خاص - شبكة قدس الإخبارية: لا يكتفي الاحتلال الإسرائيلي باحتلاله لفلسطين التاريخية بالتطهير العرقي، وقوة السلاح، بل يسعى بشكلٍ مستمر على إقامة مشاريع استيطانية تُهجر التجمعات الفلسطيني، في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، والضفة الغربية، والقدس المحتلة.
خلال السنوات الأخيرة، برزت مشاريع استيطانية تستهدف القرى الفلسطينية في النقب جنوب فلسطين المحتلة، فيما بات يُنفذ بعضها على أرض الواقع ضمن مخططات التهجير الصهيونية، نسعى في هذا التقرير لتسليط الضوء عليها.
لماذا النقب؟
تشكل منطقة النقب ما يقرب نصف مساحة فلسطين التاريخية التاريخية، حيث تغطي نحو 60% منها، وتقدر مساحة المنطقة بأكثر من 12.5 ألف كيلومتر مربع.
يحد النقب وادي عربة من الشرق، وشبه جزيرة سيناء وقطاع غزة من الغرب، وجبال الخليل وبرية الخليل من الشمال، فيما تتخذ المنطقة شكل مثلث مقلوب، رأسه إلى الجنوب عند خليج العقبة، وقاعدته في الشمال، تمتد من مدينة عسقلان المحتلة غرباً حتى البحر الميت شرقاً. وشرقاً من الجزء الجنوبي للبحر الميت حتى خليج العقبة، وغرباً من قطاع غزة حتى طابا.
ويوجد في صحراء النقب 38 قرية فلسطينية ترفض سلطات الاحتلال الاعتراف بها، يسكنها أكثر من 90 ألفًا من الفلسطينيين، وتحرمهم دولة الاحتلال أبسط مستلزمات الحياة الأساسية المتمثلة ماء وكهرباء وبنى تحتية.
أبرز هذه القرى قرية أبو سبيلة، التي تقع غرب مدينة بئر السبع المحتلة، ويسكنها نحو 2500 نسمة، يعيش سكان القرية واقعًا مأساويًا في ظل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، ومنع تزويدهم بالخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء والصرف الصحي والنظافة، ومنعهم من الزراعة ورعي الأغنام، لإجبارهم على هجرة القرية.
إضافة لقرية العراقيب، التي تم تهجيرها على يد العصابات الصهيونية في حرب النكبة، وانحصر تواجد سكانها على أطرافها، فيما يواجهون اليوم خطر التهجير، بعد هدم العديد من منزالهم ومسجد القرية الأسبوع الماضي.
وتمكنت سطات الاحتلال منذ عام 1948، من حصر 60% من فلسطينيي النقب في سبع بلدات و21 قرية، بينما ينتشر 40 في المئة منهم في 35 قرية غير مُعترف بها من قبل حكومة الاحتلال.
المشاريع الاستيطانية.. تطهير عرقي مستمر
خلال حرب النكبة، عملت العصابات الصهيونية على مهاجمة القرى الفلسطينية في النقب، وتهجير سكانها منها، وارتكاب الماجزر المروعة بحقهم، وفي تلك الفترة، خطط الزعيم الصهيوني "ديفد بن غوريون" للاستيلاء على النقب ومدينة أم الرشراش ، التي تعد ممراً إلى البحر الأحمر وتعدّ البحر الثاني لفلسطين المحتلة، بعد البحر الأبيض المتوسط، فيما صمدت بعض القرى والتجمعات البدوية بوجه التطهير العرقي، واستمر صمودهم إلى يومنا هذا.
خلال عام 1945، أقامت منظمة الصهيونية ثلاثة تجمعات استيطانية زراعية "كيبوتسات، وهي: "جيفولوت "وبيت إيشيل" و"رفيفيم"، وضمن قرار تقسيم فلسطين عام 1947، تم اقتراح إنشاء 11 مستوطنة في النقب، فيما عمل الصندوق القومي اليهودي والوكالة اليهودية على وضع الخطط الاستيطانية وتمويلها، وأُقيمت "كيبوتسات": "بئيري"، "غال أون"، "حتريم"، مشمار هنيغف"، و"نيريم"، ثم مدينة "ديومنا" التي أُقيمت عام 1953.
صودرت أراضي النقب وفق قانون امتلاك الأراضي، الذي أقرته حكومة الاحتلال عام 1953، وفي عام 1965 وضعت سلطات الاحتلال، مخططاً لتطوير النقب، وضمت معظم أراضي البدو واعتبرتها أملاكا "للدولة"، واعتبرت المنازل أو المباني الأخرى المبنية على هذه الأراضي غير قانونية، كما نص القانون على عدم جواز ربط المباني غير المرخصة بمرافق مثل الماء والكهرباء، فيما بدأت سلطات الاحتلال خلال الستينات بتوطين الفلسطينيين المتواجدين في النقب، واستغلالهم بالضرائب والتجنيد الإجباري في جيش الاحتلال.
مشاريع استثمارية وصناعية
في الخمسينيات، أقام الاحتلال مدينة "ديمونا" الاستيطانية التي تقع على بعد 35 كيلومتراً إلى الجنوب الشرقي من بئر السبع، وتم توطين اليهود المهاجرين الشرقيين القادمين من شمال أفريقيا، وتم تشغيلهم في مصانع الفوسفات والأملاح في البحر الميت وشمال النقب، وأُقيم إلى جانب المدينة المفاعل النووي الشهير "ديمونا" في أواخر الخمسينيات ومطلع الستينيات.
وبعد النكبة، أُقيم مشروع نقل مياه نهري اليرموك والأردن وبحير الحولة إلى النقب، من أجل تطوير المستوطنات الزراعية والصناعية هناك، فيما يبلغ عدد المستوطنات اليوم أكثر من 70 مستوطنة.
وبحلول عام 2005 أقرت حكومة الاحتلال ما يسمى بـ"الخطة القومية الإستراتيجية لتطوير النقب"، التي تتلخص في زيادة عدد المستوطنين بحيث يصلون عام 2015 إلى قرابة مليون نسمة، على ألا يزيد عدد الفلسطينيين على 200 ألف نسمة، وخصصت 17 مليار شيكل لتطبيق الخطة (أكثر من 4 مليارات دولار).
في عام 2010، رصدت حكومة الاحتلال ميزانية قيمتها 25 مليون دولار للشروع في تنفيذ مخطط "طريق النبيذ"، الذي يقضي بإقامة مزارع فردية للمستوطنين على حساب الأراضي العربية بالنقب، وينص المخطط على إقامة 100 مزرعة يهودية جديدة، إضافة إلى 41 مزرعة فردية أقامها المستوطنون بشكل غير قانوني، وتخصيص مساحة مقدارها 80 دونما مجانا لكل عائلة إسرائيلية توافق على الاستيطان.
مخطط "برافر - بيغن"
أقر كنيست الاحتلال المشروع الاستيطاني "برافر - بيغن" يوم 24 يونيو/حزيران 2013 بناء على توصية من وزير التخطيط الاحتلال آنذاك "إيهود برافر" عام 2011 لمصادرة مزيد من الأراضي العربية الفلسطينية في النقب، فيما ينص القانون على مصادرة نحو 700 ألف دونم، بما يعني أن يتم حصر الفلسطينيين الذين يشكلون 30% من سكان النقب في 1% فقط من أراضي هذه المنطقة.
ويوصي المشروع بنقل سكان 22 من أصل 39 قرية فلسطينية غير معترف بها في النقب داخل مناطق التخطيط اليهودي، والمقدر عددهم بنحو 40 ألف فلسطيني، بينما يضع القانون اللمسات الأخيرة لمصادرة ما تبقى من أراضي الفلسطينيين في النقب، كما يضفي شرعية قاون الاحتلال على تهجير العرب دون إذن قضائي ويحرمهم من حق الطعن فيه.
وشرعت سلطات الاحتلال بهدم ما تبقى من منازل قرية أم الحيران الأسبوع الماضي، بهدف إقامة مستوطنة إسرائيلية مكانها، فيما يحاصر شبح الهدم قرية رأس جرابة لتوسيع أحياء يسكنها مستوطنون في مدينة ديمونا، وقرية السرّ لتوسعة أحياء في مدينة بئر السبع، إضافة لقرى تل عراد وكركور والبقيعة ووادي الخليل والباط الغربي وأم البدون ووادي عتّير، إضافة لتهجير قرى وتجمعات بشكلٍ كامل وإقامة بؤر استيطانية بها.