شبكة قدس الإخبارية

في خضم الإبادة: لماذا لم يكن اغتيال هنية مفاجأة؟ ولماذا طهران؟

في خضم الإبادة: لماذا لم يكن اغتيال هنية مفاجأة؟ ولماذا طهران؟
ياسر مناع

في ظل النزاعات والحروب، تتسم الاستراتيجيات العسكرية بالقدرة على التكيف مع المتغيرات والتطورات المستمرة، ويُعد الاغتيال أحد الأساليب المفضلة لتحقيق أهداف استراتيجية محددة. وفي هذا السياق، لم تكن عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، مفاجئة أو مستبعدة، خاصة في ظل الصراع الحالي الذي يتسم بطابع الحرب الشاملة والإبادة.

تتسارع وتيرة الحرب في غزة، مما يجعل من الاغتيالات أداة حيوية تُستخدم لتقويض قوة الأطراف المتحاربة وتعزيز التفوق الاستراتيجي. في سياق الحروب التي تُصنف ضمن نطاق الإبادة، حيث يتم استهداف البنية التحتية، المؤسسات، والأفراد بشكل واسع، تصبح عمليات الاغتيال خطوة متوقعة في محاولة لتحصيل مكاسب سياسية وعسكرية.

الاغتيال، في هذه الحالة، يتجاوز كونه مجرد عمل انتقامي أو عملياتي، ليصبح جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى تحقيق الهيمنة وتغيير مجريات الصراع. إن استهداف شخصية بارزة مثل إسماعيل هنية يُعتبر محاولة لتركيع حركة حماس وزعزعة استقرارها، وهو ما يتماشى مع منطق الحروب التي لا تميز بين الأهداف العسكري والسياسي. في ضوء ذلك يمكن تقسيم هذه العمليات إلى نوعين رئيسيين:

اغتيالات بداية الحرب، تهدف هذه الاغتيالات إلى التأثير المبكر على مجريات الصراع منذ بدايته. يتم تنفيذها عادة ضد قادة أو شخصيات رئيسية لتقويض الجبهة المعادية وتحقيق مكاسب استراتيجية مبكرة. تُستخدم هذه العمليات لتقليل القدرة العسكرية أو السياسية للعدو قبل أن يتمكن من تعزيز مواقعه. كاغتيال صالح العاروري مطلع العام الجاري في بيروت.

اغتيالات نهاية الحرب، تُستخدم هذه الاغتيالات كنقاط تفوق استراتيجية تُنفذ غالبًا ضد قادة ذوي تأثير معنوي وسياسي في مراحل متقدمة من النزاع. تُعتبر هذه العمليات جزءًا من استراتيجية شاملة تهدف إلى إنهاء الحرب بطرق تعزز الموقف التفاوضي للطرف المنفذ وتزيد من ضغطه على الطرف الآخر لتحقيق تسوية نهائية.

في الوقت الآني، يُعتقد أن عملية اغتيال الدكتور إسماعيل هنية تندرج تحت النوع الثاني من الاغتيالات. يُنظر إلى هذه العملية على أنها محاولة لتحقيق تفوق استراتيجي في المرحلة الأخيرة من الحرب. إذ يتم استهداف شخصية ذات تأثير كبير لتقويض الروح المعنوية للطرف الآخر ولزيادة الضغط على القيادة السياسية الفلسطينية.

اختيار الموقع: لماذا طهران وليس إسطنبول أو الدوحة؟

تُظهر عمليات الاغتيال في سياق الحروب تعقيدًا كبيرًا في اختيار المواقع المناسبة لتنفيذها. مع التقدم التكنولوجي، أصبحت أي بقعة في العالم تقريبًا ساحة محتملة للعمليات الاستخباراتية. لكن، تختلف الأماكن وفقًا للاعتبارات السياسية والأمنية والقانونية الخاصة بكل موقع. في حالة اختيار طهران كهدف، بدلاً من تركيا أو الدوحة، يمكن تحديد عدة اعتبارات أساسية وراء هذا القرار:

الاعتبارات السياسية

تركيا، كعضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وكونها دولة ذات علاقات اقتصادية وسياسية معقدة مع إسرائيل، فإن تنفيذ عملية اغتيال على الأراضي التركية قد يؤدي إلى توتر العلاقات مع الناتو ويؤثر سلبًا على المصالح المشتركة بين البلدين.

قطر، تلعب دورًا مهمًا كوسيط في النزاعات الإقليمية ولها علاقات دبلوماسية واقتصادية مع إسرائيل. عملية اغتيال في الدوحة قد تضر بالعلاقات الدبلوماسية وتؤدي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي، مما يؤثر على مستقبل التطبيع مع دول الخليج.

الاعتبارات الأمنية

إيران، تُعتبر خصمًا إقليميًا رئيسيًا لإسرائيل وداعمًا رئيسيًا لحزب الله. تنفيذ عملية في طهران يرسل رسالة قوية بأن إيران ليست محصنة ضد العمليات الإسرائيلية، ويعزز الردع الإسرائيلي ضد الأنشطة الإيرانية في المنطقة.

الرمزية والاستراتيجية

تنفيذ عملية اغتيال في العاصمة الإيرانية طهران يحمل دلالات رمزية قوية. يعكس قدرة إسرائيل على الوصول إلى قلب الأراضي الإيرانية وتنفيذ عمليات معقدة في أكثر المواقع حساسية. كما يُظهر التزام الاستخبارات الإسرائيلية بملاحقة أعدائها ويعزز سمعتها كقوة مؤثرة في المنطقة.

الختام

تُظهر عمليات الاغتيال في سياق الحروب التعقيدات والتوازنات الدقيقة التي يتعين على الأطراف المختلفة التعامل معها. من خلال تحليل أهداف هذه العمليات والمواقع المختارة لتنفيذها، يمكن فهم الاستراتيجيات الكبرى التي تحكمها. في حالة الصراع على غزة، تبرز الاغتيالات كأداة قوية في الصراع السياسي والعسكري، مع دور كبير في تشكيل مجريات الأحداث النهائية.

الأحداث التي تحدث في طهران، إسطنبول، أو الدوحة، تؤكد على أهمية الاعتبارات السياسية والأمنية عند اختيار المواقع لتنفيذ العمليات الاستخباراتية. في النهاية، تُظهر هذه الديناميات كيف يمكن للقرارات الاستراتيجية أن تؤثر بشكل كبير على نتائج النزاعات الكبرى.