ذكرت مجلة "الفورين بوليسي" الأمريكية في عددها الصادر يوم الاثنين الماضي أن الأرجنتين باعت لـ"إسرائيل" في سنوات الستينات أكثر من 80 طن من اليورانيوم المخصب الذي يستخدم في صناعة الأسلحة النووية. واعتمدت المجلة في تقريرها على 42 وثيقة صنفت سابقاً على أنها سرية نشرها لأول مرة مشروع "أرشيف الأمن القومي وتاريخ انتشار الأسلحة النووية" في جامعة واشنطن.
وتشير هذه الوقائق إلى سعي "إسرائيل" الحثيث للحصول على المواد الخام لبرنامجها النووي، وكيف أنها حاولت بإصرار خلق علاقات مع الموردين لهذه المواد. كما تعكس هذه الوثائق ردّة فعل أمريكا وكندا وبريطانيا تجاه هذه التحركات الإسرائيلية.
وبحسب المجلة فإن جهات في وزارة الخارجية الأمريكية ووكالة الاستخبارات الأمريكية توجهت في ستينات القرن الماضي إلى سفير أمريكا في الأرجنتين وفي "إسرائيل" في ذلك الحين للتأكد من معلومات استخبارتيه وصلتهم حول هذه الصفقة. تبين فيما بعد أن الأمريكيين حصلوا على هذه المعلومات من الحكومة البريطانية التي بدورها حصلت عليها من كندا. وتذكر المجلة أن الدول الثلاثة قد أبدت في حينه قلقها من الطموح الإسرائيلية للحصول على سلاح نووي.
وتذكر المجلة أن الدبلوماسيين الأمريكيين في الأرجنتين أكدوا وقوع الصفقة، مما وضع الأمريكيين في موقف حرج أمام "إسرائيل"، إذ كان عليهم ، بحسب المجلة، التأكد أن هذه الصفقات تندرج تحت الزعم الإسرائيلي أنها لأغراض سلمية فحسب.
وتضيف المجلة إن البرنامج النووي الإسرائيلي كان إحدى التحديات الحقيقية والصعبة التي تواجه المخابرات الأمريكية، والتي لم تكن متأكدة من الغرض الحقيقي وراء هذا البرنامج ومن تعهد "إسرائيل" باستخدامه للأغراض السلمية. ويبقى هذا التحدي قائماً إلى يومنا هذا، تقول المجلة، خاصة إن "إسرائيل" لا تعترف بوجود سلاح نووي لديها، فيما وصفته أنه "أسوأ سرّ محفوظ في العالم، وأكثر البرامج النووية غموضاً".
وتشير المجلة إلى تناقض الموقف الأمريكي من النشاط الإسرائيلي في الحصول على اليورانيوم آنذاك، ففي الوقت الذي كانت لديها شكوك شبه أكيدة حول هذا النشاط، إلا أنها فضلت السكوت عليه خاصة أنه كان سيسبب لها مشاكل دبلوماسية مع الدول العربية وربما مع الاتحاد السوفيتي. لذلك، بحسب المجلة، لم تستطع أمريكا تطويق هذا النشاط النووي الإسرائيلي.
وتذكر الوثائق المنشورة أن فرنسا كانت أول من ساعد "إسرائيل" منذ عام 1958 على بناء مفاعل نووي في ديمونا في صحراء النقب، وأنها وافقت ضمن شروط فضفاضة على تزويد "إسرائيل"بالوقود النووي دعماً لرغبتها في بناء برنامج نووي عسكري. إلا أن سياسة شارل ديغول عام 1963 كانت بعكس ذلك، فتوقفت فرنسا عن مثل هذا الدعم وفرضت شروطاً مقيدة على تزويد "إسرائيل" باليورانيوم، بينما كان بناء المفاعل على وشك الانتهاء.
هذا التحول في السياسة الفرنسية، أجبر "إسرائيل" على البحث عن مصادر أخرى لليورانيوم، فحاولت انتاجه من الفوسفات، إلا أنه كان مكلفاً للغاية، مما اضطرها للبحث عن موردين آخرين مثل بلجيكا، وجنوب افريقيا والأرجنتين، وكانت في نهاية الأمر هذه الصفقة مع الأرجنتين التي تم بموجبها شراء 80 طناً من اليورانيوم المخصب.