شبكة قدس الإخبارية

تقريرمن أرض المعركة.. كيف درس السنوار مجتمع الاحتلال ثم وجه له الضربة؟

WhatsApp Image 2024-08-07 at 2.16.19 PM
يزن حاج علي

خاص - شبكة قدس الإخبارية: جاء قرار إعلان حركة حماس لاختيار يحيى السنوار رئيساً لها قراراً مفاجئاً للعديد من الأطراف القريبة والبعيدة عن، وحتى للاحتلال الإسرائيلي ذاته الذي اغتال الشهيد إسماعيل هنية، ونظراً للحالة الخاصة التي تعيشها الحركة في خضم حرب الإبادة الإسرائيلية، ووجود السنوار في قطاع غزة، شكل إعلان القرار تلك الصدمة.

والناظر في سيرة الرجل يدرك ماهية خلفيته الأمنية والعسكرية في الحركة، ثم تدرجه السياسي بعد تحرره من سجون الاحتلال بعد أكثر من عشرين عاماً من الاعتقال، أما الأهم فالبُعد الفكري للسنوار والذي تشكل بتجربته التنظيمية قبل الاعتقال وأثناءه، ودراسته للمجتمع الصهيوني بتفرعاته السياسية والاستخباراتية وحتى الاجتماعية، تمكن من ذلك عبر قراءته وترجمته للعديد من المؤلفات الإسرائيلية، وإتقانه التام للغة العبرية أثناء مكوثه في السجن، نسلط الضوء في هذا التقرير على كيفية فهم السنوار لكيان الاحتلال وانعكاسه على مساره السياسي والعسكري بعد خروجه من السجن إلى تدرجه بالحياة السياسية من عضو مكتب سياسي إلى رئيس وصولاً إلى قيادة الحركة.

 

من أزقة مخيم خانيونس إلى زنازين الاحتلال
نشأ يحيى السنوار في مخيم خانيونس للاجئين جنوب قطاع غزة، وبدأ نشاطه التنظيمي مع جماعة الإخوان المسلمين، وأثناء دراسته في الجامعة الإسلامية نشط بصفوف الكتلة الإسلامية الذراع الطلابي للإخوان آنذاك وترأس مجلس اتحاد الطلبة في الجامعة، مطلع الثمانينات كُلف بإدارة جهاز أمني شكله الشيخ أحمد ياسين، ونشط الجهاز بملاحقة عملاء الاحتلال وبؤر الإسقاط الأمني والأخلاقي في القطاع، واعتُقل إثر ذلك في سجون الاحتلال لعدة شهور.

وفي عام 1986 استأنف الجهاز الأمني عمله بقيادة السنوار وأطلق عليه اسم: منظمة الجهاد والدعوة "مجد"، تمكن يحيى السنوار أثناء قيادته للجهاز كشف شيفرات جهاز الشاباك الإسرائيلي وتواصله مع عملاءه، تبع ذلك اعتقال عدد من عملاء الشاباك والتحقيق معهم وقتلهم، إضافة لاندامج "مجد" مع الذراع العسكري لحركة حماس "المجاهدون الفلسطينيون" مع بدايات الانتفاضة الأولى، وعلى إثر ذلك اعتقل الاحتلال يحيى السنوار وحكم عليه بالسجن المؤبد 4 مرات.

 

دراسة كيان الاحتلال عن كثب
في السجون أتقن السنوار اللغة العبرية وعكف على قراءة كتب قادة الاحتلال وترجمتها ككتاب: الشاباك بين الأشلاء، لمؤلفه "كرمي غيلون" أحد قادة الجهاز، والذي تناول طبيعة عمل الشاباك ومهماته المختلفة بملاحقة المقاومين الفلسطينيين.

أما كتاب الأحزاب الإسرائيلية، فتمكن السنوار من ترجمته إلى العربية وهو في السجن، ويتحدث الكتاب عن الأحزاب السياسية لدى الاحتلال وطريقة إدارة كل منها للحكم، ونظرتها للشعب الفلسطيني وإدارة الصراع معه، ما جعل السنوار على فهم بهذه الأحزاب وسياسة حكمها عن صعودها لسدة الحكم في كيان الاحتلال.

إضافة لتأليفه كتاب المجد، الذي فسر به أساليب تحقيق الاحتلال في السجون وتطوراته، ودراسة شاملة لأجهزة استخبارات الاحتلال وآلية عمل كل منها، ثم خصص به أجزاء عن أساليب تحقيق جهاز الشاباك مع الأسرى الفلسطينيين، وتطورها على مدار عقودٍ من الزمن، ولعل أبرز ما تطرق له السنوار في هذا الكتاب هو أسلوب "العصافير" أو "غرف العار" التي تعتبر من أقوى وسائل الشاباك في التحقيق، وقد اعتمد السنوار في تأليف كتابه، على قراءته في كتاب القادم لقتلك الذي ألفه "يعقوب بيري" أحد قادة الشاباك.

أما رواية الشوك والقرنفل الذي كتبها في سجنه عام 2004، فقد استعرض بها  مساراً تاريخياً للقضية الفلسطينية منذ الستينيات حتى انتفاضة الأقصى عام 2000، ووضح بها أبرز تفاصيل الأحداث المفصلية التي عاشها الشعب الفلسطيني كالانتفاضة الأولى عام 1987، والحياة الاجتماعية والسياسية للفلسطينيين في ظل وجود الاحتلال.
تعكس هذه المؤلفات مدى تعمق يحيى السنوار بدراسة الاحتلال ومختلف منظوماته، ما مكنه من معرفة ماهية نظريات الاحتلال واستراتيجياته السياسية والعسكرية، ومعرفة نقاط القوة والضعف لديه، وهو ما أسقطه السنوار عملياً على سير المقاومة وفق نظرية حرب العصابات التي تقتضي بضرورة ضرب نقاط قوة المقاومة بنقاط ضعف العدو، لإحراز تقدم في في المعركة.

 

السنوار بعيون أعداءه
 في تصريح سابقة للقناة 12 العبقرية، قالت يتي بيري، رئيسة إدارة سجون الاحتلال سابقاً، إن يحيى السنوار قد تمكن من قراءة وترجمة كتب هامة عن جهاز الشاباك أثناء اعتقاله، وأضافت بيري إنه في إحدى عمليات التفتيش المفاجئة عثر على كتاب بحوزة السنوار، يعتقد أنه كُتب بخط يده، وتتراوح عدد صفحات الكتاب ما بين 500 إلى 600 صفحة، مؤكدة أنه كان يريد ترجمة الكتب الإسرائيلية للأسرى الفلسطينيين.

فيما وصفت شخصيته قائلةً: "كان من الواضح تماما أنه نوع من القادة الهادئين وذوي القوة الفصل"، وإنه "يقرأ إستراتيجية قادة الشاباك" ضمن قاعدة "اعرف عدوك".
وقال بيتون وكوبي، مسؤل الاستخبارات العسكرية في سجون الاحتلال وأحد المحققين الذين استجوبوا السنوار لأول مرة على مدى أكثر من 100 ساعة لصالح جهاز الشاباك، إنه خلال الأوقات التي لم يكن فيها زعيماً، كان للسنوار تأثير كبير على الأشخاص الذين كانوا قادة، ما يعكس طبيعة شخصيته القوية والمؤثرة.

 

خداع الاحتلال
ويمكن القول أن فهم السنوار لعقيدة جيش الاحتلال العسكرية، واستغلال بعض ثغراته، انعكس بشكل واضح على عملية طوفان الأقصى وعبور كتائب القسام وفصائل المقاومة إلى منطقة غلاف غزة وعمق فلسطين المحتلة، بعد خداعٍ إعلامي وتضليل مارسه على حكومة الاحتلال كما وصفه الإعلام العبري.

وفي الواقع ليست المرة الأولى الذي يمارس بها السنوار التضليل ضد الاحتلال، يصف أحد صحفيين الاحتلال ذلك، عند إجراءه مقابلة صحفية مع يحيى السنوار وهو في السجن أواخر انتفاضة الأقصى، قال فيها للصحفي إن حماس ستكون منفتحة على وقف طويل الأمد لإطلاق النار مع الاحتلال، والذي قال إنه يمكن أن يؤدي إلى استقرار المنطقة، لكنها لن تقبل الاحتلال كدولة أبدا وقال في ذلك الوقت إنه يفهم أن حماس لن تتمكن أبدا من هزيمة إسرائيل عسكريا، فيما نفذت الحركة بعد أيام عملية الوهم المتبدد التي اختطف فيها الجندي جلعاد شاليط وقُتل بها 6 جنود من جيش الاحتلال.

 

وقُبيل طوفان الأقصى كان الانطباع الدارج عن السنوار أنه لا يفضل تصعيداً عسكرياً مع الاحتلال، ويسعى لكسر الحصار عن قطاع غزة وتحقيق استقرار اقتصادي لقطاع غزة، مع حفاظه على خطابٍ تحشيدي للجماهير يُشعرهم بأن ثمة مواجهة قادمة، فجاءت عملية طوفان الأقصى كمفاجئة للعالم بأسره، ثم المفاجأة الثانية بتوليه رئاسة الحركة من داخل المعركة.

#قطاع غزة #حركة حماس #يحيى السنوار #طوفان الأقصى