لاستهداف الاحتلال خلال الاقتحامات.

إثبات الجدوى لإدارة ترامب

مع اقتراب تنصيب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة في يناير القادم، تكثف السلطة الفلسطينية جهودها لإثبات جدوى وجودها كشريك أمني أساسي يمكن الاعتماد عليه لتحقيق الاستقرار ومواجهة المقاومة المسلحة في الضفة الغربية. 

تأتي هذه التحركات في سياق محاولات السلطة لتلافي المواقف السلبية التي واجهتها خلال ولاية ترامب السابقة، حيث أبدت إدارته مواقف حادة تجاه السلطة، بما في ذلك تقليص الدعم المالي ووقف الاتصالات الرسمية. استباقًا لهذه المرحلة، حرصت السلطة على التواصل مع مستشار ترامب للشرق الأوسط، مسعد بولس، في محاولة لعرض دورها الأمني كجزء من ضمان بقاءها طرفًا فاعلًا في أي ترتيبات سياسية أو أمنية مستقبلية.

هذه الخطوات ليست مجرد إجراءات داخلية، بل هي جزء من رسالة تسعى السلطة لإيصالها إلى إدارة ترامب الجديدة، مفادها أنها لا تزال قادرة على الوفاء بالتزاماتها الأمنية الواردة في اتفاق أوسلو وملاحقها، وأنها شريك ضروري في الحفاظ على مصالح الاحتلال في الضفة الغربية.

وفي سياق متصل بقطاع غزة، تبحث السلطة عن دور رئيسي فيما يُعرف بـ "اليوم التالي" للحرب، إذ تسعى لإثبات أنها قادرة على منع إعادة بناء تشكيلات المقاومة وبنيتها العسكرية في غزة، إذا ما مُنحت السيطرة هناك. بناء عليه، ترتكز السلطة على ما تصفه بـ "نجاحها" في الضفة الغربية كنموذج يمكن تطبيقه في غزة. 

الرسالة التي تحاول السلطة إيصالها لإدارة ترامب تتمحور حول قدرتها على السيطرة الأمنية الكاملة، ومواجهة أي محاولة لإعادة بناء حضور المقاومة، ما يجعلها البديل الأمثل لتولي مسؤولية قطاع غزة بعد انتهاء الحرب.

في المحصلة، تسعى السلطة الفلسطينية عبر تصعيدها الأمني إلى تقديم نفسها كطرف لا غنى عنه في الحسابات الأمريكية والإسرائيلية، مستثمرة تصعيد عملياتها الأمنية في الضفة الغربية لعرض قدراتها كضامن لاستمرار الاستقرار الأمني ومنع أي تهديد قد تعيده المقاومة إلى الواجهة، سواء في الضفة أو في قطاع غزة.

 

 

 

#السلطة #جنين #ترامب #مخيم جنين #أجهزة أمن السلطة