خاص - شبكة قدس الإخبارية: في الأسابيع الماضية نشرت وسائل إعلام إسرائيلية مقاطع مصورة قالت إنها "مسربة" من داخل سجون الاحتلال لعمليات تعذيب وحشية تعرض لها الأسرى من قبل قوات القمع، وهو ما أثار تساؤلات حول أهداف عمليات النشر هذه ومن يقف خلفها والعمليات النفسية والسياسية التي تريد تحقيقها خاصة لجهة الحرب على المجتمع الفلسطيني.
كان آخر هذه الفيديوهات مقطع من داخل سجن "مجدو" شمال فلسطين المحتلة، ويظهر عمليات تنكيل وتعذيب ومحاولة "إذلال" الأسرى من قبل قوات قمع مدججة بالسلاح والكلاب البوليسية، بعد فيديو نشر قبل أسابيع يكشف عن "اغتصاب" جنود الاحتلال لأسير فلسطيني في معسكر "سديه تيمان" الذي أصبح في الوعي الفلسطيني والعالمي معادلاً لسجن "غوانتانامو" الأمريكي.
أسرى محررون من سجون الاحتلال مؤخراً أكدوا لــ"شبكة قدس" أن وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال، إيتمار بن غفير، المشرف الأول على عمليات التعذيب مع إدارة السجون سمحوا للسجانين إدخال هواتف إلى الأقسام وتصوير عمليات التعذيب... فماذا يريد الاحتلال؟
الكاميرا مع الهراوة
أفاد أحد الأسرى الذين تحرروا حديثاً من سجن عوفر في حديث خاص لشبكة قدس، أن كافة جولات القمع والتفتيش والتعذيب التي ارتكبتها سلطات الاحتلال بحق الأسرى داخل سجن عوفر تم تصويرها.
وأفاد الأسير الذي تعرض لعدة إجراءات قمعية برفقة الأسرى، أن جنود الاحتلال كانوا يقومون بتصوير عملية القمع والضرب والتفتيش منذ بدايتها حتى نهايتها.
فيما أكد الأسير أنه رأى ذلك مراراً وتكراراً، عندما يقومون الجنود بتصوير التعذيب بهواتفهم الشخصية دائماً، وكاميرات تصوير من طراز "جو برو" مثبتة على أجسادهم.فيما ذكر الأسير في حديثه أنه رأى بأحد جولات التعذيب، جندي من جيش الاحتلال يحمل كاميرا ويوثق ما يلحقه زملائه بالأسرى من تنكيل وإهاناتٍ وجروح وتحطيم لأجسادهم.
تدفيع ثمن بالتعذيب
في حديث خاص لشبكة قدس، قال المحلل المختص بالشأن الإسرائيلي ياسر مناع، إن حكومة الاحتلال باتت ترى سجونها كساحة حرب حقيقية في إطار حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، ورفع كلفة الثمن المقاومة والذي يدفعه الأسرى، فيما حملت حكومة الاحتلال وأجهزتها على عاتقها كسر الحركة الفلسطينية الأسيرة بكافة الوسائل.
وعن تصوير القمع، قال مناع إنه جزء من خطاب السلطات المسؤولة عن السجون، لحكومة ومجتمع الاحتلال بأنهم جزء من الحرب، وتقوم بدورها بتحطيم الأسرى الفلسطينيين، باعتبارهم "مخربين" في نظرة كيان الاحتلال.
واكد مناع الذي تحرر مؤخراً من سجون الاحتلال أن المشاهد التي انتشرت في سجن مجدو هي جزء يسير من ما تعرض له الأسرى الفلسطينيين من إجرام منذ السابع من أكتوبر.
وأضاف مناع أن السلوك الإجرامي لعناصر أمن الاحتلال ضد الأسرى هو جزء من عقيدة الانتقام التي يتبناها مجتمع الاحتلال منذ نشأة الكيان، فيما يتم توثيق هذا الإجرام داخل السجون في إطار البحث عن الانتقام من الفلسطينيين أولاً، وفي محاولةٍ لخلق صورة نصر يتم تصدريها لمجتمع الاحتلال.
كيف يفسر علم النفس هذا الإجرام؟
في حديث خاص لشبكة قدس، قالت الأخصائية النفسية لين قدومي، إن سلوك جنود الاحتلال عندما يقومون بتصوير الانتهاكات الواقعة على الأسرى يُسمى من منظور علم النفس نزع الإنسانية (Dehumanization)، وهي حالة نفسية تصيب الجلاد عندما يرى الضحية التي يتم الاعتداء عليها أنها أقل إنسانية أو دون قيمة حتى بشرية، وهذ الشعور هو الدافع الأساسي لارتكاب الانتهاكات والفظائع ضد الأسرى ثم تصويرها بكل برود.
وأضافت القدومي أن هذا السلوك يأتي ضمن مفهوم إطاعة الأوامر (Obedience to authority) وهو إطاعة أمر السلطة المشرفة أو الحكومة، وهي إدارة سلطات الاحتلال المسؤولة عن السجون والتي رعت أساليب التعذيب والتنكيل بحق الأسرى منذ بداية حرب الإبادة في قطاع غزة، فيما تنعكس هذه الأوامر على تصرفات عناصر أمن الاحتلال التي باتت تخرج عن إدراكهم، فضلاً عن تصاعد متلازمة "التعاطف المفقود" (Lack of empathy) التي تنعكس على تصرفات سجانين الاحتلال.
فيما فسرت القدومي عدة عوامل تفاقم من حالة الاستبداد والعنف التي يمارسها جنود الاحتلال ضد الأسرى، منها تأثير الجماعة (Groupthink) وهو تأثير الجماعة التي يعمل في نطاقها هذا الجندي وهي المؤسسة الأمنية والعسكرية للاحتلال، وانسياقه مع سلوكها الإجرامي والقمعي، إضافة لتحكم نظرية القوة والسلطة (Power dynamics) في نفسيات جنود الاحتلال، وتُفسر هذه النظرية بأنها تتصاعد مع امتلاك السلطة والقوة كقوة القرار والسلاح والأدوات، وهو ما يمتلكه جنود الاحتلال أثناء التنكيل بالأسرى.
وذكرت القدومي أن حالة الإحباط والإسقاط (Frustration and displacement) التي يعيشها جيش الاحتلال منذ بداية حرب الإبادة، جعلتهم يفرغون ضغوطاتهم النفسية والاجتماعية بشكل إجرامي ضد الأسرى عن طريق ارتكاب العديد من الانتهاكات الجسدية والنفسية وحتى الجنسية، أدت لاستشهاد عشرات الأسرى الفلسطينيين.
وأكدت القدومي في الختام أن التنشأة النفسية والاجتماعية التي ينشأ به الإنسان تؤثر على تصرفاته، ويمكن إسقاط ذلك على جنود الاحتلال الذين يقومون بتصوير جولات التعذيب والقمع، حيث من المتعارف عليه في أنماط التربية الدينية والعسكرية لدى الاحتلال هو احتقار العرب والفلسطينيين وانتهاك كرامتهم الإنسانية قبل قتلهم.
فيما قالت أنه من منظور علمي سلوك العنف الممارس داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي مدعوم من البيئة المحيطة التي عززت مفاهيم الانتقام من العرب وإبادتهم، ونشر شعور البطولة ونشوة النصر عند ممارسة التعذيب والإجرام، فيما يعتقد الجنود أنهم يقومون بتوثيق "بطولاتهم" وهي ضرب الأسرى وإهانتهم، للحصول على دعم وتشجيع زملاءهم وقيادتهم ومحيطهم الاجتماعي ككل، يتقاطع ذلك مع حالة "نزع الإنسانية"، التي تتجلى داخل مؤسسات ومجتمع الاحتلال مدنياً وعسكرياً وحتى حكومية وفق تصريحات عدة وزراء كإيتمار بن غفير الذي دعا لإعدام الأسرى في عدة تصريحات.