خاص - شبكة قدس الإخبارية: منذ الأيام الأولى لمعركة طوفان الأقصى في تشرين أول/أكتوبر 2023، أعلنت كتائب القسام – لبنان عن دخولها المعركة، عبر تنفيذها عمليات قصفٍ صاروخي على شمال فلسطين المحتلة، وخلال الأيام الأولى نعت الكتائب ثلة من مقاتليها في لبنان أثناء مهامٍ عسكرية.
حمل هذا الإعلان مفاجأة جديدة للمحيط العالمي الذي لم يستيقظ من صدمة الطوفان بعد، غير أن الجذور التاريخية التي تفرع منها هذا الإعلان قد ضربت طريقها عميقاً منذ سنوات طويلة، دار بها الإعداد بصمت لتشكيل ذراعٍ عسكري للحركة في لبنان، نتتبع في هذا المادة رحلة تلك الجذورثم النمو إلى العلن.
مرج الزهور.. تحول المحنة إلى منحة
في كانون أول/ديسمبر 1992 أبعدت حكومة الاحتلال 415 فلسطينياً من كوادر وقادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى مرج الزهور في جنوب لبنان ضمن إطار عقابٍ رداً على قيام كتائب القسام بخطف ضابطٍ في جيش الاحتلال وقتله.
جاء القرار كضربةٍ للحركتين بإبعاد القادة والعناصر إلى خارج ساحة المواجهة في فلسطين المحتلة، غير أن في الحقيقة شق هذا الإبعاد بداية الجذور لساحة مواجهةٍ جديدة ستشكلها حركة حماس في إطار قتالها ضد الاحتلال، فاختارت الحركة في حينها بقاء مجموعة من كوادرها في لبنان ثم التنقل إلى سوريا للاستفادة العسكرية أولاً وفتح خطوطٍ تنظيمة ثانياً، كان منهم الشهيدين عز الدين الشيخ خليل الذي ارتقى عام 2004 وعزام الأقرع الذي ارتقى في معركة طوفان الأقصى برفقة الشيخ صالح العاروري.
تكللت هذه الجهود بنشر فكر الحركة وإرساء جذورها في المخيمات الفلسطينية المتواجدة في لبنان، وبداية مرحلة إعداد جماهيري وعقائدي للشباب والفتية هناك.
خلال أعوام 2008 – 2009 بدأت بعض التصريحات الإسرائيلية تُدلي بتوقعاتٍ عن استفادة حركة حماس من علاقتها بحزب الله وإنشاء جناح عسكريٍ لها في لبنان، غير أن انعدام وجود أدلة واضحة تثبت ذلك، تلاشت هذه التوقعات في سيل الأحداث المتتابعة آنذاك.
صالح العاروري وجهود توحيد الساحات
في عام 2010 أفرج الاحتلال عن الشيخ صالح العاروري شريطة إبعاده إلى الأردن ثم سوريا، وعلى الفور بدأ العاروري في جولاتٍ لا تنتهي في لبنان وسوريا وعدة من دول الجوار، وكان من الواضح مدى ارتباط العاروري بلبنان لعدة عوامل منها عمق التواجد الفلسطيني بها، وموقعها الاستراتيجي كأهم الجبهات المحيطة في فلسطين، وأخيراً قوة العلاقة مع حزب الله هناك، القوة الأبرز هناك.
خلال عامي 2014-2015 وبعد انتهاء معركة العصف المأكول في غزة، عاد الحديث عن وجود قوة عسكرية لكتائب القسام في لبنان للانتشار عبر الإعلام العبري استناداً على توقعات الاحتلال بحاجة المقاومة لإنشاء قوة لها خارج قطاع غزة كقوة إسناد، وفي كانون أول/ديسمبر 2016 ظهر عدد من عناصر القسام مُسلحين بالبنادق في مهرجان ذكرى إنطلاقة حماس بمخيم عين الحلوة جنوب صيدا، كان هذا الظهور الأول لعناصر كتائب القسام في لبنان.
وجاء الظهور الأبرز في صيف عام 2020 عند زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية للمخيمات الفلسطينية في لبنان وسط حضورٍ مكثف لمسلحين من كتائب القسام أثناء الاستقبال، حمل هذا الظهور "مدولاتٍ خطيرة" كما أطلقت عليها وسائل إعلام عبرية وأخرى عربية حينها.
سيف القدس وبداية الطلع
خلال أيام القتال في معركة سيف القدس أثناء شهر مايو/أيار 2021 تعرضت المستوطنات الشمالية لقصفٍ صاروخيٍ مصدره جنوب لبنان، دون إعلانٍ رسمي وواضح من الجهة التي نفذت القصف، فيما لم يتبنى حزب الله ذلك القصف.
ما إن وضعت المعركة أوزارها، حتى تصدر موضوع القوة العسكرية لحماس في لبنان الإعلام العبري بقوة، مُحملين مسؤولية القصف الصاروخي أثناء المعركة لكتائب القسام، فيما اكتفت الحركة بالتزام الصمت دون أي تصريحٍ حول ذلك، وبعد ذلك بشهور قليلة وتحديداً في كانون ثاني/ديسمبر 2021 انفجر أحد المخازن في مخيم عين الحلوة وارتقى على إثر الانفجار الشهيد الفلسطيني حمزة شاهين.
على الفور تسابقت بعض وسائل الإعلام العربية مع العبرية على الترويج بأن الانفجار وقع بمخزن عسكري لحركة حماس، مع اتهام الحركة باستخدام المخيمات الفلسطينية كغطاءٍ للقيام بإنشاء قوة عسكرية، فيما اقتضبت الحركة تصريحها بنفي ذلك.
ومنذ ذلك الانفجار لم يتوانى إعلام الاحتلال بنشر تخوفاته بين الفينة والأخرى من وجود قوة ضاربة لحماس في لبنان، زاد حجم الادعاء بعد رشقة صاروخية من جنوب لبنان استهدفت "كريات شمونة" في نيسان/إبريل 2023 عقب اعتداء شرطة الاحتلال على المصلين في المسجد الأقصى المبارك خلال شهر رمضان المبارك.
لم تُعلن حماس مسؤوليتها عن القصف، غير أنه بات من الواضح ضمنياً أن الحركة نفذت رداً على الاعتداء وأوفت بوعدها من لبنان وليس من قطاع غزة كما كان متوقعاً، وبات يقيناً لدى الاحتلال وجود قوة عسكرية صاروخية لحماس في لبنان.
طوفان الأقصى والانخراط المباشر
منذ اليوم الأول لمعركة طوفان الأقصى أعلن حزب الله والفصائل المقاومة في لبنان (كتائب القسام، سرايا القدس، قوات الفجر) دخولهم المعركة إلى جانب المقاومة في قطاع غزة، ومنذ الأيام الأولى تبنت كتائب القسام رشقات صاروخية نفذتها ضد المستوطنات الشمالية ومواقع جيش الاحتلال على الحدود مع فلسطين المحتلة.
أعلنت كتائب القسام – لبنان عن نفسها رسمياً وهي في دائرة نيران المعركة، فيما نعت 3 من مقاوميها بعد أسبوعٍ من بداية المعركة، وقالت كتائب القسام في بيان لها أن شهدائها ارتقوا جنوب لبنان أثناء تنفيذ إحدى العمليات العسكرية على الحدود.
خلال شهور المعركة تبنت الكتائب عمليات قصفٍ صاروخي على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، من هذه العلميات إطلاق رشقتين صاروخيتين قوامهما 40 صاروخاً استهدفت معسكرات الاحتلال رداً على اغتيال العاروري، إضافة لقصف الجليل الغربي برشقة تتكون من 30 صاروخاً، إضافةً لقصف مدينة نهاريا ومستوطنة شلومي شمال فلسطين المحتلة بعشرات الصواريخ، ووصل مدى قصف كتائب القسام عمقاً متقدماً شمال فلسطين المحتلة.
فيما نعت عدداً من قادتها الشهداء وشيعتهم بمراسم عسكرية في مخيمات لبنان مسقط رؤسهم، أبرز هؤلاء الشهداء: القائد خليل الخراز من مخيم الرشيدية والذي ارتقى في جراء قصف صهيوني، والشهداء محمد عزام من مخيم المية ومية وغيرهم.
كان لارتقاء الشيخ صالح العاروري ورفاقه الشهداء العامل الأكبر لكشف الستار عن رحلة تأسيس كتائب القسام في لبنان والجهود المُضنية التي رافقت تلك الرحلة، فيما تستمر كتائب القسام بطريقها المقاوم بعد 10 شهورٍ على معركة طوفان الأقصى، من هؤلاء الشهداء الذين ارتقوا برفقة العاروري عزام الأقرع أحد مؤسسين الكتائب بالضفة الغربية، ومحمود شاهين ومحمد بشاشة وأحمد حمود ومحمد الريس.
تتبنى الكتائب عمليتها وتوثق بعضها عبر كاميرا الإعلام العسكري الخاص بها ومن هذه العمليات قصف مقر قيادة اللواء الشرقي لجيش الاحتلال في معسكر "غيبور" على الحدود اللبنانية – الفلسطينية، وآخر هذه العمليات المُعلنة قصف قيادة اللواء "300 – شوميرا" مساء اليوم السبت.