لا يكاد يمرّ أسبوع إلا ونصطدم بأخبار لا تسرّ ولا تبهج أبدا، فقبل عدة أيام كان الحديث عن الماراثون اليهودي المقام في القدس يستقل الحدث الأكبر، إذ علا الكثير من الصحف والمواقع المحلية ثم سرعان ما انتقلنا إلى حدث أكثر مأساوية واستفزازا، بل وأكاد أجزم أن ليس هنالك في مشارق الأرض ومغاربها من لم يسمع به، خاصة في عصر الفيديو وتسجيلات الصوت والصورة: إنّه الجندي الإسرائيلي ينتزع القرآن من بين كفتي فتاة مقدسية ويدوسه بكلتا قدميه.
كانتشار النار في الهشيم وأسرع، ضجّت حارات التواصل الاجتماعي بالخبر، كالفيسبوك واليوتيوب وغيرها .. والذي انتفض على إثرها الشارع الفلسطيني منددا بالوقاحات المتتالية التي تقوم بها الجهات الإسرائيلية بدون أدني اعتبار لوجودنا كسكان أصليين لهذه البلاد، وقد نسوا أنهم هم أنفسهم من لقّبوا "سيادتهم" بالديمواقراطية، والديموقراطية منهم بريئة إلى يوم يُبعثون.
وكنتيجة لما ذكر، فقد انطلقت العديد من المظاهرات في كافة المدن الفلسطينية، أبرزها مظاهرة قطرية جرت يوم أمس في بلدة كفركنا والتي دعت اليها الحركة الاسلامية. كما واحتشدت تظاهرة صغيرة قدر أفرادها بالخمسين في قطاع غزة، هذا بالإضافة إلى مظاهرة في مدينة القدس والتي اقتصر أفرادها على النساء دون الرجال، رغم ان الدعوة كانت عامة ومفتوحة للجميع.
الملفت في الأمر أنّ ردة الفعل الجماهيرية لم تختلف كثيرا عن سابقاتها: مظاهرات وتنديدات وهراوات كلام لا تفارق الألفاظ. المظاهرات مطلوبة وصحية في وضعنا الحرج هذا لكنها اطلاقا لا تكفي. إنها صواب حين تكون مضافة إلى التواجد أو الرباط في المسجد الأقصى مثلا .. ثُمّ ألم يكن من الحكمة أن تقام المظاهرة القطرية في قلب الأقصى؟ أظن أنها كانت ستكون أكثر قوة وتحديا لهم، أو على الأقل فإننا بذلك نثبت لهم كذبة "موت" الضمائر العربية .. وغباوتهم.
لكم كان حريّا أن تقام المظاهرة في الحرم المقدسي حيث كانت ساحة الإهانة لمصحفنا الشريف، وفي سورة البقرة يضرب الله لنا خير مثال فيقول فيها: "ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه" حيث كانت الهجمة الأولى، فالحق أحقّ أن يبان والبادئ أظلم. وفي المشهدين تشابه كبير اترك لكم فيه القليل من الفراغ لتملؤه عقولكم.
أتساءل الآن، ماذا عن المظاهرة ذات الخمسين نفرا؟! أتعجّب حقا كيف تُحشد الجماهير الغفيرة فقط حين تدعو الفصائل المختلفة إلى ذلك، فتخلف ورائها ما تخلفه من أزمة سير ودعايات مرئية ومسموعة، أمّا عن مظاهرة لرفض الذلّ فلا اهتمام ولا صخب ولا حضور إلا من ثلة قليلة تستثنى.
وأما عن المظاهرات التي لم تضم الشباب فحدّث ولا حرج!! تُرى ألا يخصهم تدنيس المصحف أم أنه مصحفٌ للنساء فقط؟! قل هو للمسلمين جمعاء فلِم التفريط واللامبالاة إذن؟!
القدس بأسوارها لنا، دفاعنا عنها وعن مقدساتها واجب لا ترف، هي الأمانة ولسوف نُسأل يوما كم اجتهدنا لأجلها وكم صلينا في جنباته .. لنحرصْ على اقصانا وعلى صلاتنا فيه، لكم يشتهيه المحرومون ونحن في نعمة مدرارة غافلون .. لنعدّ للسؤال يومئذٍ جوابْ.