خاص - شبكة قدس الإخبارية: بالتزامن مع حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، وجهود حكومة الاحتلال بإحكام السيطرة على كافة التراب الفلسطيني، تمر ذكرى وعد بلفور، الذي يُعتبر من أساسات إقامة الكيان الصهيوني على أراضي فلسطين التاريخية، وبداية مرحلة جديدة ضد الوجود الفلسطيني، ولا زالت مُستمرة حتى يومنا هذا.
ولا يمكن قراءة تاريخ القضية الفلسطينية وحيثياتها، دون الرجوع إلى الوعد البريطاني، الذي كان بمثابة مُقامرة بأرض وشعب وحضارة كاملة، تناهشتها القوى الاستعمارية الغربية وقدمتها للحركة الصهيونية، فكيف تم ذلك؟
خيوط المؤامرة واقتناص الفرصة
سيطرت قوى الحلفاء المنتصر في الحرب العالمية الأولى على بلاد الشام والعراق ومصر، بعد هزيمة الخلافة العثمانية وتفكك حكمها بالمنطقة، في حين تقاسمت بريطانيا وفرنسا الأراضي التي استولت علهيا وفق اتفاقيات ومعاهدات سرية، كاتفاقية "سايكس - بيكو" وخضعت بموجبها فلسطين والأردن والعراق تحت الانتداب البريطاني فيما حكم الانتداب الفرنسي سوريا ولبنان.
تزامن ذلك مع تصاعد نفوذ الحركة الصهيونية في دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وفي وقتٍ سابق خلال أواخر القرن التاسع عشر، رسم "ثيدور هرتزل" الخطوط العريضة لمشروع إقامة وطن قومي لليهود، على أرض فلسطين، وفق اعتباراتٍ دينية يهودية، واعتباراتٍ اقتصادية استعمارية، توازي حركة الاستعمار الغربي آنذاك، وأُعلن عن المشروع رسمياً في المؤتمر الصهيوني الأول الذي عُقد في بازل السويسرية عام 1897.
وبعد ذلك حاولت الحركة الصهيونية استخدام المال كوسيلةٍ لإرساء مشروعها، عبر العرض على السلطان العثماني عبد الحميد الثاني منحهم حيز من أراضي فلسطين مقابل مبالغ مالية طائلة، ليكون جواب الأخير الرفض القطعي، فيما احتفظت الحركة الصهيونية بآمالها وتطلعاتها.
سقطت فلسطين بيد الغزاة الإنجليز بعد عددٍ من المعارك الخاسرة التي خاضتها الدولة العثمانية خلال عام 1917، وسقطت المدن الفلسطينية تباعاً حتى وصلت القوات الإنجليزية إلى مشارف القدس، كانت هذه بمثابة الفرصة الذهبية للحركة الصهيونية والتي اقتنصاتها، من خلال توطيد علاقتها بالحكومة البريطانية، وتحشيد الرأي العام الغربي على ضرورة إنشاء وطن قومي لليهود وحل مشاكل وجودهم في أوروبا.
وبشكلٍ فعلي قبل أن تضع الحرب أوزارها، أُرسل وزير الخارجية البريطاني "جيميس آرثر لفور" مندوباً عن رئيس الوزراء البريطاني لوير جورج في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1917 للتفاوض مع الحركة الصهيونية بشأن مطالبها في فلسطين.
وعقب ذلك عقدت الحكومة البريطانية اجتماعاً مع ممثلين الحركة الصهيونية، الذين طالبوا بريطانيا بإعطائهم الحق لإنشاء وطن قومي في فلسطين، وأرسل بلفور رسالته المشهورة في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1917 إلى رئيس الجالية اليهودية في بريطانيا اللورد "ليونيل روتشيلد"، والتي قال فيها:" إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وستبذل قصارى جهدها لتحقيق هذه الغاية، على ألا يجري أي شيء قد يؤدي إلى الانتقاص من الحقوق المدنية والدينية للجماعات الأخرى المقيمة في فلسطين، أو من الحقوق التي يتمتع بها اليهود في البلدان الأخرى أو يؤثر على وضعهم السياسي".
وبالتزامن مع ذلك سعت الحركة الصهيونية إلى استقطاب يهود ألمانيا، ليشاركوا بجهود الهجرة إلى فلسطين، وبعد ذلك في مطلع عام 1918 أرسلت الحكومة البريطانيا وفداً إلى فلسطين لإمكانية تطبيق الوعد، وعقب ذلك عرضت الحكومة البريطانية نص تصريح بلفور على الرئيس الأميركي الأسبق وودرو ولسون، ووافق على محتواه قبل نشره، وأقرته كل من فرنسا وإيطاليا رسمياً.
التطبيق بغطاء عالمي
كان "حاييم وايزمان" قائداً للقوات البريطانيية في فلسطين، وأشرف على دراسة الوعد بنفسه، ثم أصبح قائد الحركة الصهيونية عام 1920، ثم رئيساً لدولة الاحتلال عام 1949، وقد ساهم بشكلٍ فعال بعمليات نقل المهاجرين اليهود إلى فلسطين، وتسريب أراضي المشاع "الأوقاف" لبناء الكيبوتسات الهيودية، ودعم العصابات الصهيونية بالسلاح والمال.
وخلال عام 1920 عقدت دول الحلفاء مؤتمر "سان ريمو" بإيطاليا لاستكمال تقسيم المنطقة، وقد حضر المؤتمر، وفدٌ يهودي تكون من: "حاييم وايزمان" رئيس الاتحاد الصهيوني البريطاني و "هربرت صموئيل" عضو مجلس اللوردات و"ناحوم سوكولوڤ" الذين أسهموا في تحويل وعد بلفور من مجرد خطاب ووعد إلى وثيقة قانونية ضمن لوائح الانتداب البريطاني على فلسطين.
وفي 24 نيسان/أبريل 1920 أعلن رسميا عن إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وتشكلت حكومة مدنية، وأُرسل صموئيل في حزيران/يونيو من العام ذاته مندوباً سامياً على فلسطين، وعمل على إنشاء مجلس تشريعي يخضع لأحكام الانتداب، لكن الفلسطينيين قاطعوا الانتخابات، وبعددها بأربعة أشهر وافقت الإدارة المدنية البريطانية على أول مرسوم هجرة يهودية إلى فلسطين بشكلٍ رسمي.
وبعد ذلك أعلنت عُصبة الأمم (هيئة الأمم المتحدة حالياً) المصادقة على الانتداب البريطاني في فلسطين، وأشارت إلى جزئية وعد بلفور بالموافقة التامة، وخلال السنوات التي سبقت النكبة عام 1948، لم يتوقف الدعم البريطاني والغربي للحركة الصهيونية، التي باتت تُنشئ المستعمرات وتكون العصابات المسلحة، وما إن صدر قرار تقسيم فلسطين عام 1947 حتى أصبحت هذه العصابات بإمكانيات عسكرية لجيش فعلي، ارتكب جرائم التطهير العرقي في القرى والمدن الفلسطينية.
وأعلن وزير الدفاع البريطاني "آرثر جونز" قرار بريطانيا بإنهاء الانتداب على فلسطين وتسليمها إلى الولايات المتحدة الأميركية، وأوصت في 15 أيار/مايو 1948 بنهاية الانتداب وبداية إعلان الدولتين اليهودية والفلسطينية، فيما استمرت العصابات الصهوينة بجرائم القتل والتهجير الجماعي، وأعلنت بعدها المنظمات الصهيونية قيام دولة "إسرائيل"، بعد أن تم تهجير قرابة 950 ألف فلسطيني عبر المذابح والترهيب من قراهم ومدنهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة.
دعم مستمر وإبادة لم تتوقف
وعلى مدار العقود الماضية، لم يتوقف الدعم البريطاني والغربي للاحتلال الإسرائيلي، على مختلف الأصعدة المالية والدبلوماسية والعسكرية، وحتى الاستخباراتية، وتكثف هذا الدعم في حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 تشرين أول/أكتوبر 2023.
وأظهر رصد وتحليل البيانات الملاحية -من موقع "رادار بوكس"– تسجيل ما يزيد على 6 آلاف رحلة عسكرية في المنطقة مرتبطة بالدول الغربية خلال عام من حرب الإبادة على غزة، مع إقامة جسر جوي دائم بدعم غربي هائل لإسناد دولة الاحتلال في قصف قطاع غزة بأطنان من القنابل.
وتظهر البيانات تقدم بريطانيا على جميع الدول بأكثر من 47% من رحلات الاستطلاع، وكشفت البيانات أن القوات الجوية البريطانية استعانت بطائرة من طراز "شادو آر1" في غالبية الرحلات.
وتتميز تلك الطائرات التي طورتها شركة "ريثيون" الأميركية بمجموعة متقدمة من أجهزة المراقبة والاستشعار تمكنها من تنفيذ المهام الاستخباراتية وفرض مراقبة مستمرة للتحركات على الأرض وتتبع المركبات وتنفيذ مهام تحديد الأهداف.
ومنذ اليوم الأول لحرب الإبادة، أكد رئيس الوزراء البريطاني "ريشي سوناكط أن المملكة المتحدة "تقف بشكل لا لبس فيه" مع دولة الاحتلال، كما أصدرت المملكة المتحدة "إدانة لا لبس فيها" لحركة حماس وللمقاومة الفلسطينية التي نفذت عملية طوفان الأقصى، إضافة عن امتناع الحكومة البريطانيا، عن التصويت على ثلاث قرارات وقف إطلاق النار التي طرحتها مجلس الأمن الدولي، والتي تدعو إلى وقف إنساني لإطلاق النار في غزة، إضافة عن تأييد وزراء بريطانيا لعمليات الإخلاء القسرية في قطاع غزة، والمجازر الاسرائيلية، إضافة لصفقات سلاح ضخمة فيما يستمر الدعم البريطاني والغربي للاحتلال من أوسع أبوابه.