في ظل تصاعد التوترات في الأراضي المحتلة ما بعد السابع من أكتوبر 2023، دخلت الضفة الغربية مرحلة جديدة من المواجهة مع الاستيطان، وهجمات المستوطنين، بالإضافة إلى خروج مشروع السيطرة عليها من الخطط الصامتة إلى الخطط العلنية. فمع استمرار الاحتلال في توسيع مستوطناته على حساب الأراضي الفلسطينية، يصبح السؤال الأهم: هل يمكن للضفة أن تُحدث تغييرًا في معادلة الصراع؟
الواقع الميداني: الأرض تضيق والشعب يصرخ
تتسارع وتيرة بناء المستوطنات بشكل غير مسبوق، حيث تحولت التلال الفلسطينية إلى قواعد استيطانية جديدة تهدد بتقطيع أوصال الضفة، وتحويلها إلى كانتونات. هذا التوسع لا يأتي فقط على حساب الأراضي، بل يُفاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية، ويُضيّق الخناق على الشعب الفلسطيني، في محاولة لإعادة تشكيل الجغرافيا بما يخدم مشروع الاحتلال.
ومع ذلك، لم تبقَ الضفة صامت، فالاحتجاجات الشعبية، والمواجهات اليومية، والعمليات الفردية أصبحت تعبيرًا عن رفض الشعب الفلسطيني لهذا الواقع المفروض عليهم بالقوة، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يمكن لهذه التحركات أن تُحدث تغييرًا جوهريًا، أم أنها ستظل مجرد ردود فعل؟
الضفة.. خزان للصمود والمقاومة
الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية يُدرك تمامًا أن الاستيطان لا يهدد فقط الأرض، بل يهدد الهوية الوطنية بأكملها، والحلم الفلسطيني بإقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الفلسطيني. لذلك، تحولت مدن وقرى الضفة إلى خطوط مواجهة يومية. من نابلس إلى جنين، ومن رام الله إلى الخليل، تشهد الشوارع صدامات مستمرة، تؤكد أن الشعب الفلسطيني لن يستسلم أبدًا رغم كل المحاولات التي يقوم بها الاحتلال.
ورغم محدودية الإمكانات لدى هذا الشعب، هناك عوامل قوة يجب عدم الاستهانة بها: أولًا وجود الإرادة الشعبية، والتي تعني أن الشعب الفلسطيني لديه تاريخ طويل من المقاومة، والمزاج الشعبي الرافض للاستيطان يمثل وقودًا لأي تحرك، بالإضافة ثانيًا، وجود دعم الدولي رغم التواطؤ الرسمي لبعض القوى الكبرى الشريكة في الاحتلال قبل كل شيء، ولكن لا يزال هناك دعم شعبي عالمي للقضية الفلسطينية في شوارع وعواصم تلك الدول الكبرى، ويظهر هذا التضامن في الحملات المناهضة للاحتلال والمقاطعة الاقتصادية، ويضاف ثالثًا إلى ما سبق وجود الوحدة الميدانية، والتي تتجلى عبر التحركات الموحدة في الضفة، إذ تُظهر هذه التحركات وعيًا لأهمية التضامن الداخلي في مواجهة المشاريع الاستيطانية، ومن أبرز صور هذه الوحدة، هو التشكيلات العسكرية للفصائل المقاومة، والتي برزت في شمال الضفة الغربية.
المستوطنات.. قنبلة موقوتة
على الجانب الآخر، تبدو المستوطنات كخزان ممتلئ بالأزمات. فرغم الدعم الحكومي الإسرائيلي لهذه المشاريع، تواجه المستوطنات تحديات داخلية وخارجية، حيثُ يوجد خلافات الإسرائيلية بشأن التوسع الاستيطاني تزيد من التوتر السياسي في الداخل، والأهم وجود تهديدات أمنية، فالمستوطنات أصبحت أهدافًا مباشرة للعمليات الفلسطينية، مما يجعل الحياة فيها غير مستقرة داخلها، مع وجود تخوفات من تكرار سيناريو السابع من أكتوبر على مستوطنات الضفة، وأخيرًا وجود إدانة الدولية، إذ مع استمرار بناء المستوطنات يضع الاحتلال في مواجهة مع القانون الدولي، ويعمّق عزلتها السياسية.
الضفة.. مفتاح المستقبل
في سبيل الإجابة على السؤال "هل تدق الضفة جدران خزان المستوطنات؟" وتعتمد تلك الإجابة على عدة عوامل، أهمها: استمرار الضغط الشعبي عبر التحركات الشعبية المنظمة والمستمرة والتي تُحدث تأثيرًا حقيقيًا على الأرض، مع الاخذ بعين الاعتبار تطوير الأدوات السياسية، وذلك عبر استثمار الضغط الشعبي في تحركات سياسية ودبلوماسية يمكن أن يُعزز من قوة الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، بالإضافة إلى احتضان حالة التضامن العربي والدولي دعم القضية الفلسطينية والذي لربما بشكل عملي ومؤثر سيكون له دور كبير في التصدي للمشروع الاستيطاني، والأهم هو الذهاب نحو المواجهة القادمة لا محالة، فالاحتلال يتجهز للانقضاض على الضفة، وليست تصريحات سموريتش وبن غفير، وأفخاي بأرون إلا دليل واضح على ذلك.
إذن، الضفة الغربية تقف اليوم عند مفترق طرق مصيري، واستراتيجي. فإما أن تستمر في دق جدران خزان المستوطنات حتى يُسمع صوتها، أو أن تبقى رهينة لمشروع استيطاني يسعى لابتلاع كل شيء. فالشعب الفلسطيني في الضفة يُدرك حجم التحدي، ولكنه يُدرك أيضًا أن الصمود والمقاومة هما الطريق الوحيد لتحقيق العدالة والحرية، وذلك عبر الصراخ بشتى أنواعه وسط الكابوس المؤلم الذي انتجه الاحتلال، ودق جدران الخزان المستوطنات، وتحويل حالة الخوف لدى الجهاز الأمني والسياسي للكيان إلى حقيقة.
وأخيرًا وليس أخرًا، الضفة هي أحد أهم الساحات التي تستطيع أن تضع العصا في دولاب المشروع الصهيوني، حيثُ حالة الاحتكاك المباشر مع المستوطنين تؤرق المؤسسة الأمنية والسياسية للكيان، ولذلك يسعى الاحتلال لتقطيع أوصال الضفة لمحاولة قضم الضفة من جهة، واحتواء أي مواجهة مع الشعب الفلسطيني من جهة، ولذلك المطلوب اليوم هو الإسراع نحو قرع جدران الخزان حتى لا تختنق الضفة الغربية.