خاص - شبكة قدس الإخبارية: ترك عدوان "أجهزة البايجر" في لبنان، يوم أمس صدمةً عامة وأسئلة حول التقنية المُتبعة في الهجوم، ورغم عدم اعتراف الاحتلال رسمياً بالمسؤولية عنه، إلا أن المتفق عليه بين جميع الأطراف أن أجهزة استخباراته تقف وراء ذلك، في إطار المواجهة المستمرة بينه وبين حزب الله.
ولعل طريقة تنفيذ الانفجارات هي السبب بطرح سؤال بارز عن إمكانيات الاحتلال الإسرائيلي باستخدام هذه الوسائل، غير أن لأجهزة الاحتلال تاريخ طويل من الاغتيالات والجرائم التي ارتكزت على وسائل مشابهة بهذه التقنية بدأت منذ سنوات السبعينات وتطورت مع التقدم التكنولوجي، فكيف كان يتم ذلك سابقاً؟
لائحة غولدا والطرود المفخخة
في مطلع السبعينيات ومع تعاظم قوة وتأثير منظمة التحرير الفلسطينية، سعت حكومة الاحتلال برئاسة غولدا مائير آنذاك لاغتيال الشخصيات العسكرية والسياسية البارزة من فصائل المنظمة، وأصدرت لائحة سرية تحتوي على أسماء الشخصيات المُطالب باغتيالها، فيما أوكلت المُهمة لجهاز الأمن الإسرائيلي الخارجي (الموساد).
وبعد اختطاف الفريق الرياضي للاحتلال في العاصمة الألمانية ميونخ عام 1972 على يد فدائيين من منظمة أيلول الأسود الفلسطينية ، وتصاعد عمليات المجال الخارجي لفصائل المقاومة، اتسعت جرائم الاغتيالات ضد الشخصيات الفلسطينية.
ومن العجيب أن اللائحة تضمنت شخصيات فكرية وصحفية فلسطينية للاغتيال كان منهم غسان كنفاني الذي اغتيل بتفجير سيارته، بينما طرأت بعد ذلك وسيلة اغتيال أكثر تعقيداً.
الطرود المفخخة والهواتف الأرضية
كانت الوسيلة الجديدة تتمثل بطرود البريد المفخخة التي نجح الموساد بإرسالها إلى داخل مكاتب شخصيات المنظمة، وحتى تفخيخ نقاط الهواتف الأرضية وتفجيرها.
الكاتب والمؤرخ الفلسطيني أنيس الصايغ، الذي وصل إلى مكتبه في مركز الأبحاث الفلسطينية ببيروت ظرف رسالة من البريد، وعند فتحه للرسالة انفجر به الظرف، مُسبباً له إصابات في وجهه وكتفه ويده، وقد نجى من الاغتيال فيما فقد قدرات من حاستي البصر والسمع وفقد أصابع يده بتاريخ 19 تموز/يوليو 1972، واستمرت معاناته من الانفجار حتى وفاته عام 2009.
كان الصحفي الفلسطيني والقيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين آنذاك بسام أبو الشريف من أهداف هذه الوسائل، فقد أُرسل إلى مكتبه في صحيفة الهدف نُسخة من كتاب حرب العصابات لجيفارا بالبريد، ورغم حذر أبو شريف انطوت عليه الخدعة لوجود ختم البريد وختم وزير المواصلات اللبناني، وما أن فتح الكتاب حتى انفجر به.
وصف أبو شريف الحدث في إحدى المقابلات الصحفية السابقة، أنه عندما فتح الكتاب للتصفح وجد به عبوتان ناسفتان بحجم صغير، تم تثبيتهما بعد تفريغ عددٍ من صفحات الكتاب، وما أن حاول الابتعاد عن الكتاب حتى انفجر ليتسبب الانفجار بفقدان عينه وفقدان حاسة السمع وبتر عددٍ من أصابع يده فضلاً عن جروح بالغة الخطورة نجى منها بإعجوبة وكان ذلك في 25 تموز يوليو 1972.
وكانت لائحة غولدا قد شملت القيادي بحركة فتح أحمد وافي أبو خليل، فيما تمت محاولة اغتياله بذات الطريقة التي وقعت مع أنيس الصايغ، حيث انفجر بوجهه طرد بريدي مفخخ خلال شهر تشرين أول/أكتوبر 1972، أثناء تواجده في الجزائر ما تسبب بوقوع تشويه في وجهه وفقدانه السمع بنسبة 60%.
أما الاغتيال الأكثر تعقيداً، فقد وقع ضد الدبلوماسي الفلسطيني محمود الهمشري في باريس بالثامن من ديسمبر 1972، عندما استطاعت فرقة من جهاز الموساد اقتحام شقته وزرع شُحنة ناسفة أسفل هاتفه الأرضي، وبعد انسحابهم من الشقة وقدوم الهمشري إليها تم الاتصال من قبل فريق الاغتيال على الهاتف الأرضي، وفور رده على المكالمة جرى تفعيل الشحنة الناسفة، عن طريق شارات رمزية الكترونية تم التقاطها من قبل هوائي صغير، والذي يقوم بدوره بإرسال تيار كهربائي إلى المادة المتفجرة، ليُصاب بجراح خطيرة استشهد على إثرها بعد يومين، وفق كتاب "حروب الظلال الإسرائيلية وسياسة الاغتيالات".
الهواتف المفخخة.. الوسيلة المتجددة
أواخر عام 1995 رصدت أجهزة استخبارات الاحتلال مكان تواجد المهندس بكتائب القسام يحيى عياش في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، وبعد مشاورات أمنية قرر جهاز الشاباك الإسرائيلي برئاسة آفي ديختر اغتيال المهندس بعد تسريب جهاز هاتف خلوي إليه عن طريق عميل قريب من الشخص الذي يأوي عياش، وجرى تفخيخ الهاتف بشحنة ناسفة صغيرة، تم تفعليها أثناء اتصال يحيى مع والده بواسطة الهاتف وقد انفجرت الشحنة برأسه في 5 كانون ثاني/يناير 1996.
تكررت الطريقة بصورة مشابهة عام 2001 أثناء انتفاضة الأقصى عندما تمكن الشباك من تفخيخ مقسم هاتف عمومي في أحد شوارع مدينة نابلس، فيما كان الهدف هذه المرة الشهيد أسامة جوابرة أحد قادة كتائب شهداء الأقصى في المدينة، وأثناء إجراء أسامة للمكالمة انفجر به الهاتف ما أدى لاستشهاده على الفور في شهر حزيران/يونيو 2001.
محاولات اختراق انتهت بجرائم
في شهر أيار/مايو عام 2018 دوى انفجار ضخم في منطقة الزوايدة بقطاع غزة، وقد أدى الانفجار لاستشهاد 6 مقاومين من كتائب القسام.
فيما بعد أعلنت كتائب القسام في تصريح صحفي لها، أن شهدائها ارتقوا أثناء محاولتهم تفكيك منظومة تجسس فنية وضعت لاختراق شبكة اتصالات المقاومة في قطاع غزة، وأثناء اكتشافها نجح المقاومون بانتزاعها، وأثناء محاولة تفكيكها انفجرت بهم ما أدى لاستشهادهم على الفور.
وأضافت الكتائب في بيانها أن المنظومة تتبع لمخطط تجسسي لصالح الاحتلال يخترق شبكة اتصالات المقاومة وقد تم إفشاله، فيما تكررت محاولة الاحتلال بعد 6 شهور عند تسلل وحدة من "سييرت متكال" إلى قطاع غزة لزرع منظومة مشابهة وقد تم اكتشاف الوحدة وملاحقتها وقتل ضابطها المسؤول.
تعكس هذه الأحداث مساعي الاحتلال الدائمة لاختراق شبكات اتصال المقاومة وشخصياتها إما بغرض التجسس أو الاغتيال، وقد كان حدث لبنان يوم أمس ضمن هذا النطاق الذي أوقع أكبر عددٍ من الجرحى بصفوف مقاومين حزب الله، فيما أوقعت العملية ضحايا مدنيين.
ومن جانب آخر، كُل ما ذُكر أعلاه يكشف عن أساليب الاحتلال المتبعة والتي تم تطويرها منذ سنوات السبعينيات لتنفيذ عمليات اغتيال، في حين أثارت انفجارات يوم أمس دهشة الكثيرين، في حين يأتي ذلك في سياق حرب العقول التي تخوضها قوى المقاومة ضد الاحتلال منذ عقودٍ، وفي إطار المواجهة الممتدة إلى يومنا هذا، وفي استمرار للجرائم الإسرائيلية بأوجه مختلفة.