انتهى العمر الأصلي للقاء ودخلت الأجواء الى الوقت بدل الضائع وضربات الحسم، دقيقة واحدة أسفرت عن هدفين في مرمى الخصم وطرحتهم أرضاً، أُطلِقت صافرة النهاية وكلٌ غادر أرض الميدان، عُلِق القميص و خُلِع الحذاء الملطخ بعبق الدماء، كانت هذه دقائق قاتلة من عمر اللقاء وأسدل الستار على مسيرة كروية ما لبثت أن تبدأ حتى تنتهي برصاصة حاقدة بترت الطموح وبددت الأحلام.
عرفته عوالم المستطيل الأحضر بروحه القتالية العالية، وكاريزمته، شق طريق الاحتراف والنجومية، كالمايسترو يعزف لحناً فنيا بتمريراته العرضية، أو أقول كمترجم يفسر اللهجات ولكن بحروف كرة القدم، يراوغ وينفرد في كل المساحات، يتأمل مرمى الخصوم بنظرات ثاقبة لينقض عليه بضربات تكتيكية وبحنكة فيها نوع من الدهاء، ليعود محلقا كالنسر الجامح محلقا فوق الهدف وعينه تبتسم فقط إذا هزَّ شباك فريسته.
أحمد أديب عليان، إبن ال 23 ربيعا، اللاعب المقدسي إبن قرية جبل المكبر، الموهبة الفذة في عالم كرة القدم الفلسطينية، مهاجم نادي العربي بيت صفافا.
عليان أو ما هتفت له الجماهير الفلسطينية بلقب أبو عرب كان من ألمع اللاعبين الشباب، بدأت مسيرته مع نادي السواحرة الذي كان يقبع في الدرجة الثالثة وساهم بنهوض الفريق إلى سلم الدرجة الثانية، قبل أن ينتقل إلى نسور العاصمة نادي جبل المكبر وأصبح من أهم ركائز الفريق، كما ولعب في قميص نادي جبل الزيتون، بإصراره وذكاءه
إستطاع أن يفرض نفسه ويكسب ثقة المدربين حيث تم إستدعاؤه لتمثيل المنتخب الوطني الفلسطيني الأولمبي عام 2021.
على خلاف ما إعتادت عليه سيناريوهات كرة القدم، لم يتدرج أحمد باللعب مع فئات المنتخب الفلسطيني لكرة القدم ولم يصدر أسمه ضمن كشوفات المنتخب المشاركة والتي تتحضر لبطولة كأس أسيا فقد علق قميصه باكراً قبل أن يصل إلى المنتخب الأول، حيث وصل إلى النهائيات قبل الجميع بعد أن خاض إشتباكا مع قوات الإحتلال أقدم فيه على طعن جنديين إسرائيليين على حاجز الذل والعنصرية الفاصل بين مدينة القدس وبيت لحم، الذي إغتصب الأراضي الفلسطينية وقسم البلاد بين أزرق وأخضر.
بين حسرة أم على إرتقاء نجلها وقهر أبٍ على فقدان ماء عينه وجرح أخ و أخت على رحيل شقيق قلوبهم وروحهم المدلل، اختطف جيش الإحتلال جثمان صغير البيت تعمقت جراح عائلة ٍ مكلومة ومحزونة على رحيل ولدهم دون وداعٍ أخير ودون قبلة على الجبين قبل أن يوارى بالثرى جسده النحيل، منذ الثامن والعشرين من كانون اول للعام 2023 ولا يزال جثمان احمد محتجزاً في قبضة الاحتلال، مما أثكل العائلة بحسرةٍ لنظرة الوداع الاخير.
وكانت كلماته الأخيرة "هنيئاً لمن ابتغى وجه الله، وهنيئاً لمن اختار الشهادة".