خاص - شبكة قدس الاخبارية: في استعراضٍ جديد، أظهر رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خريطة لفلسطين المحتلة، في مؤتمرٍ صحفي يوم الإثنين الماضي في حين اختفت الحدود السياسية للضفة الغربية المحتلة.
يتزامن الاستعراض مع أكبر عدوان عسكري يشنه الاحتلال على الضفة الغربية المحتلة منذ عام 2002، تستهدف خاصة مدينتي جنين وطولكرم شمالاً منذ 8 أيام، فضلاً عن تصاعد الاستيطان وعمليات هدم منازل الفلسطينيين في الضفة والقدس المحتلتين خلال الشهور الماضية.
وليست المرة الأولى التي يستخدم فيها نتنياهو هذه الخريطة، ففي سبتمبر/أيلول 2023، عرض نتنياهو خريطة لكيان الاحتلال خالية من الضفة الغربية والقدس، وهي خريطة أثارت جدلا واسعا وتوقعات حول نية حكومته حينها.
لماذا الضفة الغربية؟
ظهر مصطلح الضفة الغربية في أعقاب حرب النكبة عام 1948 وسيطرة العصابات الصهيونية على 78% من أراضي فلسطين التاريخية، في حين أُطلق مصطلح الضفة الغربية على المنطقة الممتدة من سلسلة جبال نابلس شمالاً مروراً بجبال القدس في الوسط حتى جبال الخليل شمالاً إضافة للشطر الغربي من غور الأردن، وأُطلق عليها المسمى الجيوسياسي الضفة الغربية، باعتبارها الضفة الثانية لنهر الأردن من الجهة الغربية.
منذ احتلاله للضفة عام 1967 سعى الاحتلال للسيطرة على كل شبرٍ فيها مُستداً إلى عدة اعتباراتٍ أساسية وهي اعتباراتٍ دينية عقائدية وأمنية وأخرى استراتيجية تشكلت في بنية المشروع الصهيوني، فمن الناحية الدينية تعتبر اسفار التوراة أن أي تنازلٍ عن شبرٍ واحد من أراضي مملكة إسرائيل هو كفر بعينه، فيما تقع هذه المنطقة من ضمن إسرائيل، فضلاً على احتواءها على الآلاف من المواقع الأثرية التي تحمل رمزيةً دينيةً في العقيدة اليهودية كالمقامات وحتى المساجد، ولا سيما المسجد الأقصى المبارك في القدس والحرم الإبراهيمي في الخليل.
أما الاعتبارات الأمنية الاستراتيجية فيعتبر الاحتلال الضفة الغربية خطاً دفاعياً طبيعي لعمق كيانه بفضل سلسلة الجبال التي تمر عبرها، تجاهل هذه المناطق في الخريطة يعكس تجاهلاً للواقع الأمني الذي يعتبره الاحتلال حاسماً في استراتيجيته الدفاعية، فضلاً عن اعتبار سلسلة جبالها مع الأغوار حزاماً أمنياً كاشفاً للأراضي الأردنية، وحزاماً استيطانياً دفاعياً بالدرجة الأولى لأي خطرٍ خارجي، إضافة لاعتباراتٍ اقتصادية بحيث تشكل الضفة مخزوناً هائلاً من المياه الجوفية، والسهول الداخلية الخصبة الملائمة للزراعة.
وتسعى مخططات الاحتلال الأخيرة لنزع السيطرة الأمنية للسلطة الفلسطينية عن الضفة وتوحيد أراضيها مع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 وغياب أي كيانٍ سياسي يمثل الفلسطينيين، أو شرعية لأرضهم، فيما يأتي استعراض نتنياهو كمحاولة لتأكيد السيطرة "الإسرائيلية" على جميع الأراضي دون الاعتراف بوجود احتلال.
تصاعد الصهيونية الدينية
ومن العوامل التي حفزت الهجمة الاسرائيلية على الضفة، تصاعد النفوذ السياسي للصهيونية الدينية داخل حكومة الاحتلال والتي يتبنى نهجها بشكلٍ واضح وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال إيتمار بن غفير، والذي شكل رافداً قوياً للمجموعات الاستيطانية في الضفة من خلال مدها بالمال والسلاح، ووزير مالية الاحتلال بتسلئيل سموتريتش الذي يروج لمخططاته الاستيطانية التي تهدف لإنهاء الوجود الفلسطيني وتجريد السلطة من كافة صلاحيتها وحصارها مالياً.
وشكل تصاعد الصهيونية الدينية حافزاً قوياً لمليشيات المستوطنين بارتكاب المزيد من الجرائم والاعتداءات على القرى الفلسطينية، وإحراق بيوت وممتلكات الفلسطينيين هناك ونهب مواشيهم، وحتى ارتكاب جرائم قتل أدت لاستشهاد فلسطينيين كان آخرها في قرية حجة قرب قليقلية خلال الشهر الماضي.
مجموعات المقاومة في الضفة وإفشال المخطط
منذ عام 2021 سجلت الضفة الغربية تصاعداً متلاحظاً في النشاط العسكري المناهض للاحتلال ومشاريعه الاستيطانية في الضفة، فيما اتخذت هذه المقاومة مسارين وهما مسار المقاومة الشعبية للاستيطان التي بلغت ذروتها في "معركة الجبل" وهي سلسلة مواجهات خاضها سكان بلدة بيتا جنوب نابلس ضد مشروع استيطاني هدف للسيطرة على جبل صبيح قرب البلدة، إضافة لعدة نماذج مشابهة في بلدة بيت دجن وكفر قدوم، فضلاً عن الوسائل الشعبية في مواجهة هجمات المستوطنين في المغير ودوما وبُرقة، أما المسار الثاني فهو مسار العمل المقاوم المسلح، وارتبط بشكلٍ وثيق في مناطق شمال الضفة، إضافة لعمليات فردية أو نفذتها خلايا في مناطق مختلفة من الضفة.
أما في مخيمات شمال الضفة فقد راكمت مجموعات المقاومة من قدراتها العسكرية، فيما نفذت منذ عام 2021 إلى يومنا هذا مئات عمليات إطلاق النار على المستوطنات والنقاط العسكرية لجيش الاحتلال وخاصةً في منطقتي طولكرم ونابلس، أما التطور النوعي فقد حملته العبوات الناسفة التي تم تصنيعها محلياً والتي باتت تشكل الهاجس الأخطر لجيش الاحتلال في عمليات اقتحاماته فيما سعت مجموعات المقاومة لزرعها في الشوارع الإلتفافية المؤدية للمستوطنات ونجحت بتفجير هذه العبوات، كعملية التي تم بها استهداف مركبة مستوطنين بعبوةٍ ناسفة أدت لإصابة 4 مستوطنين.
أما اقتحامات شمال الضفة فباتت الأصعب والأكثر كلفةً لجيش الاحتلال لما بات يواجهه من كمائن محكمة أعدتها المقاومة وأوقعت في صفوف قواته وآلياته خسائر مباشرة في مخيم جنين ومخيمات محافظة طولكرم وطوباس، في حين شكلت هذه العمليات كسراً لمعادلة التجول الآمن لجيش الاحتلال داخل المناطق الفلسطينية وهو ما حاول الاحتلال فرضه منذ نهاية انتفاضة الأقصى.
أما عمليات إطلاق النار التي استهدفت مركبات المستوطنين بشكلٍ مباشر فقد حملت شعاراً واحداً مفاده أن لا أمان للمشروع الاستيطاني في الضفة المحتلة وهو ما شكل أزمة ثقة بين المستوطنين من جهة وحكومة وجيش الاحتلال من جهة أخرى.
ومنذ 8 أيام يشن جيش الاحتلال حملة عسكرية ضخمة على شمال الضفة الغربية، دمر خلالها البنى التحتية والمرافق العامة داخل مراكز مدينتي طولكرم وجنين ومخيماتهما، إضافة إلى اقتحام مخيم الفارعة جنوب مدينة طوباس وقصفه بالطيران المسير، سبق هذه العملية عشرات الاقتحامات الضخمة لمخيم بلاطة شرق نابلس واستهداف المقاومين الفلسطينيين فيه.
وخلال الأيام الماضية تصاعدت عمليات المقاومة في جنوب الضفة انطلاقاً من محافظة الخليل بعد تنفيذ عملية مزدوجة استُخدم بها السيارات المفخخة فيما استهدفت العملية مستوطنتي "غوش عتصيون" و"كرمي تسور"، إضافة لعملية إطلاق نار قرب حاجز ترقوميا قُتل بها 3 ضباط من شرطة الاحتلال، في حين اتخذت المؤسسة الأمنية والعسكرية للاحتلال عمليات الخليل على محملٍ من الجد والخطورة خشياً من السيارات المفخخة وارتباطها في عمليات المقاومة أبان انتفاضة الأقصى.
ويعتبر الاحتلال هذه العمليات وغيرها خطراً وجودياً على المشروع الاستيطاني ومشاريع بسط السيطرة الكاملة على الضفة، في حين يصعب الاحتلال فرض السيطرة دون السبق بفرض نظرية الأمن والحماية للمستوطنين وجيش الاحتلال، فيما يواجه عائقاً في ذلك يزداد صعوبةً يوماً بعد يوم على مدار أكثر من 3 سنواتٍ متتالية.