شبكة قدس الإخبارية

كيف ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي مسيرة حزب الله في الوصول لقاعة "طعام جولاني"؟

photo_2024-10-15_13-32-51 (2)

خاص - شبكة قُدس: في أوج حملة الاغتيالات والهجمة الاستخباراتية والأمنية التي نفذها الاحتلال على حزب الله، خلال الأسابيع الماضية، دارت معركة أخرى على المستوى النفسي - الذهني وفي النقاشات المختلفة في المجتمعات العربية وفي وسائل التواصل الاجتماعي، حول أسباب نجاح الاستخبارات الإسرائيلية في إحداث خرق في البنية التنظيمية متعددة الأبعاد والطبقات في الحزب، وحمَل جزء من النقاش انتشار التكنولوجيا في عصر "الهواتف الذكية" مسؤولية عن "الإهمال الأمني" الذي دخل منه الاحتلال لتحقيق أهدافه.

أول أمس تلقى جيش الاحتلال ضربة نوعية في قاعدة عسكرية تبعد عن الحدود اللبنانية نحو 60 كم، بعد أن استهدفها حزب الله بطائرة مسيَرة، أوقعت عشرات الجنود قتلى وجرحى، وأحدثت صدمة كبيرة في المستويات السياسية والعسكرية الإسرائيلية باعتراف رئيس الأركان هرتسي هليفي الذي وصف الحدث بأنه "قاس ومؤلم"، وجاءت لتضع الحديث الإسرائيلي عن إضعاف حزب الله وتدمير قدراته في سياق الخداع الذاتي.

نجاح حزب الله في تحديد موقع القاعدة التي تتبع للواء "جولاني"، وتعتبر من قواعد التدريب، واختيار الوقت الذي يجتمع فيه الجنود والضباط لتناول العشاء في قاعة الطعام، كان من الرسائل النوعية التي حملتها الطائرة المسيرة وهي في طريقها للانفجار، وأثار تساؤلات عن مصادر استخبارات الحزب في تحديد هذا الهدف، وإن كان مصدراً آخر غير طائرة الاستطلاع "الهدهد" التي نشر الحزب عدة مقاطع من الصور التي نجحت في التقاطها خلال رحلاتها فوق فلسطين المحتلة.

قواعد مستباحة على مواقع التواصل

كشف تحقيق صحفي أجراه موقع "عربي بوست" أن صور القاعدة ومقاطع فيديو من داخلها كانت تملأ الفضاء الإلكتروني وفي مواقع التواصل الاجتماعي، طوال سنوات، ويستطيع أي متابع لنشاطات جيش الاحتلال الوصول إلى تفاصيل دقيقة (طبيعة البناء، المنشآت، أماكن نوم الجنود، غرفة الطعام).

يظهر في التحقيق أن جيش الاحتلال نشر تفاصيل عن القاعدة على موقع لتجنيد الجنود الجدد اسمه "mitagaisim"، وظهر في مقاطع مصورة أخرى أماكن النوم، كما نشر الجنود صوراً لصالة الطعام التي ضربها حزب الله وأوقع من فيها بين قتيل وجريح، كما أن المجندات في قاعدة "ريغافيم" كما يسميها الاحتلال تجولن في مختلف منشآتها في فيديوهات نشرت على موقع "التيك توك" وهن يتراقصن.

كمية المعلومات الكبيرة التي كشف عنها الاحتلال عن هذه القاعدة وقواعد أخرى، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو من خلال المشاهد التي ينشرها الجنود على حساباتهم الخاصة، أثارت غضباً بين الإسرائيليين في اليومين الماضيين، بعد الضربة القاسية التي تلقاها الجيش في قاعدة "ريغافيم".

وأخذ الغضب الإسرائيلي على الخسائر التي ألحقتها عملية حزب الله أبعاداً متعددة بعضها "اجتماعي" يتعلق بأعمار وطبيعة الجنود الذين قتلوا فيها، وركز صحفي إسرائيلي على أن أعمار الجنود القتلى كلهم (19 عاماً)، أي أن حزب الله قتلهم قبل اكتمال مسارهم العسكري في لواء "جولاني" الذي يعتبر من ألوية النخبة في جيش الاحتلال، ونشرت الصحافة الإسرائيلية عن كل جندي قتيل نبذة تشير إلى مكانته الاجتماعية وطموحاته من أجل الترقي في سلم العسكرية الإسرائيلية.

هذا وقد تعرض لواء "جولاني" لضربات قاسية، خلال هذا العام، بعد أن فقد كثيراً من ضباطه وجنوده بداية من عملية "طوفان الأقصى"، في مستوطنات "غلاف غزة"، ثم في القتال البري مع فصائل المقاومة الفلسطينية في القطاع، وهذه كلها عوامل تسهم في زيادة الغضب داخل مجتمع المستوطنين على الإهمال الأمني الذي قاد استخبارات حزب الله لتكوين بنك أهداف باستخدام أدوات أخرى.

محاولات جيش الاحتلال لمنع الجنود من التصوير، في القواعد العسكرية، لم تنجح وكان جزء من هذه المقاطع موجه على مواقع التواصل الاجتماعي لأهداف أمنية واستخباراتية بعضها يتعلق بجذب شبان عرب إلى نقاشات تبدأ بطابع استفزازي ثم قد يتطور إلى علاقات تستفيد منها استخبارات الاحتلال في تجنيد الشبان.

استخبارات المصادر المفتوحة

المتابع لعالم منصات التواصل الاجتماعي خاصة ما يجتذب منها الشبان الصغار، مثل "تيك توك" وغيرها، يلاحظ انتشار مقاطع لجنود ومجندات من جيش الاحتلال داخل قواعد عسكرية مختلفة، في فلسطين المحتلة، وهذا يطرح تساؤلات مختلفة لها أبعاد أبعد من الحرب اليومية تتعلق بسؤال الأمن والاستخبارات في عالم مفتوح ويمكن لحامل هاتف مزود بكاميرا وإنترنت أن ينقل مشاهد من أكثر النقاط حساسية في العالم.

هذا يقود إلى الحديث عن ما يعرف بين المختصين بـ"استخبارات المصادر المفتوحة"، التي تعني جمع المعلومات من مصادر متاحة على الفضاء الإلكتروني مثل  Google ومواقع التواصل الاجتماعي بأشكالها مختلفة، لذلك فإن الكلام الكثير والصور والفيديوهات التي ينشرها ويقولها الناس في الفضاء الاجتماعي وقد تحولت إلى جزء من يومياتهم، في عصر فيسبوك وتويتر والتيك توك وانستغرام واليوتيوب وغيرها، هي فرصة لمن يحدقون أعينهم ملياً على شاشات الكمبيوتر في غرف أجهزة الاستخبارات المختلفة.

تقول ضابطة عملت سنوات في استخبارات جيش الاحتلال إن استخبارات المصادر المفتوحة هي "عملية الجمع والتحليل الدؤوب للمعلومات من مجموعة واسعة النطاق من الأوساط العسكرية والاستخباراتية والشرطية وأوساط الأعمال"، وفي دولة الاحتلال والدول الغربية انتشرت شركات متخصصة في مثل هذا النوع من الاستخبارات.

لكن الخطير والمربك فيها أن الكم الهائل من المعلومات التي تدخل إلى أجهزة الاستخبارات قد تكون سبباً في التشويش على صانعي القرار أو مصدري تقديرات الموقف، لذلك تأتي مرحلة غربلة المعلومات وتحديد المفيد منها مرحلة تالية قد تكون أكثر أهمية، لمنع دخول الجهاز الاستخباري في حالة عمى أو تشويش، وهي جزء من إشكاليات مجتمع الاستخبارات في دولة الاحتلال الذي يكاد يجمع الضباط السابقون والمختصون والمحللون على أنه فاشل إلى حد بعيد في مجال الاستخبارات الاستراتيجية أي تحديد وتقدير مواقف دقيقة عن نوايا "العدو" وناجح في قضايا استخباراتية تكتيكية مثل الوصول إلى مطاردين أو بناء "بنك أهداف" لسلاح الطيران ومختلف أذرع جيش الاحتلال.

حرب الأدمغة 

وفي حرب الأدمغة القاسية بين استخبارات الاحتلال وأجهزة أمن المقاومة فإن المعلومة أو الصورة قد تعني "الموت"، وفي مقابل تأسيس مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي لوحدات مختلفة تراقب مواقع الاتصالات والتواصل الاجتماعي في فلسطين والدول العربية والإسلامية، مثل وحدة "8200" التابعة لمديرية المخابرات العسكرية والتي تتنوع أدوارها بين الرقابة وصياغة وتوجيه حرب على الوعي العربي من خلال أدوات مختلفة بينها حسابات على مواقع التواصل، في إطار ما تسميه بعض قوى المقاومة "الحرب الناعمة" أو "الحرب على الوعي"، انشغلت أجهزة أمن واستخبارات الفصائل الفلسطينية في غزة وحزب الله في لبنان في تأسيس أجهزة معلوماتية مهمتها جمع المعلومات من المصادر المفتوحة التي يوفرها الفضاء الإلكتروني.

في تصريحات وخطابات مختلفة قال الأمين العام لحزب الله الشهيد حسن نصر الله إن المقاومة أقامت تشكيلات داخل أجهزتها الأمنية والاستخباراتية تراقب الاحتلال (وسائل الإعلام، تصريحات المسؤولين، الدراسات العسكرية والأمنية، إصدارات مراكز الأبحاث، مواقع التواصل الاجتماعي) وغيرها، وقال إن الاحتلال "بحكي كثير" حسب وصفه، ولذلك فإن كل ما يقوله خاضع للمراقبة والتحليل من جانب أجهزة المقاومة.

وفي غزة كان لاستخبارات المقاومة حضور في متابعة الإسرائيليين على مواقع التواصل الاجتماعي، ونفذ الجهاز الاستخباري في كتائب القسام عمليات اختراق للإسرائيليين عدة مرات كما في العملية التي أطلق عليها الاحتلال "حسناوات حماس"، وكشف الكتائب في السنوات الماضية عن عدد من القادة الذين ساهموا في تطوير استخباراتها سواء الميدانية أو التكنولوجية أو تلك التي تتعلق بإعطاء تقديرات موقف للقيادة السياسية والعسكرية حول نوايا الاحتلال، مثل الشهيد حسن قهوجي وآخرين.

وبذلك تحولت الأدوات التكنولوجية مثل الهواتف ووسائل التواصل الاجتماعي إلى سلاح ليس مع الاحتلال وحده، في سياق الاختراق وبناء بنك الأهداف وتحديد الشخصيات والمواقع، بل في سلة أدوات استخبارات المقاومة التي نجحت لسنوات في مراقبة وتحديد مواقع حساسة وعسكرية في فلسطين المحتلة.