غزة – خاص قُدس الإخبارية: يواجه المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة حرب إبادة جماعية متعددة الأبعاد، لا تتوقف فقط على الهجوم العسكري – العدواني الذي يشنه جيش الاحتلال على حياة السكان وممتلكاتهم ووجودهم المادي ومستقبلهم، بل يحمل حزمة من الهجمات النفسية والاجتماعية والصحية وغيرها.
منذ أول صاروخ أطلق في العدوان على القطاع؛ حرص جيش الاحتلال على ترك دمار هائل، يطال المنازل والمؤسسات التعليمية والمساجد والمنشآت المدنية بمختلف أشكالها، وحاولت بلديات القطاع بالإضافة لمبادرات مجتمعية فتح الطرقات وإزالة الركام الذي خلفته عمليات القصف، بما توفر لديها من إمكانيات متواضعة، بعد أن قصف الاحتلال آلياتها ومواردها.
في منتصف شهر تموز/ يوليو الحالي، نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريراً ادعت فيه أن تخليص قطاع غزة من الركام يحتاج سنوات طويلة، وقالت إن "أسطولاً مكونا من أكثر من 100 شاحنة سيحتاج أكثر من 15 عامًا لإزالة الركام".
ونشرت الأمم المتحدة تقريراً قالت فيه إن قطاع غزة "مغطى بأكثر من 40 مليون طن من الركام"، وإن "أعمال إزالتها تحتاج نحو 600 مليون دولار"، حسب وصفها، وقدرت أن "55% من المباني تضررت في الحرب ومعظمها سكنية".
وفي مايو، قدرت الأمم المتحدة أن إعادة بناء جميع المنازل التي دمرت في قطاع غزة ستستغرق حتى عام 2024 وستتكلف حوالي 40 مليار دولار.
يرى باحثون ومختصون أن هذه الأرقام والحديث عن سنوات لإعادة إعمار غزة، تندرج في سياق "الحرب النفسية"، حسب تعبيرهم، وأشاروا إلى تجربة عدوان 2014 حين دمر جيش الاحتلال مربعات سكنية كاملة، وأعاد الأهالي إعمارها قبل حصولهم على التعويضات.
مهندس يجيب: ماذا تحتاج عمليات إزالة الركام؟
وحول قضية إزالة الركام، يقول المهندس سعد عاشور رئيس لجنة الطوارئ في بلدية خان يونس، إن "هناك الحلول الهندسية الممكنة للتعامل مع الركام".
وذكر سعد لـ "شبكة القدس" أن التحدي الأساسي أمام تنفيذ هذه الحلول هو "توفر الآليات الثقيلة والمعدات الهندسية اللازمة"، مشيرا إلى أنه "في حال توفرت الاحتياجات تصبح العملية إلى حد ما إجرائية".
وعن تحديد المدة الزمنية لإزالة الركام، ذكر أنه "لا يمكن تحديدها بشكل دقيق" كون الأمر يحتاج إلى "دراسات متعلقة بطبيعة الحلول التي سيتم اعتمادها"، وأوضح: في حال كان الحل الذي تم اعتماده هو دفن جزء من شاطئ البحر لتوسيع رقعة اليابسة على حساب شاطئ البحر فإن الأمر يتطلب تخطيط عملية الدفن، وتوفر شركات المقاولات القادرة على التنفيذ، وبدء عملية النقل".
وعن التقارير الدولية التي تتحدث عن سنوات طويلة قد تصل لأربعين عاما من أجل بناء وإعمار قطاع غزة، يرد سعد: لدينا عقول هندسية مبدعة قادرة على التعامل مع الركام خلال مدة لا تزيد عن 3 سنوات إذا توفرت المتطلبات الفنية والتي أبرزها الآليات الثقيلة والمعدات الهندسية.
أما عن تنظيف الأهالي للبيوت المقصوفة ومحاولة ترميمها لسكنها من جديد، يقول: "هذا لا يعتبر إزالة ركام، بل عملية تنظيف فقط بأدوات بسيطة وفيها مخاطرة كبيرة".
التقارير الأجنبية بشأن إعمار غزة "ليست بريئة"
تغطي مواقع الأنقاض الضخمة ما يصل إلى خمسة كيلومترات مربعة من القطاع، وبحسب التقديرات، لن يكون من الممكن إعادة تدوير معظم الآثار، ومن أجل إعادة تأهيل القطاع سيتعين التخلص منها.
ووصفت الأمم المتحدة هذا بأنه "تقدير متفائل، وذكرت أن جودة خدمات الرعاية الصحية والتعليم والرعاية الاجتماعية في قطاع غزة عادت إلى مستواها الذي كانت عليه في عام 1980، وبحسب تقريرها أيضا تم محو 44 عامًا من التنمية في قطاع غزة".
يقول علي أبو رزق وهو كاتب وحاصل على دكتوراه في العلاقات الدولية إن التقارير حول إعمار غزة في وسائل الإعلام الغربية كثرت مؤخراً وأشار إلى تقرير صحيفة "الغارديان"، ووصف الرقم الذي نشرته بأنه "مهول جدا" واعتبر أن إزالة الركام ستتم "خلال فترة زمنية قصيرة"، وفق مهندسين مختصين.
واستذكر ما جرى في تركيا وقت الزلزال الذي وقع قبل سنوات قليلة وضرب 10 مدن تركية، حيث أزالت الطواقم المتخصصة الركام خلال عام ونصف بواقع 75% أي 150 مليون طن.
ويرى في لقاء مع "شبكة القدس" أن المهم في إزالة الركام وإعمار غزة، هو "فتح المعابر، وإنهاء الحصار وإدخال شركات عربية للمساهمة في الإعمار كما فعلت شركات مصرية بعد عدوان 2021".
ويصف أبو رزق التقارير التي تبثها مواقع أجنبية حول فترة إعمار غزة، على أنها "ليست بريئة"، مستذكرا التقارير المماثلة التي صدرت بعد حرب 2014 وجاء فيها "إزالة الركام في غزة تحتاج ما بين 7 لـ 10 سنوات ".
واعتبر أن التقارير التي تنشر في الوقت الحالي، هي محاولة "لزرع الهزيمة النفسية بين الفلسطينيين وصولا لحالة اليأس المطلق الموجودة عند كثير من شباب غزة بعد حالة الخذلان التي تعرضوا لها فترة الحرب".
ويرى أن هذا اليأس الشديد قد يقود الشباب إلى "الهجرة الطوعية بعد فشل مخطط التهجير القسري"، لافتا إلى أن غزة بها آلاف المهندسين والعقول المتخصصة، ومئات الآلاف من العمال الذين ينتظرون انتهاء الحرب لإصلاح ما يمكن إصلاحه، ومن ينتظرون العودة لبيوتهم وفتح المعابر وإنهاء الحصار لإعادة الإعمار.
ويؤكد أبو رزق أن إنهاء الحصار سيساهم في تشغيل آلاف الشباب وزيادة معدل النمو، أما إذا انتهت الحرب وأطبق الحصار "سنكون أمام كارثة لا يمكن وصفها ولا تتبع مآلاتها ولا عواقبها"، كما يقول.