خاص - شبكة قدس الإخبارية: لم تكن معركة طوفان الأقصى سوى فصلاً من الصراع بين حركة حماس وبنيامين نتنياهو أخذ "شكلاً شخصياً" في إطار الصراع الأكبر مع كيان الاحتلال الإسرائيلي.
بعد الهجوم الكاسح الذي شنته كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس مع باقي فصائل المقاومة على مستوطنات غلاف غزة، رفع نتنياهو شعار "تدمير حماس" وأخذ يحمله في كل موقع أو خطاب وكأنها "مهمة شخصية".
نتنياهو الذي تربى من والده المؤرخ الصهيوني على كره العرب والفلسطينيين والمضي في مشروع منع قيام دولة فلسطينية وإبقاء الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، يرفع شعار "تدمير حماس" وهو يريد تحطيم أي مشروع مقاومة يقف في وجه الاحتلال.
وفي الحقيقة يشن نتنياهو حرب إبادة ضد كل ما هو فلسطيني في قطاع غزة وحتى في الضفة الغربية، غير أن خطابه السياسي على صعيدٍ محلي وعالمي يتطرق بشكلٍ مباشر للقضاء على حركة حماس وضرورة استمرار الحرب لتفكيكها وتدمير قوتها، فيما يُطلق على الحركة تُهم الإخلال باستقرار المنطقة، فهل يعتبر نتنياهو حماس خصمه الأكبر؟
تُجيب هذه المادة على ذلك السؤال، فيما تعرض تاريخ الصراع بين حركة حماس ونتنياهو منذ بداية مسيرته السياسية.
الحكومة الأولى وتحدي العمل الاستشهادي
تزامن نجاح نتنياهو في انتخابات عام 1996 وتوليه منصب رئيس وزراء الاحتلال، مع سلسلة من العمليات الاستشهادية التي نفذتها كتائب القسام داخل الأراضي المحتلة 48 قبل صعود نتنياهو على سدة الحكم بشهور قليلة، فيما تعهد الأخير بإنهاء ظاهرة العمليات الاستشهادية الفلسطينية وإعادة الأمان للمستوطنين داخل فلسطين المحتلة.
وما إن مرت شهور قليلة على تولي نتنياهو منصبه لأول مرة، حتى دوى انفجار في مقهى "أبرورو" بتل أبيب وقُتل بالعملية 3 مستوطنات وأصيب العشرات بعد زراعة إحدى المجموعات العسكرية التابعة لحماس عبوة ناسفة في المقهى، كان هذا التحدي الأول التي حملته الحركة لنتنياهو، وقد فند دعايته بفرض الأمان في الداخل المحتل.
أما التحدي الأكبر فقد نجحت كتائب القسام بفرضه في قلب مدينة القدس المحتلة، عبر إرسالها 5 من استشهاديها في سلسلة من العمليات الاستشهداية التي استهدفت سوق "محانيه يهودا" وشارع "بن يهودا" خلال شهرين تموز وأيلول عام 1997 وقد أودت العمليات بحياة 27 مستوطناً وإصابة المئات.
بعد سلسلة العمليات بأيام قليلة حاول نتنياهو توجيه ضربةٍ لحماس باغتيال رئيس مكتبها السياسي في الخارج خالد مشعل، وقد أشرف على تجهيز فريق مختص من جهاز "الموساد" لتنفيذ الاغتيال في العاصمة الأردنية عمان، وفشل عناصر الموساد بالمهمة ووقع اثنين منهم بقبضة الحكومة الأردنية عقب تصدي الحارس الشخصي لمشعل لهم، فوجد نتنياهو نفسه في موقفٍ حرج مع الحكومة الأردنية وتهديدٍ مباشر لانهيار اتفاقية السلام مع الأردن.
كانت مطالب الملك حسين إحضار المضاد الحيوي الخاص بالسم الذي أصيب به مشعل جراء محاولة الاغتيال، والإفراج عن زعيم حركة حماس الشيخ أحمد ياسين بعد قضاءه 8 سنوات في سجون الاحتلال، مقابل الإفراج عن عنصرين الموساد وقد تم ذلك، وأُطلق سراح الشيخ ياسين.
مجموعة الإخفاقات الأمنية التي وقع بها نتنياهو أمام عمليات حماس أحد أسباب سقوطه في انتخابات رئاسة الوزراء أمام منافسه "أيهود باراك" عام 1999.
ابتعد بعدها عن الحياة السياسية حتى تولي آرائيل شارون رئاسة الحكومة، وعمل نتنياهو بوزارة المالية ووزارة الخاجية ثم تولى زعامة حزب الليكود بعد مرض شارون.
إلى الحكم من جديد وعقباتٍ جديدة
تسلم نتنياهو مجدداً منصب رئاسة الوزراء بعد فوزه في الانتخابات عام 2009 وعلى الفور وجد نفسه أمام مشاكل عالقة تبرز فيها حركة حماس، كقضية الجندي الأسير لدى المقاومة جلعاد شاليط، وتنامي قدرات الحركة العسكرية في قطاع غزة.
رضخ نتنياهو أخيراً لمطالب حماس عام 2011 ونفذ صفقة تبادل أُفرج بموجبها عن أكثر من 1000 أسير فلسطيني كان الاحتلال يفرض الإفراج عنهم.
بعد مضي عام واحد على صفقة التبادل حاول نتنياهو توجيه ضربة قاسمة لحماس باغتيال نائب قائد أركان المقاومة أحمد الجعبري بعد قصف سيارته في مدينة غزة، رداً على ذلك نجحت الحركة لأول مرة بتاريخها بقصف عمق الأراضي المحتلة ووصلت الصواريخ إلى قلب تل أبيب والقدس.
مجدداً وجد نتنياهو نفسه أمام صدمة من قدرات المقاومة الصاروخية، أضافة لنجاح خلية من كتائب القسام بتفجير حافلة إسرائيلية وسط تل أبيب، فخرج نتنياهو ممن المعركة بنتيجة صفرية.
وفي منتصف عام 2014 نجحت حماس بتوجيه صفعةٍ لنتنياهو بعد خطف إحدى مجموعاتها ل3 مستوطنين دفعةً واحدة قرب مدينة الخليل، عقب ذلك تعهد نتنياهو بإعادة المستوطنين أحياء، فجهز حملة عسكرية جابت الضفة الغربية بأكملها لإعادتهم، وانتهت بعد 18 يوماً بالعثور على المستوطنين قتلى.
لم يكتفي نتنياهو بهذا الفشل حتى شن حرباً عسكرية على قطاع غزة في صيف 2014 تعهد بها بتدمير حماس، فكانت نتائج المعركة فقدان جيشه لجنود أسرتهم كتائب القسام، إضافة إلى مقتل عشرات الجنود والضباط بالمعارك، وتعريض قطاع السياحة للاحتلال لخسائر مالية جراء صواريخ المقاومة التي استمرت أكثر من 50 يوماً.
خلال الفترة الممتدة في رئاسته لحكومة الاحتلال سعى نتنياهو لتنفيذ عمليات عسكرية محدودة وجولات التصعيد ضد حماس في قطاع غزة باءت كلها بالفشل ابرزها تسلل وحدة إسرائيلية خاصة إلى قطاع غزة عام 2018 واكتشافها من قبل عناصر المقاومة الذين تمكنوا من قتل وإصابة أفراد القوة الإسرائيلية.
إضافة لنجاح حماس بتنفيذ عدة عمليات عسكرية مباغتة في الضفة الغربية أوقعت عشرات القتلى في صفوف الاحتلال بالفترة الممتدة بين 2015 – 2023 معل فشل نتنياهو وأجهزته الاستخباراتية في إيقافها.
الطوفان وسياسة نتنياهو التدميرية
بعد عملية طوفان الأقصى التي قامت بها حركة حماس وفصائل المقاومة صباح 7 من أكتوبر، خرج نتنياهو بخطابٍ رسمي أعلن فيه عن استعداد حكومته لتحرير أسرى الاحتلال الواقعين بقبضة المقاومة وتدمير حركة حماس في قطاع غزة وإعادة احتلال القطاع، فبدأ منذ اليوم الأول بتوجيه جيشه لارتكاب المجازر الوحشية ضد الفلسطينيين في حرب إبادةٍ مُعلنة.
مضى 10 شهور على الحرب، مع فشل نتنياهو وجيشه باسترجاع أسراه أو تثبيت جيشه في السيطرة على قطاع غزة، مع فشل تام بإنهاء القدرات العسكرية لحركة حماس وكافة الفصائل التي لا زالت تخوض التصدي لجيش الاحتلال وتوقع به الخسائر.
خلال شهور الحرب تتصاعد المعارضة الإسرائيلية داخل دولة الاحتلال ضد نتنياهو وسط اتهاماتٍ واضحة بالفشل بالحرب والمضي بحربٍ باتت تستنزف جيش الاحتلال، ناهيك عن قضايا الفساد التي تلاحقه، فيما تستمر الحرب التي يعتبرها نتنياهو حرباً شخصية لإنهاء حماس وفق تاريخ طويل من الصدام بين الحركة ونتنياهو.