بعد كل مجزرةٍ يرتكبها جيش الاحتلال تدفع وسائل الإعلام العبرية بمجموعة أخبار تروج لسبب شن الغارات المكثفة هي اغتيال قادة من المقاومة أو تدمير بنى تحتية تابعةٍ لها، ويتبع إعلام الاحتلال هذا الأسلوب منذ السنوات التي سبقت طوفان الأقصى، وفي مختلف مجازره على مدار تاريخ القضية الفلسطينية.
يمتلك جيش الاحتلال ماكينة إعلامية ضخمة تقوم عليها وحدات متخصصة بالترويج للشائعات وضخ المعلومات والأخبار التضليلية عند كل حدث يواجه الاحتلال، هذا النشاط يتوازى كلياً مع نشاط جيش الاحتلال على الأرض ولا يقل أهمية عنه، وهذه الحملات الإعلامية تحمل مهاماً متعددة تستهدف الشعب الفلسطيني بالدرجة الأولى ضمن إطار الحرب النفسية، وبالدرجة الثانية تحاول تبرئة جيش الاحتلال من جرائم ارتكبها، أو تقوم بتبريرها.
ظهر ذلك جلياً عقب مجزرة مواصي خانيونس التي وقعت يوم أمس السبت، عندما نشر جيش الاحتلال أن غارة جوية استهدفت المنطقة بعد ورود "معلومات دقيقة" على حد مزاعمه تفيد بأن قائد أركان المقاومة محمد ضيف يتواجد في المنطقة مع أحد القادة البارزين في كتائب القسام، وخلفت الغارات أكثر من 100 شهيد وجريح من الفلسطينيين النازحين في المنطقة، إضافة لشهداء من الكوادر الطبية والدفاع المدني التي هرعت إلى المكان على الفور.
الاغتيالات..غطاء للمجازر
وفي الحقيقة ليس ثمة هدفٍ من الغارات العنيفة التي يشنها طيران الاحتلال على تجمعات الفلسطينيين في قطاع غزة، سوى القتل، قتل أكبر عددٍ ممكن من الفلسطينيين تماشياً مع عقيدة الإبادة والتطهير العرقي التي يتبناها جيش ومجتمع الاحتلال بأسره منذ تأسيس الكيان الصهيوني عام 1948.
أشهر هذه المجازر خلال حرب الإبادة الحالية، مجزرة مشفى المعمداني والتي ارتقى على إثرها 500 شهيد من النساء والأطفال والآمنين بعد إلقاء طائرات الاحتلال قنابل تزن أطناناً من المتفجرات، وفي بداية الحدث روج إعلام جيش الاحتلال أن صواريخ فلسطينية أٌطلقت من غزة وسقطت في ساحة المشفى، ثم تدرجت الرواية العسكرية الإسرائيلية إلى اعترفها بارتكاب المجزة استهدافاً للبنى التحتية للمقاومة، وقد دُحضت كلتا الروايتين أمام الدم الفلسطيني المسفوك.
وفي العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014، أغارت طائرة "إف-16"على منزل في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، وأطلقت عليه صواريخها ما أدى لانهيار المنزل على من فيه، وأعلن جيش الاحتلال في حينها عن اغتياله لمحمد ضيف قائد أركان المقاومة، وارتقى في الغارة 8 شهداء ومئات الجرحى، فيما اكتفى جيش الاحتلال بنشر دعاية عن محاولة اغتيال فاشلة استهدفت الضيف.
ومن الجرائم المشابهة مجزرة حرق خيام النازحين في مدينة رفح خلال شهر أيار الماضي، وقد ادعى جيش الاحتلال أنه استهدف قيادات من المقاومة في المنطقة.
النظريات الإعلامية في تبرير المجازر
تقوم وسائل إعلام الاحتلال باستخدام عدة نظريات إعلامية لتمرير هذه الدعاية منها نظرية بناء المعنى والتي تلعب بشكلٍ أساسي على نسج رواية جديدة تتناسب مع رغبة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لدى الاحتلال، ويخلق هذا المعنى الجديد فوضى وآثار نفسية داخل الشعب الفلسطيني أثناء تضليلهم بسيل المعلومات الكاذبة والتي تحرف الأنظار إلى حيث يريد الاحتلال.
ويستخدم الاحتلال في هذه الحالات المعلومات النصية وتصريحات من قادة جيشه وحكومته، ولربما يلجأ لفبركة مشاهد عبر الوسائط المتعددة.
عقيدة "الهسبرا"
ويعمل جيش الاحتلال على إنتاج دعايته الإعلامية التي تبرر المجازر وفق عقيدة "الهسبرا" وهي عقيدة دعائية قديمة تُبرر المجازر تحت ذريعة "دفاع إسرائيل عن نفسها"، وتدير هذه العقيدة مؤسسات رسمية داخل دولة الاحتلال، إضافة إلى اذرع الحركة الصهيونية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
وتعمل "الهسبرا" على إظهار صورة "الفلسطيني الإرهابي" وربطه بمعاداة السامية يهدف للقضاء على اليهود، وضبغ المقاومة الفلسطينية بصبغة دموية تتقارب مع "داعش" ما يُعزز الإسلاموفوبيا في أوروبا والعالم، فضلاً عن تصدير صورة الجندي الإسرائيلي النبيل والذي يتحلى بقدر من الإنسانية والأخلاق.
يحاول جيش الاحتلال في كل مرة التغطية على فشله وعلى إجرامه بالتصريحات الإعلامية المثيرة والغامضة دون نشرٍ للتفاصيل، والإكتنفاء برؤوس أقلام تثير زوبعة من الجدل من جهة وتحرف الأنظار عن حجم ودموية المجزرة من جهة أخرى، وتُبرر تنفيذ لمجزرة في محاولات لإنقاذ صورة الاحتلال أمام العالم.
يشفل الاحتلال وماكينته الإعلامية بكل ذلك أمام أشلاء الشهداء المتناثرة والتي تعكس مدى وحشية جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتسقط المعلومات المضللة أمام رواية المقاومة التي تُفند ما يبثه الاحتلال، ويتلاشى أثر كل ذلك أمام وعي الشعب الفلسطيني والتفاف الحاضنة الشعبية حول المقاومة طوال الوقت.