شبكة قدس الإخبارية

السنوار: مقاتل للظن حتى اليوم الذي لا ينفع فيه الحذر

photo_2024-10-18_12-18-33 (2)
ابراهيم الفارس

قبل 14 عاما التقيت بـ"يحيى السنوار" في زنزانة الانتظار داخل سجن بئر السبع، لمدة نصف ساعة فقط، كانت كافية لفهم عقيدة الرجل في التعامل مع الاحتلال. سألته في حينها: إلى أين يريدون نقلك؟! فردّ: أنا منذ اليوم الأول في اعتقالي، لا أسألهم نهائيا لا عن مكان نقلي أو ما هو الإجراء الذي قرروا اتخاذه بحقي، حتى لا يظنوا أن شيئا من أفعالهم يثير خوفي أو جزعي أو حتى مشاعري. في هذا النقاش السريع يلخص الرجل عقيدته: أنا لا أخشاهم، وأخشى أن يظنوا أني أخشاهم، أواجههم في ساحة الشك قبل اليقين. 

بعد 10 سنوات من هذا اللقاء الذي تحدث فيه بصفته أسيرا، تابعت لقاءا يتحدث بصفته قائدا سياسيا، يردد قول الإمام علي بن أبي طالب: من أي يوميّ من الموت أفرّ.. أيوم لم يقدّر أم يوم قدّر.. فيوم لا يقدّر لا أرهبه.. ويوم قد قدّر لا يغني الحذر". وكأنه مرة أخرى يؤكد لي استنتاجي، إنه الرجل الذي يقاتل الشك، إنه لا يخشى اليوم الذي يلقى فيه الله، ويحارب كل ظن أو شك يتسلل إلى قلبه من يوم لم يقدّر له فيه مثل هذا اللقاء. 

إنه أبو إبراهيم، الذي عندما كان الأسرى في السجون يتواصلون معه يسألونه عن "صفقة التبادل" يرد حينما يلمس في حديثهم عتبا وظنا: لا تظنوا بالله الظنون، وظنوا في إخوانكم كل خير، وعدتكم وسأفي حتى لو غيرنا وجه المنطقة لن تبقوا في السجون. لم يكن السنوار يحارب الظن في وعيه وعقله فقط، وإنما في وعي الجمهور، يشدّ من عزيمتهم واثقا بعقيدته ومقاتليه، وهذا ما أهله بأن يكون أملا كبيرا لكل من سمعه أو تحدث إليه.

ثم جاء السابع من أكتوبر، ليقول السنوار كلمته للمستوطنين: أتظنون أن لكم مستقبلا هنا؟! لا فقد خابت الظنون.. كان يعلم جيدا أن مقاتلي القسام لن يبقوا أبد الدهر في المناطق التي حرروها، وأن العدو قوي ومدعوم وقادر، لكنه أراد أن يبدد الظن في قلب كل من يعتقد بأن العدو لا يقهر وأن السجن لا يكسر وأن المقاومة عاجزة على أن تغير مسار التاريخ في أشد لحظاته عسرا وقسوة. كان واعيا لما يقوم به إلى الحد الذي ارتدى فيه جعبته متنقلا بين جبهات القتال، خالعا "الجاكيت" الذي قال يوما ما إنه لبسه رغما عنه.

لقد اختار السنوار مشواره بعناية فائقة، منذ البداية وحتى النهاية. حتى "إسرائيل" التي ارتكزت دعايتها ضده بأنه يختبئ بين أسراها حماية لنفسه، فشلت في أن تنزع عنه صفة المقاتل، فصوره جنودها بجعبته ومسدسه وبندقيته، ثم تداركت أنها أخطأت، وبدأت ببث معلومات وصور تداري فيها خجلها أم هيبته. لكنه السنوار الذي يقاتل دائما الظن حتى في موته، وكأنه يخطاب بجراحه أولئك الذين زورا حسبوا علينا لكنهم وقفوا في صف "إسرائيل" ضده: لقد ظننتم بما تريد ولية أمركم، لكن حكم الله نافذ، في اليوم الذي لا ينفع فيه الحذر.

#يحيى_السنوار