فلسطين المحتلة - شبكة قُدس: شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي حملة عدوانية واسعة دفعت فيها قوات كبيرة نحو عدة مناطق، في شمال الضفة المحتلة، تركزت في المخيمات وأدخلت فيها سياسات لإكمال عمليات التدمير للبنية التحتية والعمرانية وشكل الحياة فيها.
تأخذ الحملة العدوانية التي يشنها جيش الاحتلال على جنين ومخيمها ونور شمس ومخيم الفارعة، ومخيمات أخرى في الضفة المحتلة، أبعاداً أعلى من المستوى الأمني الإجرائي المباشر الذي يحاول التصدي لتنامي توسع مجموعات المقاومة في العدد والأعمال النوعية التي ما زال يتطور، منذ سنوات، وشهدت الأسابيع الماضية دخول أشكال من الفعل العسكري غابت عن ساحة الضفة منذ سنوات، مثل عمليات التفجير في عمق الداخل الفلسطيني المحتل، بالإضافة لتصدر عمليات تفجير العبوات الناسفة كفعل يومي أو مع كل اقتحام.
تمثل المخيمات الفلسطينية أزمة استراتيجية لدولة الاحتلال الإسرائيلي فهي بما هي حيزات جغرافية منتشرة، في الضفة المحتلة وقطاع غزة ودول الشتات في محيط فلسطين، تمثل محفزاً دائماً نحو فكرة "العودة" التي يتعامل معها كتهديد لكيانه بما هو "دولة يهودية" قائم دائماً على نفي الفلسطينيين بما تستطيع وما توفرها لها الظروف الدولية والإقليمية والعسكرية.
والمخيم ليس فقط مكان الذي تولد فيه بشكل دائم فكرة المقاومة وتمثلاتها في الواقع، بل هو ما يحفظ استمرار فكرة "العودة" إلى القرى والمدن الفلسطينية المهجرة في الداخل المحتل 1948، رغم تقادم السنوات منذ النكبة، والمشاريع الدولية والإقليمية المتواصلة لحذف فكرة عودة الفلسطيني إلى المكان الذي انتزع منه قسراً، على المستوى السياسي من خلال مشاريع التسوية، أو الثقافي والإعلامي بتعزيز فكرة أن "التحرير وعودة اللاجئين" غير قابلة للتحقق.
يمكن ملاحظة استشعار الإسرائيلي الدائم بالتهديد من فكرة "العودة" التي تصنع داخل المخيم من تصريحات مسؤولين في المستويات السياسية والعسكرية والحكومية المختلفة في دولة الاحتلال، الذين يرون أن تمسك الفلسطيني بحلم استعادة البلاد كاملة هو ما يجعله يستمر في المقاومة رغم الصعوبات الهائلة التي كابدها منذ عقود، ويؤكدون أن عمليات التسوية والاتفاقيات لم تسقط فكرة العودة إلى حيفا ويافا وعكا واللد والرملة ومختلف المدن والقرى المهجرة، لذلك دائماً ما كانت مشاريع التهجير والتدمير موجهة إلى المخيمات لإسقاط الحيز الجغرافي الذي يواصل تخليق فكرة التحرير.
في لقاء بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، قال الحاكم العسكري السابق لقطاع غزة بعد احتلال 1967 إيني عبادي إن "ترديد الفلسطينيين: حق العودة، حق العودة" عقبة أمام تحقيق أي "حل سياسي". عبادي العارف باللغة العربية والتفكير العربي وهو القادم من يهود العراق، يرى أن تفكيك المخيمات يجب أن يجري لمنع الفلسطينيين من التفكير باستمرار في تحرير كل فلسطين.
وهذه الفكرة كررها غيرشون بيسكن الذي كان له دور سابقاً في صفقة "وفاء الأحرار"، التي أفرجت المقاومة فيها عن الجندي جلعاد شاليط مقابل مئات الأسرى، بعد عملية "طوفان الأقصى" أيضاً قائلاً إن "الفلسطينيين لم يتنازلوا عن حلم العودة".
كان أرئيل شارون رئيس حكومة الاحتلال السابق ووزير جيشها لسنوات وأحد مؤسسيه من أخذ فكرة تدمير المخيمات إلى البعد العملي المباشر، حيث باشر بعد توليه قيادة المنطقة الجنوبية التي تشمل قطاع غزة في بداية السبعينات تنفيذ عمليات تهجير لمئات الفلسطينيين من مخيمات القطاع، وتدمير الأزقة فيه، ومد شوارع واسعة لتسهيل حركة القوات، ومنع مجموعات المقاومة التي كانت حينها تسيطر على غزة ليلاً وجيش الاحتلال نهاراً، كما في حالة القائد (جيفارا غزة)، من استغلال العمران ذا الطابع المتلاصق الأبنية في التخفي.
كرر شارون مراراً أن فكرة المخيمات يجب أن تختفي وعلى حكومة الاحتلال الإقدام على خطوة لتوطين اللاجئين، لنزع فكرة العودة منهم، وفي اجتياحه للبنان في حزيران/ يونيو 1982 حاول تحقيق أهداف استراتيجية متعددة بينها تدمير مخيمات لبنان ودفع الفلسطينيين نحو الهجرة خاصة إلى الأردن الذي كان يراه وطناً بديلاً للفلسطينيين.
وفي حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة كانت الإبادة للمخيمات أيضاً، وقد تعرضت في قطاع غزة لحملات قصف مركزة مع بقية الأحياء والمناطق، بهدف إسدال الستار في العقل الفلسطيني على تحقيق فكرة العودة أو التحرير، التي شربت ماء الحياة مع عملية "طوفان الأقصى" ومشاهد عودة المقاتلين إلى مناطق وقرى وبلدات قضاء غزة التي تعرف إسرائيلياً باسم "غلاف غزة".
وتزامنت حملة التدمير والاستئصال مع هجوم إسرائيلي مركز من مختلف أجهزة حكومة الاحتلال على وكالة "الأونروا"، التي تعرضت خلال السنوات الماضية لحملات تحريض ومحاولات لتخفيف الدعم عنها بهدف تجفيف مصادر تمويل ومعيشة اللاجئين الفلسطينيين، لدفع المخيمات نحو التفكك وتدمير فكرة العودة في المسار الأخير.
حرض وزراء حكومة الاحتلال على إنهاء وكالة "الأونروا" وتسليم مهماتها إلى جهات أخرى، وعملوا على شرعنة قانون لتصنيفها على أنها "حركة إرهابية"، وإغلاق مقراتها والتضييق على العاملين فيها، ودفع الولايات المتحدة والدول الأوروبية لقطع الدعم المالي عنها.
وشن الاحتلال في هذه الحرب غارات استهدفت مؤسسات تابعة للوكالة والأمم المتحدة، ودمرت عدة مدارس لها أصبحت مراكز إيواء، ومنعتها من أداء مهماتها الإنسانية في أكثر من منطقة، وأكد قادة الاحتلال علناً أن تفكيك الوكالة هو جزء من مشروع سياسي أوسع لما أطلقوا عليه "اليوم التالي"، الذي يعني إنهاء القضية الفلسطينية وفي القلب منها فكرة "العودة".
إذا تأخذ العمليات العدوانية على مخيمات الضفة بعداً سياسياً يتعلق بتدمير الحيز الجغرافي الذي يضمن بقاء فكرة العودة حية.