عندما لم يتأخر حزب الله في البدء في جبهة الإسناد ل "غزة" كان يعلم معنى ومفهوم "الطوفان"، فمن طوفان الأقصى إلى طوفان الأحرار بدأت معركة معالمها غير واضحة، ومعقدة ومركبة ومخاطرها عالية، لكن غزة وما تتعرض له من إبادة شاملة كانت بحاجة للأحرار ولجبهات المساندة لكي تتحرك وتشير للحلف الصهيوأمريكي بأنها ليست وحدها، وحاولت هذه الجبهات التي تعاني من أوضاع خاصة في بلدانها لأن تكون بالحد الأدنى ورقة تفاوضية في يد حماس والمقاومة، لكنها تحولت مع الوقت إلى حرب استنزاف طويلة ولها تأثير واضح على الجبهة الداخلية الإسرائيلية التي لا تحتمل استمرارها.
لذلك لم يكن غريباً أن تقرر "إسرائيل" المدعومة في عملياتها العسكرية والأمنية منذ السابع من تشرين/ أكتوبر من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والأطلسي، باتخاذ قرار بتوسيع أهداف الحرب بإضافة بند رابع "عودة السكان المهجرين الى بيوتهم في الشمال"، واضح من الهدف أنه يشير للمشكلة والأزمة التي تعصف بالداخل الإسرائيلي، وواضح من الهدف حجم المخاسر التي تعرضت لها إسرائيل خلال حرب الإستنزاف المستمرة والتي تقترب من دخول عامها الأول.
صحيح أن كلفة حرب الاستنزاف كانت كبيرة ومؤلمة للمقاومة اللبنانية، وصحيح أن مجزرتي البايجر واللاسلكي الإرهابية وما تبعها من إغتيال للقادة وعلى رأسهم القائد التاريخي "إبراهيم عقيل"، هي ضربات قاسية وغير مسبوقة تعرض لها حزب الله، لكن ذلك لم يؤدي لوقف جبهة الاسناد ولم يوقف الصواريخ المنهمرة وبكثافة على شمال فلسطين المحتلة، وهنا يكمن كل شيء، فالنجاحات التكتيكية التي لا تؤدي لأي انجازات إستراتيجية قد ترتد على صاحبها في الخواتيم".
أما لو ذهبت المقاومة نحو الحرب الشاملة فهذا سيؤدي حتما إلى تدخل الناتو وعلى رأسه الولايات المتحدة في الحرب، وحكومة نتنياهو تدفع بقوة لجر الأمريكي عبر الوصول لمفهوم الحرب الإقليمية الواسعة، بل لو كان هو متأكد من ان أمريكا ستدخل بكل قوتها في الحرب لما تردد من القيام فيها منذ البداية، كما أن إيران ومحورها ليسوا ببعيدين عن رؤية روسيا والصين وتركيا، والثلاث دول تعرف ان كل ما يجري هو باتفاق نتنياهو مع الدولة العميقة في أمريكا لتوجيه ضربة قاصمة للمنشآت النفطية الإيرانية والمنشآت النووية خاصة بعد وصولهم لقناعة بأن إيران أصبحت جزء لا يتجزأ من الحلف مع روسيا والصين إن كان عسكريا أو إقتصاديا، بل هي قد تصبح مصنع السلاح ايضا لروسيا بجانب الطريق التجاري نحو الهند وشرق آسيا، إلى جانب آخر هي فرصة غير مسبوقة تكون لنتنياهو بالذات لتدمير لبنان وحزب الله كما تم تدمير غزة، رغم أن ذلك لم يؤدي لإنهاء المقاومة، وواضح أن قيادة جيش الاحتلال والقيادة الأمنية وصلت الى قناعة بأن الداخل "الإسرائيلي" مستعد لتحمل كلفة حرب لعدة أيام وأسابيع مقابل تحقيق هدف الحرب بعودة النازحين لبيوتهم في الشمال، لكن في ذهن نتنياهو وداعميه من الكارتيلات العسكرية في أمريكا كما يبدو أن لديهم توجه آخر، اسمه حرب إقليمية شاملة.
حزب الله ومنذ البداية رفع شعار أنه جبهة اسناد وهذا ادخل الاحتلال في حرب استنزاف فرضت عليه وهو لا يريدها بل لا تستطيع احتمالها، إضافة إلى أن جبهة الاسناد هي ورقة تفاوضية بيد حماس والمقاومة، ورغم الخسائر الكبيرة جداً والمؤلمة للحزب، وهو كان يتوقع ذلك، والسيد نصر الله قال "سنبقى جبهة مساندة ومهما كلف الامر من أثمان، وأنه لن يتوقف حتى وقف العدوان على غزة والضفة"، هذا يؤكد الفهم الواعي للمعركة، لأن الحرب الشاملة التي هي بلا سقوف ولا ضوابط ولا قواعد وفي ظل اختلال موازين القوى لن تكون بالأساس لصالح غزة، في حين أن استمرار الضغط على الجبهة الداخلية للاحتلال هو المهم في كل المعركة، والحرب الشاملة لن تؤدي إلى تسويات تشمل جميع الجبهات بما يسمح بتحقيق أهداف حماس والمقاومة في غزة، فحجم الدمار الناتج عنها قد يؤدي لصفقات منفردة.
إن مفهوم حرب الاستنزاف هو الوحيد الذي يساعد غزة، وغير ذلك سيشكل عبء جديد عليها، ولكن هذا لا يعني الخوف من الذهاب لها وبالتالي تكبيل أيدي المقاومة من الرد، لكن الرد يجب أن يكون قوي وفاعل ومؤثر وبحيث لا يؤدي للدخول في حرب شاملة بشكل فوري، مع الاخذ بعين الإعتبار أن الحرب الشاملة قادمة لا محالة.