خاص - شبكة قُدس: طوال أكثر من ثلاثة عقود قاد فيها حزب الله، نجح حسن نصر الله الذي انتقل بعد عملية اغتيال إسرائيلية استهدفته في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت من مقام الأمانة العامة إلى الشهادة، في تحويل الحزب إلى قوة إقليمية ومعادلة في مسار الصراع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
نصر الله الذي بدأ حياته السياسية مبكراً، وتولى وهو في بداية شبابه منصباً في حركة أمل قبل أن ينضم إلى حزب الله وكان من المجموعة الأولى فيه والتأسيسية، عقب اجتياح جيش الاحتلال الإسرائيلي للبنان حتى العاصمة بيروت، في 1982، ترك بصمات عميقة في المسيرة السياسية والعسكرية للحزب.
بعد استشهاد أمين عام الحزب عباس الموسوي مع زوجته وطفله عقب قصف مركبته من قبل طيران الاحتلال، في 1992، كانت أولى قراراته ضرب المستوطنات بصواريخ "الكاتيوشا" لردع القوات الإسرائيلية عن التقدم من المنطقة المحتلة في جنوب لبنان حينها نحو القرى المحررة، وبذلك بدأ تثبيت معادلة سياسية - عسكرية أثمرت بعد سنوات التحرير وهي أن الاعتداء والمجازر بحق المدنيين ستقابل بضرب المستوطنين في مستوطنات شمال فلسطين المحتلة، وتحول سلاح الصواريخ "الكاتيوشا" إلى نفسي في المعركة مع الاحتلال.
وتكاد المصادر التاريخية وشهود تلك المرحلة يجمعون أن حزب الله التنظيم والمقاومة شهدا بعد توليه الأمانة العامة انطلاقة نوعية، منحته قدرة مواجهة العدوان الإسرائيلي الواسع على الجنوب، في 1993، الذي أطلق عليه جيش الاحتلال اسم "تصفية الحساب". وفي هذه السنوات حتى التحرير في أيار/ مايو 2000 قاد نصر الله ورشة واسعة لتطوير الجسم العسكري للحزب الذي يطلق عليه اسم "المقاومة الإسلامية".
اشتغل نصر الله مع طيف من قيادات الحزب بينهم عماد مغنية، ومصطفى بدر الدين، وإبراهيم عقيل، وفؤاد شكر، وأبو علي رضا ياسين، وأبو حسن سلامة، وحاتم حمادة، وعلاء فياض، وخالد بزي، وعشرات آخرين من القيادات في مختلف الصفوف التنظيمية على تنظيم مجموعات الحزب في حرب عصابات فتاكة كبدت جيش الاحتلال خسائر فادحة.
زاد حزب الله في سنوات ما بعد تولي نصر الله قيادته من عمليات اقتحام المواقع العسكرية لجيش الاحتلال، في جنوب لبنان، ومن عمليات تفجير العبوات الناسفة التي فتكت بآليات وضباط وجنود الاحتلال، بالإضافة لاغتيال قيادات ميليشيا العملاء، وضرب قواتها الأمر الذي قاد لانهيارها، ونجح الحزب في فترته في اغتيال ضباط في صفوف قيادية إسرائيلية مثل قائد فرقة لبنان إيرز غيرشتاين.
يذكر نصر الله في لقاءات تاريخية معه أن الشهيد عباس الموسوي وصبحي الطفيلي اللذين شغلا منصب الأمين العام للحزب قبله، طلبا منه تولي المسؤولية عنهما وهو في عمر صغير بسبب ما اعتبراه مواهب قيادية فيه، إلا أنه رفض، وفي أوج الأزمة التي هددت وجود حزب الله بعد الاشتباك الداخلي مع حركة أمل، عاد من قم حيث توجه لإكمال دراسته ونجح في إخراج الحزب من المأزق.
جاء نصر الله إلى الأمانة العامة بعد سلسلة ملفات تولى مسؤوليتها في جسم الحزب، مثل قيادة منطقة بيروت والمجلس التنفيذي المسؤول عن العمليات التنظيمية العامة، لذلك بنى علاقات واسعة مع طيف عريض من كوادر الحزب الذي رافقوه في مختلف مراحل تاريخ مسيرته السياسية والعسكرية.
نصر الله الذي تميزت مسيرته الاستراتيجية في الحزب بترسيخ قواعد وخطوط في المواجهة، في عدوان نيسان/ إبريل 1996 الذي أطلق عليه جيش الاحتلال "عناقيد الغضب" استخدم أدوات الحزب العسكرية وعملياته في عملية سياسية كرست معادلة منع استهداف المدنيين في الجنوب، ومكنت المقاومة من تنفيذ عمليات عسكرية ضد عسكر الاحتلال الذي كان ينتشر في المنطقة المحتلة من الجنوب.
وقبل شهور من تحرير جنوب لبنان، وضع قواعد مع القيادة السياسية والعسكرية لحزب الله حرمت إيهود باراك رئيس حكومة الاحتلال حينها من تحقيق انسحاب من الجنوب يحقق لـ"إسرائيل" مصالح استراتيجية أو سياسية أو عسكرية، فأشرف على مخطط استهداف قيادات العملاء مثل عقل هاشم الذي خطط الاحتلال لتسليمه قيادة المنطقة المحتلة، وهو الأمر الذي سرع في تفكيك ميلشيا لحد، ووضع خطة أطلق عليها "رعب أكثر دم أقل" لبث الرعب في صفوف العملاء ودفعهم للتسليم.
وبالتوازي مع هذه الحملة ضد العملاء كثف الحزب من عملياته العسكرية ضد جيش الاحتلال ودفعه في النهاية إلى الانسحاب تحت النار، وأمام جموع اللبنانيين الذين نظموا مسيرات بالتخطيط مع الحزب إلى داخل القرى المحتلة، وكانت هذه المرحلة تاريخية في تاريخ المنطقة، بعد أن جبرت مقاومة شعبية عربية قوات الاحتلال على الانسحاب من أرض محتلة، وهو ما كان من بذور اندلاع الانتفاضة الثانية.
رسخ نصر الله في فترة قيادته للحزب علاقات مع القوى الفلسطينية، على رأسها حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية والقيادة العامة والديمقراطية والتيار الذي واصل المقاومة من داخل حركة فتح، وثبت ارتباطاً معنوياً بين مسيرة النضال اللبناني ضد الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة في فلسطين المحتلة.
وأشرف مع آخرين في الهيكل التنظيمي للحزب بينهم عماد مغنية، وأسد صغير، وغالب عوالي، وعلي صالح وآخرين على تزويد المقاومة الفلسطينية بقدرات وخبرات، وكان للحزب حضوره في انتفاضة الأقصى على هذه المستويات، وتعرض عدد من قياداته لعمليات اغتيال على خلفية اشتراكهم في ملف دعم فلسطين.
وفي 2006 توج نصر الله الشعار الذي أصبح ضمن برامج الحزب، وهو تحرير الأسرى، بعد صفقات تبادل سابقة توصل لها مع الاحتلال مقابل جنود وجثث عسكريين أسرت في عمليات للمقاومة خلال فترة الاحتلال وبعدها، وقاد الحزب في مواجهة أحد المراحل الحساسة والخطيرة في تاريخه، واستطاع مواجهة الحملة العسكرية الإسرائيلية المدعومة أمريكياً لمحاولة اجثتاث الحزب.
بعد حرب 2006 التي نجح الحزب فيها في توجيه ضربات لجيش الاحتلال، وإفشال مخطط القضاء عليه، قاد نصر الله حزب الله في مواجهة أزمات وصراعات داخلية في بيئة لبنان شديدة التعقيد، ونجح في بناء تحالفات مع قوى مختلفة وحقق حضوراً مؤسساتياً على مستوى المجتمع خاصة في الطائفة الشيعية.
وفي هذه السنوات ثبت الحزب نفسه قوة إقليمية ضمن ما يعرف بـ"محور المقاومة"، وتطوير العلاقات مع المقاومة الفلسطينية خاصة حماس والجهاد الإسلامي، بالاشتراك مع قيادات في الحركتين مثل الشهيدين إسماعيل هنية وصالح العاروري ويحيى السنوار ومحمد الضيف وزياد النخالة وغيرهم.
وقبل شهور من معركة "طوفان الأقصى" تدخل الحزب لدعم جهود الدولة اللبنانية في الحصول على حقوق لبنان، في الغاز الطبيعي، وباستخدام أدوات مختلفة بينها حرب نفسية وسلاح المسيرات نجح في التوصل لاتفاق بوساطة دولية.
ومنذ اليوم الثاني لمعركة "طوفان الأقصى"، انخرط حزب الله في عمليات مساندة للمقاومة الفلسطينية تطورت من مزارع شبعا التي نجح نصر الله والحزب في تكريس قضيتها كمنطقة لبنانية محتلة، إلى مناطق مختلفة في شمال فلسطين المحتلة، ورغم الضغوطات والجهود الأمريكية والغربية لفصل الجبهتين صمم الشهيد على مواصلة المساندة حتى استشهاده، في أوج حملة ضارية على الحزب طالت جمهوره وطيف واسع من قياداته.
طوال مسيرته، طور نصر الله من قدراته في المعركة الإعلامية مع الاحتلال، وأصبحت خطاباته مصدراً للحرب النفسية على الجمهور الإسرائيلي، ومنبراً لتوضيح توجهات الحزب الاستراتيجية لجمهوره مع الشعوب العربية والإسلامية، واعترف ضباط ومحللون إسرائيليون أن المستوطنين يصدقونه في كثير من المحطات أكثر من قيادتهم.
بعد سنوات من اغتيال عباس الموسوي، اعترف ضباط سابقون في جيش الاحتلال بينهم إيهود باراك الذي كان يشغل منصب رئيس الأركان حينها، بأن القرار قاد "إسرائيل" إلى خطأ استراتيجي كبير بعد أن تولى حسن نصر الله منصب الأمانة العامة ونقل الحزب إلى مستويات متقدمة في مختلف الملفات.