شبكة قدس الإخبارية

المشروع الاستيطاني في الأغوار.. بين التهديد الداخلي والخارجي

WhatsApp Image 2024-08-12 at 4.39.47 PM
يزن حاج علي

خاص - شبكة قدس الإخبارية: في أعقاب عملية إطلاق النار التي وقعت في الأغوار الفلسطينية يوم أمس الأحد، كشفت إذاعة جيش الاحتلال عن نية رئيس هيئة أركان الاحتلال "هرتسي هليفي"، تشكيل فرقة متخصصة بالأغوار، وقالت الإذاعة إن الاستيطان الإسرائيلي يواجه هناك تهديداً خارجياً من الحدود الأردنية وداخلياً من الضفة المحتلة.

يأتي هذا التصريح في سياقين يواجهُّما الاحتلال خلال السنوات الأخيرة، أولاهما تصاعد المقاومة المسلحة في الضفة الغربية المحتلة والتي نفذت عدة عمليات في الأغوار الفلسطينية، وثانيهما عمليات تهريب الأسلحة عبر الحدود الأردنية - الفلسطينية والتي تمر من خلال الأغوار وتصل إلى أيادي المقاومين على حد مزاعم الاحتلال.

 

لماذا الأغوار؟

خلال عام 2019 أعلن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، ضرورة فرض السيطرة العسكرية الكاملة على الأغوار الفلسطينية وشمال البحر الميت لأسباب أمنية.

في وقت سابق تبنت حكومات الاحتلال المتعاقبة نظرية السياسي الإسرائيلي السابق "يغآل آلون"، بشأن إبقاء السيطرة على شريط غور الأردن شرقي الضفة المحتلة وفق ما يسمى بخطة "آلون الاستعمارية" القاضية منذ عام 1970 بخلق عازل جغرافي يفصل الضفة الغربية عن الحدود الأردنية، ويعزل شمال الضفة عن جنوبها، وذلك في مسعى لخلق حدود جديدة لدولة الاحتلال.

وفي عهد رئيس وزراء الاحتلال السابق "إسحاق رابين"، وبعد إطلاق عمليات التفاوض مع الأردن ومنظمة التحرير في التسعينيات، قال إن "الحدود الأمنية للدفاع عن دولة الاحتلال ستكون في وادي الأردن".

يشير حديث رابين إلى الضرورة الأمنية والاستراتيجية للأغوار كونها تشكل إطلالة على الحدود الأردنية – الفلسطينية، وقد نبعت هذه الخشية منذ سنوات الستينات مع تسلل المجموعات الفدائية الفلسطينية من الأردن إلى الضفة الغربية عبر الحدود، والاحتماء بالبيئة الجغرافية المناسبة التي تمثلها الأغوار، ثم تنطلق هذه المجموعات لتنفيذ العمليات، وقد واجهت حكومة الاحتلال هذه المعضلة بين عامين 1968 – 1970 وفق مذكرات رئيس جهاز "الشاباك" السابق "يعقوب بيري".

وتقوم نظرية الاحتلال الأمنية على توسيع الاستيطان على أراضي الأغوار ومرافقته بإنشاء معسكرات ونقاط مراقبة لإحكام عملية السيطرة، وقد سار المشروع الاستيطاني في الأغوار على قدم وساق واقتصر على المستوطنات الزراعية، والتي يسعى الاحتلال في الوقت الحالي لتوسيعها وضم أكبر قدر ممكن من الأراضي وربط هذه المستوطنات بباقي مستوطنات الضفة.

تجلت هذه الخطوات بمصادقة حكومة الاحتلال على مصادرة 8 آلاف دونم من الأغوار لصالح المستوطنات.

 

الحدود الأردنية.. معضلة تاريخية تتجدد

قُبيل معركة طوفان الأقصى بشهور، صرح رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو نية حكومته بناء جدارٍ عازل على طول الحدود مع الأردن، جاء القرار مدفوعاً بأسباب أمنية تتمثل بمنع عمليات التسلل، لكنها في المضمون تهدف لمحاولة منع تهريب السلاح إلى الضفة المحتلة.

وبحسب بيانات شرطة الاحتلال، فقد ضُبط ما لا يقل عن 506 من مسدسات و24 بندقية هجومية و8 عبوات ناسفة، في 26 محاولة تهريب منفصلة على الحدود الأردنية خلال عام 2023 الماضي، فيما روج الإعلام العبري أنّ عمليات التهريب أسهمت في توفير بيئة أفضت لزيادة عمليات المقاومة المسلحة بالضفة المحتلة.

يتعامل الاحتلال الإسرائيلي مع الحدود الأردنية الفلسطينية، بشكلٍ بالغ الأهمية كونها الحدود الأطول مع فلسطين المحتلة على امتداد 335 كيلو متراً، إضافة لعمق الوجود الفلسطيني داخل الأردن، والارتباط التاريخي والثقافي بين فلسطين والأردن، فضلاً عن تجربة الاحتلال السابقة في عمليات تسلل الفدائيين الفلسطينيين من الأردن إلى داخل فلسطين، أو عملية انسحاب المطاردين وهروبهم من الضفة إلى الأراضي الأردنية عبر الحدود خلال سنوات السبعينيات والانتفاضة الأولى.

خلال انتفاضة الأقصى أكدت السلطات الأردنية إنها أحبطت عدة محاولات تسلل إلى فلسطين المحتلة كما أحبطت محاولات لتهريب أسلحة لمجموعات المقاومة الفلسطينية في الضفة.

وفي شهر آذار/مارس 2002 أعلن جيش الاحتلال عن اغتيال 4 مسلحين قرب الحدود الأردنية، فيما تزامن الإعلان مع إعلان آخر للأمن الأردني قال فيه إنه منع عملية تسلل إلى الضفة المحتلة، وقال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في تلك الفترة إن عدداً من أعضاء الحزب معتقلون في الأردن لمحاولتهم تهريب صواريخ كاتيوشا إلى رجال المقاومة الفلسطينية في الضفة، وأكد وزير الخارجية الأردني في حينها مروان المعشر أن ثلاثة من حزب الله معتقلون في الأردن لأسباب وصفها بأنها "أمنية".

وفي السنوات الأخيرة كُشف عن عمليات تهريب السلاح من الأردن إلى فلسطين خلال عام 2020، عندما ضبطت سلطات الاحتلال 143 قطعة سلاح ناري أثناء محاولة تهريبها إلى الضفة، ثم ارتفع العدد عام 2022 إلى 25 عملية تهريب، وخلال عام 2023 أصدرت محاكم الاحتلال أكثر من 120 لائحة اتهام ضدّ أسرى مرتبطين بعمليات تهريب الأسلحة، وصرح ضابط في جيش الاحتلال قائلاً: "يعني ذلك أنّ ما يُضبط من أسلحة مهربة هو قطرة في بحر، وغيض من فيض، مما يعني أن الفلسطينيين جمعوا الكثير من الأسلحة".

خلال معركة طوفان الأقصى وفي شهر تشرين ثاني/نوفمبر 2023 أعلنت سلطات الاحتلال تهريب عملية سلاح ضخمة وذلك عبر وادي عربة في الحدود الشرقيّة الجنوبيّة الفاصلة بين فلسطين والأردن، فيما زعم إعلام الاحتلال أنها أضخم عملية تهريب سلاح تم احباطها منذ نشأة الاحتلال، وقد شملت مسدسات وبنادق وكميات من الذخائر.

وتدعي وسائل إعلام عبرية أن مصادر السلاح المُهرب من الأردن إلى فلسطين هو الحرس الثوري الإيراني وحركة حماس، فيما اعتقلت أجهزة الأمن الأردنية في حزيران/ يونيو 2023 4 مواطنين أردنيين بتهمة تهريب أسلحة إلى الضفّة الغربيّة عبر الحدود لصالح حركة حماس، ولا زالت السلطات الأردنية تحتجزهم حتى الآن.

وكانت قناة "كان" العبرية قد أكدت أن جنود الاحتلال قتلوا شخصاً حاول التسلل من الأراضي الأردنية إلى فلسطين، وذلك في شهر حزيران/يونيو الماضي، ويأتي ذلك في سياق حديث الاحتلال عن الخطر المتجدد للحدود الأردنية الفلسطينية، واعتبار عمليات تهريب سلاح خطراً خارجياً على الاستيطان في الضفة المحتلة بشكلٍ عام وعلى الاستيطان في الأغوار بشكلٍ خاص.

 

العمليات العسكرية في الأغوار.. التهديد الداخلي

شهدت الأغوار الفلسطينية العديد من عمليات إطلاق النار التي أوقعت قتلى وجرحى في صفوف جنود الاحتلال والمستوطنين، أبرزها في عام 2022 وقد أوقعت 7 جرحى بعد إطلاق النار على حافلة إسرائيلية، وقتل 3 مستوطنات في نيسان 2023 بعد إطلاق النار على مركبتهن، وآخرها عملية يوم أمس الأحد والتي قُتل بها جندي في جيش الاحتلال.

وصفت هذه العمليات بالتهديد الداخلي الذي يواجه الاستيطان في الأغوار وفق تصريحات مسؤولي الأجهزة الأمنية للاحتلال، فيما أكد المختص في الشأن العبري ياسر مناع أن هذه العمليات تعكس بعداً أمنياً ما تشكل ضربة للجهود الاستخباراتية للاحتلال في الضفة، إضافة لتشكيل بيئة طاردة للمستوطنين في الأغوار وتحويل المنطقة إلى منطقة ساخنة وغير آمنة على عكس ما روجت له حكومة الاحتلال عبر سنين لترسيخ الاستيطان في الأغوار.

بهذا يتضح جزء من صورة التحدي الذي يواجه الاحتلال في مخططاته للسيطرة على الأغوار من خلال عمليات المقاومين الفلسطينيين هناك، إضافة للهاجس الأمني التي باتت تشكله الحدود الأردنية كخطرٍ خارجي على الاحتلال في الضفة، والتي تشهد تعقيداً أمنياً وعسكرياً متصاعداً يصطدم به الاحتلال منذ عام 2021 حتى الآن.

#حماس #حزب الله #الضفة الغربية #المقاومة الفلسطينية #الأغوار الفلسطينية #الحدود الأردنية