خاص - شبكة قُدس: في البيانات العسكرية التي يصدرها جيش الاحتلال حول عملياته العدوانية، في جنوب لبنان، يحرص على وضع اسم "قوة الرضوان" التابعة لحزب الله فيها، تحت مزاعم قتل قادة أو عناصر فيها أو أسر عدد منهم، أو الوصول إلى أنفاق تابعة لها والسيطرة على عتاد عسكري وصواريخ.
تقول مصادر لبنانية ومحللون إن الاشتباكات التي تجري على الحافة الأمامية للحدود بين فلسطين المحتلة ولبنان، منذ أكثر من أسبوعين، يشارك فيها غالباً المقاومون من أبناء القرى وليس عناصر وحدة "الرضوان" التي تعتبر القوة الخاصة في حزب الله.
وأكدت أن المسافات التي دخلها جيش الاحتلال، في الجنوب، لا تتجاوز أكثر من كيلو ونصف، في بعض القرى الملاصقة أصلاً للحدود مع فلسطين المحتلة، وبعضها مثل راميا والعديسة يتسلل جنود الاحتلال إليها من بوابات المستوطنات القريبة منها جداً، وتتعرض لكمائن المقاومة وعمليات الاستهداف بالصواريخ المضادة للدروع وقذائف المدفعية.
هذا وأكدت قيادة حزب الله، في عدة تصريحات، أن التشكيلات العسكرية لا تعمل على نمط الجيوش التقليدية وقد تدخل قوات الاحتلال إلى داخل القرى لكن هدف المقاومة يبقى هو إيقاعها في الكمائن والالتحام المباشر معها لتكبيدها خسائر في الأفراد والمعدات.
لماذا يزج الاحتلال باسم قوات الرضوان في بياناته؟
المراقب للإعلام الإسرائيلي ومنصات المستوطنين يقرأ بوضوح العامل النفسي الذي خلقته "قوات الرضوان"، في النفسية الجماعية الإسرائيلية، لأسباب مختلفة بينها الخوف من "7 أكتوبر" جديد على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، بعد الصدمة الميدانية والنفسية والعسكرية الكبيرة التي سببتها قوات النخبة التابعة لكتائب القسام وقوات المقاومة الفلسطينية، في مستوطنات "غلاف غزة".
خلال الأسابيع الماضية، تكررت بلاغات المستوطنين عن الاشتباه بتسلل مقاومين من جنوب لبنان إلى المستوطنات الشمالية، وفي إحدى الحالات أثار مشهد مظليين في سماء صفد المحتلة رعباً كبيراً في المنطقة، قبل أن تقول شرطة الاحتلال إن الحدث هو تدريب لها وليس عملية إنزال عسكرية من قبل المقاومة.
في السنوات الماضية، كثر الحديث في الإعلام الإسرائيلي وفي مراكز الأبحاث التي تتعامل مع الملف العسكري والأمني عن قدرات قوات المشاة في حزب الله، وخاصة قوة "الرضوان"، وأصبح اسمها مرادفاً لقدرات الحزب على اختراق الجليل وتدمير المستوطنات أو احتلالها، وجاءت عملية "طوفان الأقصى" لتضع هذه المخاوف في مستوى أعلى من الخوف النفسي الذي هو على مستوى جماعي.
كما عززت الحرب النفسية التي شنها حزب الله على مجتمع المستوطنين، خلال الحرب، أو في السنوات الماضية من خلال مشاهد ومقاطع مصورة لقوة "الرضوان" في المناورات العسكرية والتدريبات، مع ما يرافق هذه المواد المصورة مع مؤثرات صوتية مدروسة، من خوف المستوطنين من يوم يصحون فيه على اقتحام الحزب للجليل والوصول إلى مستوطناتهم وبيوتهم والقواعد العسكرية.
وبنى جيش الاحتلال وأقسام الإعلام فيه استراتيجية إعلامية تحاول تحطيم صورة قوة "الرضوان"، التي يراها المستوطنين بقدرات كبيرة قادرة على الاقتحام والسيطرة واحتلال مستوطناتهم، بداية مع اغتيال قائدها الشهيد إبراهيم عقيل وعدد من أعضاء هيئة الأركان فيه، بعد استهدافهم في الضاحية الجنوبية لبيروت، ثم الزج باسمها في كل بيان عسكري بعد الغارات أو العمليات العسكرية في الجنوب.
والعملية الإعلامية هذه موجهة لطرفين هما المستوطنين وبيئة المقاومة، يحاول الاحتلال فيها القول إن "قوة الرضوان ليست خارقة وها هي تتلقى الضربات"، و"يعتقل أفرادها من داخل أنفاقهم أو مواقعهم العسكرية"، رغم أن الحزب نفى هذه الأخبار وأشار إلى أن المشاهد التي ينشرها الاحتلال تأتي في إطار الحرب النفسية وبعض الأنفاق قديمة ولا علاقة لها بالقتال الحالي الدائر في جنوب لبنان.
وهذه الاستراتيجية كانت بمستوى مختلف إلى حد ما مع قوات النخبة التابعة للقسام والمقاومة الفلسطينية، في غزة، إذ حرص الاحتلال أيضاً على بث شعور أن مقاتلي النخبة "تعرضوا لضربات فتاكة"، في الحرب على القطاع، وفي عدة بيانات عسكرية جرى الزج باسمها.
وفي مستوى آخر، حاول الاحتلال كسر الخوف لدى المستوطنين من "قوات النخبة" عبر إحضار مجموعات منهم لمشاهدة التعذيب الذي يتعرض له الأسرى الذين اعتقلوا من الضفة، والادعاء أمام المستوطنين أن هؤلاء من قوات النخبة، كما تعرض عديد من أسرى قطاع غزة لتعذيب وحشي أدى لاستشهاد عدد منهم، بزعم أنهم من "قوات النخبة" رغم أن التقارير الحقوقية والأسرى المحررين الذين عاينوا هذه التجربة أكدوا أن النسبة الغالبة من هؤلاء الأسرى هم مدنيون وبعضهم أطباء وعاملون في القطاع الطبي اعتقلوا من منازلهم أو المستشفيات أو خلال النزوح.
في هجوم على الأسرى نفذته قوات القمع التابعة لإدارة سجون الاحتلال، بإشراف شخصي ومشاركة إيتمار بن غفير، في السابع من أكتوبر الحالي، حرص الاحتلال على تصدير عنوان أن الهجوم كان على الأسرى من قوات النخبة التابعة للقسام، رغم أن الأسرى المحررين أكدوا أن القسم الذي تعرض للاعتداء والقمع لا يضم أسرى من النخبة.
في حربه على غزة ثم في لبنان، نفذ الاحتلال استراتيجية انتقامية تشبه ما تقوم به "القبائل" في عمليات الثأر، حين تقتل من العائلة التي تطلب ثأرها منها أفضل من فيها أو قريباً للقاتل المطلوب للدم، وهذا ما فعلته دولة الاحتلال حين قتلت عائلات كاملة بزعم أن أحد أفرادها من كوادر المقاومة، حتى لو لم يكن متواجداً في المنزل عند الغارة، وعلى هذا السياق أباد الاحتلال عائلات تحت مزاعم استهداف قيادات أو عناصر في الفصائل الفلسطينية، دون أي دليل، وفي عملية تتحدى القانون الدولي الذي ينص على عدم استهداف المنشآت المدنية أو المنازل حتى لو كان فيها مشاركين في العمل العسكري إن كانوا حينها غير مشاركين أو في وضع مدني، وهذا كله في إطار الانتقام وبث الرعب في المجتمع الفلسطيني بعد الخوف الذي يعيشه مجتمع المستوطنين من عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها قوات النخبة في المقاومة الفلسطينية ضد مواقع "فرقة غزة".
اعتاد مجتمع الاحتلال على رؤية جيشه في إطار أسطورة "الذي لا يقهر"، ولكن السنوات الماضية وضعتها في موضع شك، بعد أن عجز الجيش عن حسم مواجهات وحروب مع قوى "غير نظامية"، مثل حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله، وكانت عملية السابع من أكتوبر اللحظة التي عجلت بانفجار كل الشكوك في وجه المؤسسة العسكرية، وصارت الانتقادات والهجوم عليها من المستوطنين والتيارات السياسية مثل "الصهيونية الدينية" معلناً وواضحاً أكثر من السابق، وإن كان لكل طرف أهدافه في هذا الهجوم، وحطمت هذه العملية فكرة "الجيش المقدس" الذي يحظى بتقديس واحترام الجميع في دولة الاحتلال، ورغم العمليات والنجاحات التي حققها مؤخراً عبر الاغتيالات والعمليات الأمنية، إلا أن فكرة أن قوة لا تملك مقدرات دول قادرة على تكبيده خسائر في البر وإلحاق الأذى به تدفعه إلى مزيد من العمل الإعلامي والدعائي في عصر أصبحت الصورة فيه ركناً من حرب "متعددة الأبعاد".