شبكة قدس الإخبارية

بعد البشر .. الاحتلال يُبيد الأراضي الزراعية في قطاع غزة

بعد البشر .. الاحتلال يُبيد الأراضي الزراعية في قطاع غزة
تسنيم الزيان

غزة - خاص قدس الإخبارية: دمر جيش الاحتلال في حرب الإبادة الجماعية المستمرة، في غزة، مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والبنية التحتية التي توفر لها أسباب البقاء، وهو ما أدخل آلاف المزارعين في المجهول بعد أن فقدوا مصدر رزقهم في الوقت الذي يعيشون مع بقية الفلسطينيين في القطاع حرب التجويع والحصار الذي يطال كل مستلزمات الحياة.

تسببت الذخائر والصواريخ التي يستخدمها جيش الاحتلال في حرب الإبادة الجماعية في غزة، في خلق تلوث عال في التربة والمياه، وتحولت الأراضي التي كانت مصدر رزق لآلاف العائلات إلى غير صالحة للزراعة، وهو ما يمثل تهديداً للأمن الغذائي للفلسطينيين في القطاع، وينضم إلى مجموعة من الآثار المدمرة على المستوى الاقتصادي التي أحدثها العدوان الإسرائيلي، في ارتفاع معدلات البطالة والفقر.

ويطرح الدمار الذي لحق بالأراضي الزراعية بسبب حرب الإبادة الجماعية أسئلة عن إمكانية إصلاحها، في المستقبل القريب، في ظل الأضرار البيئة شديدة القسوة التي حلت بها.

حسرة عاشقي للأرض: هل تعود لسابق عهدها؟

المزارع أبو أحمد حماد تكبد خسائر فادحة بعد أن دمر جيش الاحتلال أرضه التي كانت عامرة بالزيتون، ويقول: "كان موسم الزيتون مصدر رزق لي، فقد كل شيء، وتعويض الخسارة بسرعة صعب جداً".

وأضاف في لقاء مع "شبكة قدس" أن "الأراضي الآن تحتاج لمرحلة تأهيل لإعادة زراعتها ولربما لن يكون من السهل زراعتها مجددا بسبب مخلفات الصواريخ، مشيرا إلى أن أقصى أحلامه حاليا زراعة بعض الثمار الموسمية التي لا تحتاج إلى وقت طويل للنمو كمعالجة سريعة لنقص الخضار ولتحصيل قوت يومه.

من جهته عبر أبو أمجد اللوح عن مدى حزنه على فقدان معظم أراضيه التي كانت قريبة من الحدود قائلا: " لا استطيع حاليا الوصول إليها أبدا بسبب خطورة المكان ولا أعرف ما الذي تبقى من المزروعات فيها وهل تم تدمير كل شيء أو لا "، وأضاف والحسرة تملأ صوته: خسرت كل شيء فأنا أحب الزراعة وأن أزرع شتلاتي بيدي، الصباح كان عندما عندما أفتح عيناي وأرى أرضي جمالها وخضارها

ويتابع الحاج المسكون بحب الأرض: الأرض بلا إنتاج حاليا بالمطلق وذلك لعدم قدرتي على الوصول إليها.. ربما حجم الضرر كبير ولكن ما أؤكده أنني بحاجة لوقت طويل في استصلاحها لتصبح قادرة على الإنتاج من جديد

أرقام الدمار لأرض غارقة بالصواريخ

بدوره قال المختص في المجال البيئي والزراعي المهندس، صلاح الصادي إن “تدمير الأراضي الزراعية، وأنظمة الري، يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الغذائي في غزة، ويزيد من معاناة سكانه الذين يعتمدون بشكل كبير على الإنتاج الزراعي المحلي في تأمين الغذاء"

وأوضح أنه ومنذ بدء العدوان الأخير على القطاع، دمر الاحتلال أكثر من 80% من الأراضي الزراعية في القطاع، وفقًا لتقديرات وزارة الزراعة الفلسطينية، متابعا:  هذا التدمير شمل البساتين، الحقول، وأنظمة الري التي تعتبر شريان الحياة للمزارعين، بالإضافة لأكثر من 80% من البيوت البلاستيكية التي كانت توفر جزءًا كبيرًا من احتياجات غزة من الخضروات والفواكه".

ولفت إلى أن تقارير منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) أشارت إلى أن الحرب تسببت في خسائر مالية مباشرة تتجاوز 120 مليون دولار في القطاع الزراعي وحده هذه الخسائر تشمل الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية، وفقدان المحاصيل، وتدمير مرافق التخزين والنقل.
 
وأضاف الصادي لـ "شبكة قدس": إلى جانب الأضرار المباشرة التي لحقت بالأراضي الزراعية، فإن الحرب خلفت وراءها تلوثًا بيئيًا كبيرًا، ناتجًا عن استخدام الذخائر الحربية والمواد الكيميائية في العمليات العسكرية، حيث تشير التقديرات إلى أن أكثر من 70% من التربة الزراعية في المناطق المتضررة قد تكون ملوثة بمخلفات الحرب، مما يجعلها غير صالحة للزراعة على المدى القريب".

وتابع:  كما أظهرت تحاليل المياه الجوفية في غزة أن نسبة التلوث بمادة النترات، والتي تُعتبر ناتجًا مباشرًا للأنشطة العسكرية، قد ارتفعت بنسبة 60% في بعض المناطق، مما يشكل خطرًا كبيرًا على صحة السكان ويؤثر على نوعية المياه المستخدمة في الزراعة".
 
وأوضح أنه مع استمرار الحرب وتدمير البنية التحتية الزراعية، شهدت غزة انخفاضًا حادًا في إنتاجيتها الزراعية، حيث تُشير تقديرات وزارة الزراعة الفلسطينية إلى أن إنتاج الخضروات والفواكه قد انخفض بنسبة تصل إلى 60% مقارنة بما قبل الحرب، "هذا الانخفاض الحاد أدى إلى ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية في الأسواق المحلية بنسبة تتراوح بين 60% و 100%، مما جعل الوصول إلى الغذاء الأساسي أكثر صعوبة للفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع".

وأضاف: بسبب هذه الظروف، يعاني أكثر من 80% من سكان غزة الآن من انعدام الأمن الغذائي، وهو معدل مرتفع للغاية مقارنة بالمعدل العالمي الذي يُقدر بحوالي 10% فقط، ونتيجة لذلك، زادت معدلات سوء التغذية بين الأطفال بنسبة أكثر من 15% منذ بدء الحرب".

وفي السياق تحدث الصادي عن أن الدمار الزراعي في غزة أدى إلى زيادة معدلات البطالة والفقر، حيث فقد آلاف المزارعين وعمال الزراعة مصدر دخلهم الرئيسي، وتشير تقارير البنك الدولي إلى أن معدل البطالة في غزة قد وصل إلى 80%، مع فقدان آلاف الوظائف في القطاع الزراعي وحده، هذا الوضع يزيد من تعميق الفجوة الاقتصادية والاجتماعية بين سكان غزة ويفاقم من معاناتهم اليومية.

بدورها سلطت المهندسة الزراعية إسلام مهنا، من مؤسسة منظمة "أنيرا"، الضوء على حجم الدمار الذي لحق بالقطاع الزراعي في غزة نتيجة الحرب الأخيرة، وقالت مهنا إن نحو 500 دونم من الأراضي الزراعية للمنظمة دُمرت، وهو ما يمثل جانباً من الأضرار الإجمالية التي تتجاوز 80% من إجمالي الأراضي الزراعية في المنطقة.

وأضافت في مقابلة مع "شبكة قدس" : "كان لدينا حوالي 2000 دونم من الأراضي الزراعية، وكلها دُمرت بالكامل". وأكدت أن الوضع أكثر تعقيدًا في ظل غياب الدفيئات الزراعية للموسم الشتوي، وارتفاع أسعار البذور والتقاوي إلى مستويات لا يستطيع المزارعون تحملها.

وأشارت مهنا أيضًا إلى أن نسبة إنبات البذور المتاحة لا تتجاوز 20%، مما يزيد من صعوبة إعادة النشاط الزراعي. كما أفادت بعدم توفر الوقود اللازم لري المحاصيل، وجرى استبداله بزيت القلي، الذي يصل سعر اللتر منه إلى أكثر من 60 شيكل، علاوة على ذلك، دُمِّرت الألواح الشمسية التي كانت تُستخدم في تشغيل الآبار.

وأوضحت مهنا أن الوضع الأمني في غزة يعوق أيضًا الجهود الزراعية، مما يجعل العمل في هذا القطاع محفوفًا بالمخاطر، وأشارت إلى أن الوضع الحالي لا يزال صعبًا، وأن العديد من المزارعين يواجهون تحديات كبيرة في ظل الظروف القائمة.

وأكدت أنه في ضوء هذه التحديات، أصبحت الحاجة إلى تدخل دولي عاجل أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، حيث يتطلب الوضع في غزة دعمًا مستدامًا لإعادة بناء القطاع الزراعي، بما في ذلك إصلاح البنية التحتية المتضررة، وإزالة التلوث البيئي، وتقديم الدعم المالي والفني للمزارعين، وقالت: يجب أن تكون هذه الجهود جزءًا من استراتيجية شاملة تهدف إلى تعزيز الأمن الغذائي وتحقيق التنمية المستدامة في غزة

ماذا نرى من الأقمار الصناعية؟.

وكان معهد الأمم المتحدة للأقمار الصناعية “يونوسات” نشر صورة عبر الأقمار الصناعية لتقييم أضرار الأراضي الزراعية في قطاع غزة، وأوضحت التغيرات في الأراضي الزراعية في قطاع غزة نتيجة لتدهور صحة وكثافة المحاصيل بسبب الحرب.

توضح الصورة التغيرات التي تم اكتشافها عبر الأقمار الصناعية في مناطق الأراضي الزراعية في قطاع غزة نتيجة لتدهور صحة وكثافة المحاصيل بسبب الحرب المستمرة، حيث أجرى برنامج UNOSAT تحليلاً باستخدام صور الأقمار الصناعية التي تم جمعها بواسطة القمر الصناعي Sentinel بين أغسطس 2017 و 2024، وأجرى تحليلًا لمؤشر الغطاء النباتي الموحد (NDVI) بالإضافة إلى تصنيف متعدد الأزمنة لتحديد التغييرات الملحوظة التي تحدث في المناطق الزراعية خلال تلك الفترة الزمنية. 

وقامت المنهجية بتقييم الضرر باعتباره تدهورًا في صحة وكثافة المحاصيل في أغسطس 2024، مقارنة بالمواسم السبعة السابقة الممتدة من 2017 إلى 2024.

يمكن ملاحظة تدهور صحة وكثافة المحاصيل بسبب تأثير أنشطة مثل التجريف ونشاط المركبات الثقيلة والقصف وغيرها من الديناميكيات المرتبطة بالصراع، حيث يتضمن التحليل تقييم الأضرار التي لحقت بالبساتين والأشجار الأخرى والمحاصيل الحقلية والخضروات. ويبين تحليل يونوسات أن المساحة الزراعية في قطاع غزة تقدر بنحو 150 كيلومترا مربعا، وهو ما يمثل حوالي 41% من إجمالي مساحة قطاع غزة، وذلك بعد إجراء تحليل واسع النطاق للغطاء الأرضي.

وبالمقارنة بمتوسط ​​السنوات السبع السابقة، أظهرت حوالي 68% من حقول المحاصيل الدائمة في قطاع غزة انخفاضًا كبيرًا في الصحة والكثافة في أغسطس 2024. وفي تقييم شامل، وجد أنه كانت هناك زيادة بنسبة 4% في نسبة الأراضي الزراعية التي تضررت منذ التحليل السابق الذي أجري في يوليو 2024.

بالإضافة إلى ذلك، يشير التحليل إلى ارتفاع ملحوظ في تدمير البساتين والأشجار الأخرى والمحاصيل الحقلية والخضروات في محافظة دير البلح، بزيادة قدرها 5 نقاط مئوية مقارنة بالتحليل السابق لشهر يوليو 2024. علاوة على ذلك، كان هناك تصعيد ملحوظ في تدمير الأراضي الزراعية داخل محافظة غزة، حيث ارتفعت النسبة من 73% في يوليو 2024 إلى 75% في أغسطس 2024. وهذا تحليل أولي ولم يتم التحقق من صحته ميدانيًا بعد