غزة - خاص قدس الإخبارية: مع بدء الحديث عن استئناف المفاوضات غير المباشرة بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي حول وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتحقيق صفقة تبادل أسرى، كثّف الاحتلال الإسرائيلي من عدوانه على القطاع، وعادت حرب التهجير والاحزمة النارية تستعر في شمال غزة، كما الأيام الأولى لحرب الإبادة.
وعلى الرغم من أن الاحتلال الإسرائيلي، أعلن عن انتقاله للمرحلة الثالثة في شمال قطاع غزة، أخذ خلال اليومين الأخيرين بإلقاء منشورات لإخلاء الفلسطينين من مناطق في الشمال نحو الجنوب، آخرها منشورات ألقاها اليوم الأربعاء، 10 يوليو\تموز 2024، لإخلاء مدينة غزة بالكامل، والتي قوبلت برفض شعبي واسع، وحملة ”مش طالعين“.
هذه المحاولات لإعادة سيناريو التهجير وتكثيف القصف على قطاع غزة، واستهدفت بشكل أساسي عائلات بأكملها من جهة، ومدارس تحولت إلى مراكز إيواء من جهة ثانية، ومواصلة الحصار ومنع إدخال المساعدات من جهة ثالثة، وكان هدفها الأساسي الضغط على المقاومة خلال المفاوضات الجارية بعد استنئافها، من خلال استهداف المدنيين، فكيف تدير المقاومة حركاتها التفاوضية تحت النار؟
بين الواقع والمأمول: البقاء للصامد
يقول الباحث والكاتب السياسي ساري عرابي إنه لا ينبغي للمفاوضات بشكلها الطبيعي أن تدار تحت النار، لأن الاحتلال الإسرائيلي يستغل هذه المفاوضات لاستمرار عدوانه على الفلسطينيين في قطاع غزة، فيما تستغل الإدارة الامريكية هذه المفاوضات كي تغسل عارها وجرائمها .
ولكن الواقع مختلف، بحسب عرابي، الذي يستدرك في حديثه لـ ”شبكة قدس“، حيث إن موازين القوى المختلة إلى صالح الاحتلال الإسرائيلي، وتلقي الاحتلال الدعم من القوة الأكبر في هذا العالم وهي الولايات المتحدة الامريكية مقابل عدم ظهور مكشوفة للفلسطينيين في قطاع غزة ومقاومة تقاتل وحدها.
ويضيف عرابي: بالنظر إلى أن النظام الإقليمي العربي هو نظام متواطئ أو متخاذل في أحسن الأحوال، تجد حركة حماس والمقاومة عمومًا نفسها مضطرة للتفاوض تحت إطلاق النار،ـ أولا لسحب الذرائع من الاحتلال والولايات المتحدة، ولنقض دعايتهم الكاذبة والزائفة ومحاولة التشويه العديدة للحقائق والقول إن المقاومة وحماس هي من تعطل وقف إطلاق النار.
وسط هذا كله، كانت تصريحات قادة الاحتلال واضحة لا لبس فيها، وهي التي تبناها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو برغبته استئناف الحرب بعد تحرير أسراه من قطاع غزة، والرغبة الإسرائيلية بهدنة إنسانية مؤقتة بشروط مجحفة.
هل يؤتي الضغط العسكري على المقاومة أوكله؟
يجيب الكاتب عرابي بأن هذه الحرب من يومها الأول وحتى اللحظة هي ضغط عسكري، وإن التعامل مع بعض العمليات العسكرية للاحتلال كما حصل في غزة اليوم، بوصفه ضغطًا على المقاومة هو اجتزاء للموقف، ويوضح: ”يسعى الاحتلال خلال هذه الحرب لأحد الأمرين: إما فرض واقع بالقوة العسكرية على قطاع غزة بهزيمة واضحة المقاومة أو فرض الاستسلام عليها“.
ويحاول الاحتلال في بعض العمليات تحسين شروطه في الإطار التفاوضي من خلال الضغط العسكري، ”هذا أكيد وواضح“ يصف عرابي، ويتساءل: ”لكن ماذا تملك حماس إزاء ذلك؟ وماذا يملك الطرف المعتدى عليه والذي يقاتل بلحمه الحي وبأدواته البسيطة العالم أجمع وترسانته مدججة والاحتلال الإسرائيلي وأمريكا والنظام الإقليمي العربي، ماذا يمكن لهذا الطرف إلا أن يصمد وأن يعتمد على نفسه بعد الاعتماد على الله سبحانه وتعالى؟“
ويقرأ عرابي سعي حماس للصمود بالميدان، وخوض مناورات تفاوضية تمنع من جهة الاحتلال الإسرائيلي من تحقيق مكاسب سياسية كبيرة تكرس الوقائع الاستعمارية في قطاع غزة ويحقق له ما يريد فيه، ومن جهة أخرى تسعى خلالها إلى تخفيف الوضع الإنساني في قطاع غزة.
الضغط من خلال الحاضنة الشعبية
ويشير عرابي أن الوضع الإنساني هو الضاغط الوحيد على حماس، وليس القتال في الميدان أو مصالح الحركة الإدارية والحكومية والاقتصادية والسياسية، مضيفًا: ”الحركة ضحت بكل ذلك في سبيل أن تقوم بعمل تحرري كما فعلت في السابع من أكتوبر، لكن الشيء الوحيد الضاغط على حركة حماس هو الوضع الإنساني“
ويتساءل الكاتب والباحث السياسي: ”لكن ماذا يملك الطرف المستضعف غير صموده وغير ما يملكه مثل الأسرى من المقاومة؟ لن تتوقع الحركة أن تمتلك سلاحًا مثل سلاح الاحتلال، او أن يحصل تحول في النظام الإقليمي العربي، أو أن تصبح الولايات المتحدة الامريكية أكثر نزاهة وأخلاقية“.
من جانبه، يشير المحلل والباحث الاستراتيجي أحمد الطناني إلى أن الاحتلال يحاول انتزاع تنازلات جوهرية من المقاومة في المفاوضات عبر تصعيد الضغط الميداني على الحاضنة الشعبية وتنفيذ عمليات اجتياح واسعة وعمليات تهجير كبرى للسكان، بحثًا عن تحويل هذه الورقة إلى ورقة ابتزاز وضغط على المقاومة عبر استنزاف حاضنتها الشعبية.
كيف تتعامل المقاومة مع الضغط؟
يؤكد الطناني في حديثه لـ ”شبكة قدس“ أن الضغط الميداني على الحاضنة الشعبية لم تنجح سابقًا في تليين أو انتزاع أي تنازلات جوهرية من المقاومة، إذ تعتبر المقاومة أن الخيار الأسلم لحماية الحاضنة الشعبية هو تمسكها بمطلب الإيقاف الشامل لإطلاق النار.
ووفق الطناني، فإن المقاومة تعمل على تحويل محاولات الاحتلال فرض وقائع على الأرض برفع كلفة كل محاولات التقدم وتحويل كل عمليات التوغل إلى مقتلة واستنزاف لجيش الاحتلال في الأرواح والآليات.
ويشير الطناني إلى استراتيجية المقاومة منذ اليوم الاول في التفاوض، حيث عمدت إلى عزل التطورات الميدانية ومحاولات الاحتلال التأثير على مجرى المفاوضات أو حتى تفجيرها عبر تصعيد الأوضاع ميدانيًا وزيادة الجرائم أو تنفيذ عمليات اغتيال، واعتبار المقاومة لكل ما يجري كجزء لا يتجزأ من الطبيعة الإجرامية للاحتلال وحرب الإبادة المستمرة بحق الشعب الفلسطيني.