شبكة قدس الإخبارية

المقاومة بوصفها موضع إجماع شعبي.. السابع من أكتوبر نموذجًا

photo_2024-10-10_18-14-55
أحمد الطناني

خاص - شبكة قُدس: شكَّل صباح الـسابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 اللحظة التاريخية التي التَحم فيها الشعب الفلسطيني بمقاومته، مع انطلاق "طوفان الأقصى" وهجوم جحافل المقاومين على الشريط الفاصل بين قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، ليُسقِط مقاومو قطاع غزة منظومةَ الأمن والإنذار المبكر الإسرائيلية، وقد داست في خلال ذلك أقدام فدائيِّي الشعب الفلسطيني على "فرقة غزة" في الجيش الإسرائيلي، المُوكلة بمهام العدوان على قطاع غزة وأهله.

تفاعَل الشعب الفلسطيني مع الطوفان الذي أعلنه قائد أركان كتائب القسام، محمد الضيف، في رسالته الأولى التي تبعت رشقات الصواريخ والدفعة الأولى من مقتحمي غلاف غزة، ليشعر الفلسطينيون للمرة الأولى في تاريخهم بأن تحرير فلسطين ممكن، وأن مراكمة القوة والإيمان والعزيمة يمكنها أن تُشكل دربًا حقيقيًّا يُسقِط أسطورة الجيش الذي لا يقهر، ويؤكِّد الحتمية التاريخية لحرية الشعب الفلسطيني وتحرير أرضه المسلوبة.

جاء "طوفان الأقصى" بوصفه التعبير الأوضح عن الشكل الجديد من تعبير الشعب الفلسطيني عن انتفاضته، التي تجلَّى شكلها الأول في موجات الفدائيين العابرين للحدود، في أول نموذج فلسطيني مصغَّر عن شكل التحرير، نجحت فيه المقاومة في توجيه الضربة الأكبر لجيش الاحتلال، في لحظة تاريخية شكَّلت أملًا جديدًا للشعب الفلسطيني.

نافذة الأمل وسط انغلاق الأفق

ما قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، مر الشعب الفلسطيني بمرحلة مظلمة بات الأمل فيها يتلاشى، إذ فقد إيمانه بالقدرة على إحداث اختراق فعلي في وجه حائط التصعيد الإسرائيلي، بالإضافة إلى حالة السلبية التي سادت المستوى السياسي الفلسطيني غير المتوازي مع حجم اللحظة التاريخية الحساسة التي تمر بها القضية الفلسطينية وسط إمعان "إسرائيل" في مخططات تصفية القضية الفلسطينية.

لم تكن كل محاولات التعبير الفلسطيني عن الرفض تنجح في أن توصل قرعها لجدران الخزان للعالَم، بل إن الإشارات الصادرة عن العالَم أكدت تناسيَه مأساة الشعب الفلسطيني ومعاناته اليومية، وترك العنان لحكومة الاحتلال للاستفراد بمكونات الشعب الفلسطيني ومقدساته.

مثَّل كلٌّ من التصعيد الإسرائيلي السافر بحق المسجد الأقصى والانتهاكات المتصاعدة بحق الأسرى في سجون الاحتلال، والاغتيالات المستمرة للمقاومين في الضفة الغربية، وجولات القتال في قطاع غزة، عواملَ ضغط كبير لدى الشعب الفلسطيني، الذي تُشكِّل هذه العناوين عنوانَ الإجماع لديه بغض النظر عن خلفيته السياسية أو موقعه الجغرافي، فالمساس بالقدس والأسرى مساس بكل فرد في الشعب الفلسطيني.

تعمَّد الاحتلال بعد "سيف القدس" أن يُعدِم كل أمل مثَّلته المقاومة في خلال تلك الجولة، دفعته إلى استمراء استعراض الانتهاكات بحق المرابطات في المسجد الأقصى، وأداء كل طقوس التهويد في المسجد الأقصى، وترك العنان لقطعان المستوطنين لاستباحة كل المقدسات الإسلامية والمسيحية، والمضي في تثبيت التقسم الزماني والمكاني، فيما لم يتوانَ عن تنفيذ عمليات إعدام غير مُعلَنة للأسرى، كان أبرزها استشهاد الأسير خضر عدنان داخل زنازين الاحتلال.

لاحَقَ الاحتلال كلَّ عوامل الفعل الفلسطيني، ونفَّذ محاولات ردعٍ واسعة، كي لا يتكرر مشهد "سيف القدس" مرة أخرى، وحاول نزع كل بذور الانتفاضة الفلسطينية ومنع أية تحركات قد تشعلها، واتخذ إجراءاتٍ رادعة بحق الشعب الفلسطيني، وأسقط كل أدوات كي الوعي على الفلسطيني ليصل به إلى نتيجة مفادها: انعدام جدوى أي فعل في لجم الاحتلال الإسرائيلي.

لم تُشكِّل الإجراءات الإسرائيلية ضاغطًا لأهالي القدس، أو للفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، أو لأهالي الضفة الغربية، بل مسَّت وجدان وعقل كل فلسطيني في كل أماكن تواجده، في الوقت الذي كانت فيه العيون مصوَّبة نحو المقاومة في قطاع غزة وتعهداتها بأن وبال تكرار صور الاعتداء على المرابطات في المسجد الأقصى والاعتداء على الأسرى والمسرى سيكون كبيرًا على الاحتلال والمنطقة بأسرها.

حل السابع من تشرين الأول/أكتوبر في اللحظة التي بدأ يتلاشى فيها أي أمل في فعل يواجه الاستكبار الإسرائيلي، فكان الفعل الذي خطف قلب وعقل كل فلسطيني في كل مكان: آلاف المقاتلين يدوسون المواقع العسكرية ويسقطون كل أشكال الغطرسة الإسرائيلية على حدود غزة، لتنقلب كل معادلات الإحباط إلى شعور النشوة، نشوة الانتصار والقدرة على رد عدوان المجرمين.

الشعب يَحمِل مقاومتَه

انطلقت الجماهير الفلسطينية إلى الشوارع، وحاول العديد من أهالي قطاع غزة الالتحاق بركب المقتحمين للسياج الفاصل، باحثين عن هواء البلاد وشعور الانتصار ونشوة العبور إلى فلسطين، ودوس الأراضي السليبة.

صعد أبناء الشعب الفلسطيني على أسطح الدبابات والمعدات العسكرية الإسرائيلية، وشهدوا ساعات نصرهم واندحار عدوهم. حمل الشعب الفلسطيني المقاومين على الأكتاف، واحتفى بعودة الأبطال إلى مواقعهم بعد الإجهاز على فرقة غزة حاملين معهم أسرى العدو ناشدين تحرير الأسرى، ومنح الشعب الفلسطيني بارقة أمله من جديد.

تفاعَل كل فلسطيني في العالَم، بل كل حر، مع الفعل الكبير للمقاومة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وبات الحلم حقيقة، وأصبحت الأراضي المحتلة تحت سيطرة المقاومين ولو مؤقتًا، والجيش الإسرائيلي يندحر ويسقط أمام عزيمة الأبطال، في مشهد ملحمي، كان إلى وقت قصير مجرد أحلام أو خطابات رنانة، أو في أحسن أحواله مناورات تدريبية للمقاومة.

حمل الشعب الفلسطيني مقاومته، وهتف باسمها، وأهدى فعلها لكل فلسطين، لأن فلسطين تستحق أن يُقدَّم لأجلها الغالي والنفيس، فلم يكن من أهالي الشهداء إلا نذر أبنائِهم فداءً لفلسطين وقدسها وأسراها وثوابتها.

لم يشهد الشعب الفلسطيني لحظاتٍ لامست وجدانه بقدر ما فعلت مشاهد العبور إلى فلسطين، فكانت دفعة الأدرينالين التي احتاجها كل فلسطيني في العالَم، ليعود الإيمان المطلَق بحتمية النصر، وينطلق الجميع إلى الشوارع هاتفًا للمقاومة ولفعلها البطولي، مناديًا بالحرية لفلسطين.

التضحيات جسام.. والمسار طويل

عرف الشعب الفلسطيني بأسره أن فعل المقاومة في "طوفان الأقصى" لن يُستقبَل بالورود، وأن الاحتلال لن يتوانى عن كسر كل الحواجز لترميم ما داسته المقاومة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وأن الحكومة التي يقوم برنامجها على محاربة الأمل، لن تتوانى عن قتل كل أشكال الحياة كي لا تسمح لأهل فلسطين باستعادة حلم التحرير.

أسقط السابع من تشرين الأول/أكتوبر العديد من الأوهام، ومسح الكثير من أساطير قوة الجيش الإسرائيلي وأدوات سيطرته وإطباقه الاستخباراتي، ومدى فعالية منظومات الإنذار المبكر والقدرات التكنولوجية والتجهيزات التي تُعَد من الأكثر تقدمًا في العالم على حدود غزة، وهي أوهام استثمر الاحتلال كثيرًا لتثبيتها في وجدان كل فلسطيني، وبالتالي فإن استعادتها في قلب الوعي الجمعي للشعب الفلسطيني سيتطلب أن تمارس "إسرائيل" ما نشأت وفقه: القتل بالجملة والمجازر والدمار الكبير.

يعي الشعب الفلسطيني أن نوايا العدوان الإسرائيلية ليست وليدة السابع من تشرين الأول/أكتوبر، ولا ناتجة عن الدافع الانتقامي الإسرائيلي إثر العملية الفدائية، بل إنها نوايا مبيَّتة ضمن مشروع عدواني واسع يهدف إلى القضاء على كل مكنونات الشعب الفلسطيني وأدوات مواجهته، وهو ما عنى في جوهره أن مسألة شن العدوان كانت قاب قوسين أو أدنى، ولو لم تباغت المقاومة العدو لكان العدو باغتها في العدوان الذي كانت خططه جاهزة في أدراج الحكومة الإسرائيلية.

يخوض الشعب الفلسطيني مسار الصمود والتحدي في وجه حرب الإبادة، وفي الخلفية سعي الاحتلال إلى مسح يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 من الذاكرة الجمعية للشعب الفلسطيني، ولكل قوى المقاومة في المنطقة، إلا أن ثقافة وعقيدة المقاومة راسخة وثابتة، وقد أثبتتها مشاهد التفاعل الشعبي مع الصواريخ الإيرانية المنطلقة صوب الأراضي المحتلة في الفاتح من تشرين الأول/أكتوبر 2024، لتثبت من جديد أن تجليات الاشتباك مع الاحتلال ستُشكِّل عنوان الإجماع دائمًا لدى الشعب الفلسطيني، وإيمانه المطلَق بحقه في الحرية والاستقلال.

 

#غزة #مقاومة #محمد الضيف #طوفان الأقصى #عام على الطوفان