بيروت - قدس الإخبارية: نشأ حزب الله من مجموعات إسلامية شيعية بعضها كان على قيد الحياة، قبل تأسيس الحزب، كاستجابة للتحدي العسكري الوجودي الذي فرضه الغزو الإسرائيلي البري لجنوب لبنان وصولاً إلى العاصمة بيروت، بالإضافة للتأثيرات الفكرية والسياسية للثورة في إيران التي كان الإمام الخميني رمزها وما تبعها لاحقاً من تأسيس دولة بناء على نظرية "ولاية الفقيه"، التي تبناها مؤسسو حزب الله.
كان الصراع الأول الذي خاضته المجموعات العسكرية الأولى في الحزب ضد قوة الاحتلال الإسرائيلي، أي المؤسسة العسكرية، وكان لعدد من الكوادر التأسيسية العسكرية في الحزب مواجهة خلال الاجتياح، في محور خلدة على مشارف العاصمة بيروت، وبعضهم انتمى سابقاً لفصائل الثورة الفلسطينية واكتسب منها خبرات عسكرية وأمنية، عدا عن التدريبات التي حصلت عليها من ضباط الحرس الثوري الإيراني الذي وصلوا إلى منطقة جنتا في البقاع اللبناني مع بدايات الاجتياح.
بنى حزب الله عقيدته العسكرية على بناء قوة تتيح له تنفيذ عمليات تضرب جيش الاحتلال الإسرائيلي، بما للمؤسسة العسكرية من مركزية في بقاء دولة الاحتلال في الوجود، وأبعاد اجتماعية وسياسية في المجتمع الإسرائيلي، تجعل من الجيش محورية في عمليات الصهر والتعبئة والعدوان على الشعوب العربية والإسلامية.
انشغل الحزب في قتاله ضد قوة الاحتلال الإسرائيلي على عمليات استنزاف الضباط والجنود، ونفذ في البدايات عمليات تفجيرية كبيرة أدت إلى قتل مجموعات من الضباط والجنود كما في عملية تفجير مقر الحاكم العسكري في صور، وعملية مدرسة الشجرة، وعمليات استهداف المواكب العسكرية والآليات في محاور وقرى ومدن الجنوب.
وعمل في سنوات القتال في الجنوب (1982 - 2000) على استهداف القيادات في المستويات العليا من جيش الاحتلال، وحاول في عملية على الناقورة اغتيال وزير الحرب الإسرائيلي مردخاي، بالإضافة لقائد المنطقة الشمالية عميرام ليفين، وقائد فرقة لبنان إيلي أميتاي، ونجح في قتل قائد قوات الاحتلال في الجنوب إيرز غيرشتاين، بالإضافة لقيادات ميلشيا العملاء (جيش لحد) الذين قتل عدد منهم في عمليات تفجير عبوات ناسفة على محاور الجنوب.
وبنى الحزب أجهزة أمنية تعمل على التصدي لمحاولات اختراق جسمه السياسي والعسكري والاجتماعي، ومحاولة اختراق أجهزة الاحتلال وجيش لحد، والدمج بين الجهد الاستخباري والعمليات العسكرية، كما في حالة وحدة "العباس" التي أسسها قبل التحرير بشهور للدمج بين العسكر والأمنيين.
وفي سنوات ما بعد التحرير وصولاً إلى حرب 2006، فتح ورشة لتطوير قدرات قوات المشاة فيه لمنحها أفضلية في القتال البري، تحقق له هدف تهشيم جيش الاحتلال، بالإضافة لعمليات صناعة صواريخ وأسلحة استراتيجية تتيح استهداف أرصدة هامة لدولة الاحتلال، مثل المعسكرات والقواعد والمنشآت البحرية والسفن التي كانت تحاصر لبنان في كل حرب.
وأسس انطلاقاً من عام 2008 قوة الرضوان التي تشكل وحدة نوعية، في سياق حرب العصابات، على أنها قوة خاصة تنفذ مهمات نوعية في القتال البري وخلف خطوط الاحتلال، واكتسب خبرات على مستوى قوات المشاة من القتال في ساحات مختلفة.
وعلى مستوى حرب الوعي ضد جيش الاحتلال، أقام وحدة للإعلام الحربي كان لها جهود في توثيق عمليات اقتحام المواقع العسكرية الإسرائيلية، في الجنوب، وتفجير العبوات بالآليات وجنود الاحتلال، وكان للمشاهد التي نشرتها تأثير قوي في حراك المجتمع الإسرائيلي ضد الاستمرار في احتلال جنوب لبنان، لما له من أثمان باهظة على الضباط والجنود، كما في عمليات اقتحام مواقع سجد والدبشة وغيرها وما رافقها من رفع علم الحزب على الدشم العسكرية، وعملية تفجير العبوات الناسفة في مركبا ومرجعيون وغيرها، بما نقلت من صراخ جنود الاحتلال.
وفي داخل الحزب أقام وحدات للدراسات العسكرية هدفها تفكيك البنية التنظيمية لجيش الاحتلال، ودراسة الحروب التي خاضها مع قوى المقاومة الفلسطينية والعربية، والخروج بنتائج تتحول إلى سلوك عملي في سياق الصراع الواسع المستمر منذ عقود بين الجانبين.
في هذه الحرب، يعمل الحزب حتى اللحظة على تأطير عمليات العسكرية في سياق استهداف المواقع والمصالح الاستراتيجية لجيش الاحتلال، ويظهر من بياناته محاولة تقعيد هذه العمليات في سياق قانوني كما في بيانات استهداف مبان في المستوطنات على أنها تستخدم من قبل جنود الاحتلال.
ويعمل من خلال الأدوات التي طورها مثل الطائرات المسيَرة على جمع معلومات استخباراتية دقيقة عن قواعد جيش الاحتلال ومطارات سلاح الجو، كما في المقاطع التي نشرها بعد رحلات مسيَرة "الهدهد"، في أجواء فلسطين المحتلة.
يحاول الحزب حتى اللحظة حصر عملياته في مهاجمة مواقع الاحتلال العسكرية والأمنية، مثل مركز الموساد والوحدة 8200، ربما في محاولة لتجنب الوصول إلى مرحلة استهداف البنية التحتية للدولة اللبنانية عامة، وينشغل في القتال البري الذي اندلع منذ أيام في العمل على تحطيم قوات الاحتلال الخاصة والنظامية على الحافة الأمامية للقرى الجنوبية المحاذية للحدود مع فلسطين المحتلة.
هذه المعطيات تشير إلى طبيعة تفكير الحزب والعقيدة العسكرية التي تعمل ضمن إطار استراتيجية العمل على تحطيم جيش الاحتلال بما يمثله من ماضي وحاضر ومستقبل "إسرائيل"، في المنطقة، وهذا يظهر من ما نشر من أدبيات قياداته التاريخيين مثل عماد مغنية الذي اعتبر أن الهدف الأعلى للحزب هو تحطيم الجيش الإسرائيلي على طريق "إزالة إسرائيل"، وهو ما ظهر أيضاً من تصريحات قادة المقاومة الفلسطينية خلال القتال البري وهو التركيز على إغراق قوات الاحتلال في حرب استنزاف تؤثر على مستقبلها.