خاص - قدس الإخبارية: منذ اندلاع معركة طوفان الأقصى في 7 تشرين أول/أكتوبر 2023، نفذ جيش الاحتلال عشرات عمليات الاغتيال في الضفة المحتلة، استهدفت عناصر المقاومة الفلسطينية، وتنوعت أساليب الاغتيال بين القصف الجوي بالمُسيرات، والتصفية المباشرة عبر الوحدات الخاصة في جيش الاحتلال.
وفي الحقيقة لم تنقطع عمليات الاغتيال عن ساحة الضفة المحتلة منذ نهاية انتفاضة الأقصى، في محاولات لاجتثاث أي عمل مقاوم، لكن الاغتيالات تضاعفت بشكلٍ كبير خلال العشر شهور الماضية من الطوفان، نعرض في هذا التقرير السياق التاريخي لعمليات الاغتيال في الضفة، وأثرها على الفعل المقاوم، وإمكانية استمراها بإشعال ساحة الضفة المحتلة ؟
نهاية انتفاضة الأقصى ومحاولات "جز الأعشاب"
كان للاغتيالات الإسرائيلية الدور البارز في إضعاف العمل الجماهيري والعسكري المقاوم بالضفة المحتلة، فخلال سنوات الانتفاضة سعى الاحتلال لتصفية قادة وعناصر المقاومة العسكرية من مختلف الفصائل الفلسطينية، عبر عمليات اغتيال مركزة، إضافة لاغتيال بعض القيادات السياسية والجماهيرية للانتفاضة.
ومنذ انتهاء الانتفاضة زاد حرصت الأجهزة الاستخباراتية للاحتلال على إفشال أي محاولات لانعاش المقاومة في الضفة، غير أن على امتداد عقدٍ من الزمن نجحت المقاومة بتشكيل خلايا عسكرية بمختلف المحافظات، وتنفيذ عمليات قاتلة ضد الاحتلال، فيما كان نصيب منفذين العمليات الاغتيال، ولعل أبرز تلك الأسماء الشهيدين نشأت الكرمي ومأمون النتشة اللذان نجحا بتنفيذ عمليات إطلاق نار أدت لمقتل 4 مستوطنين صيف عام 2010، ثم تمكن جيش الاحتلال باغتيالهم بعد محاصرتهم في منزل بمدينة الخليل.
إضافة للشهيد محمد عاصي المتهم بتفجير حافلة إسرائيلية في تل أبيب خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في تشرين ثاني 2012، حيث اعتقل جيش الاحتلال أعضاء الخلية، وتمت مطاردة عاصي لمدة عام حتى اغتياله من قبل جيش الاحتلال في جبال قرية بلعين عام 2013، وقد أطلقت مخابرات الاحتلال على عمليات الاغتيال تلك اسم "جز الأعشاب" كنايةً عن إفشال خلايا المقاومة ومنعها من تنفيذ عمليات أخرى بالضفة المحتلة.
تصاعد المقاومة وتصاعد الاغتيالات
خلال معركة سيف القدس منتصف عام 2021، نشطت بعض المجموعات المقاومة في مدينتي جنين ونابلس، واتُهمت تلك المجموعات بتنفيذ عمليات إطلاق نار على حواجز الاحتلال والتصدي لاقتحامات تلك المدن، على إثر ذلك نفذ جيش الاحتلال اغتيالات مباشرة ضد هؤلاء المقاومين، من خلال وحدات "المستعربين" كالشهيد جميل العموري مؤسس كتيبة جنين عام 2021، والشهداء: أدهم مبروكة ومحمد الدخيل وأشرف المبسلط في مدينة نابلس عام 2022، والشهيد سيف أبو لبدة من مخيم نور شمس.
كان هدف الاحتلال من هذه الاغتيالات إنهاء ظاهرة المقاومة العسكرية في شمال الضفة المحتلة، غير أن باتت هذه الاغتيالات حافزاً لالتحاق المزيد من الشباب بالمقاومة وتشكيل مجموعات جديدة، كمجموعة عرين الأسود في مدينة نابلس وكتيبة طولكرم.
الاغتيالات وأثرها.. هل تشعل المواجهة بالضفة ؟
في حديث خاص لشبكة قدس مع أحد الشبان من جنين، وصف لنا عمليات الاغتيال الإسرائيلية بأنها ذات تأثير نفسي على الجيل الشاب والفتية، بحكم علاقات الصداقة والقرابة العائلية والاجتماعية بينهم وبين الشهداء الذين تم اغتيالهم، ما يخلق شعوراً لدى هؤلاء الشباب بضرورة استكمال درب رفاقهم الشهداء والسير على نهجهم والثأر لهم، ظهر ذلك جلياً بعد اغتيال الشهيد جميل العموري والتفاف العديد من شباب المخيم حول قرار استكمال ما بدأ به العموري في تأسيس كتيبة جنين، وهذا ما ينعكس الآن برغبة الشبان ونجاحهم في خلق ديمومة قتالية ضد الاحتلال في الضفة المحتلة.
وعلى صعيدٍ ميداني، وصف الشاب أن الاغتيالات الإسرائيلية خلقت بعض الفجوات بالعمل المقاوم وضعف نسبي يتم تجاوزه في بعض الأحيان، غير أن بعض الاغتيالات لشخصيات مقاومة ذات خبرة ميدانية كبيرة كالشهيد داود زبيدي والشهيد فاروق سلامة، قد أثر بشكلٍ ملحوظ على مجموعات المقاومة في جنين، ولكن سرعان ما تم تجاوز هذا الغياب والانطلاق بقوة من جديد.
وعلى الرغم من إلحاق ضرر كبير ببعض المجموعات المقاوِمة في الضفة باغتيال عناصرها وقادتها، غير أن جيش الاحتلال لم يستطيع حسم المعركة في تلك المدن، كمدينة نابلس وتجربة عرين الأسود، الذي تم اغتيال غالبية قادتها وعناصرها ما أدى لاستنزافها كلياً وغيابها عن الساحة، ورغم ذلك لم يستطيع الاحتلال انهاء ظاهرة المقاومة في مدينة نابلس ومخيماتها، ظهر ذلك بقوة في الاقتحام الأخير لقبر يوسف، والاشتباكات العنيفة التي دارت في المنطقة الشرقية من المدينة، وإطلاق النار الذي يستهدف قوات الاحتلال عند اقتحامها للمدينة.
ورغم نجاح جيش الاحتلال بتنفيذ عمليات اغتيالٍ طالت عشرات المقاومين في الضفة المحتلة، إلى أنه فشل في حسم الجولة بها منذ عام 2021 حتى الآن، بل تستمر المجموعات المقاومة في التمدد بشكلٍ أٌفقي بالضفة، ونجاح العديد من الخلايا العسكرية بتنفيذ عمليات مباغتة للاحتلال خلال السنوات الأخيرة، كل ذلك يؤكد أن الاغتيالات التي هدف الاحتلال منها إنهاء المقاومة، جرى عكسياً بانتشارها واستمرارها.