لندن - خاص قدس الإخبارية: لم تكن نتائج الانتخابات البريطانية التي انتهت بفوز حزب العمال البريطاني المعارض برئاسة كير ستارمر بـ 326 مقعدًا في مجلس العموم البريطاني، بمعزل عن حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
ويخلف حزب العمال البريطاني، حزب المحافظين بقيادة ريشي سوناك الذي أعلن واستمر حتى اللحظات الأخيرة في دعم الاحتلال الإسرائيلي سياسيًا وعسكريًا واستخباراتيًا وبتوريد الأسلحة والإصرار طويلًا على رفض وقف إطلاق النار، قبل أن يتعدل الخطاب البريطاني في الأشهر الأخيرة إلى ”وقف مستدام“ لوقف إطلاق النار“، تحت وطأة الاحتجاجات التي شهدتها لندن.
وفور تسلم حزب العمال للحكومة، خرج وزير الخارجية البريطاني الجديد ديفيد لامي بالدعوة وقف فوري لإطلاق النار في غزة، وذلك في أول موقف له بعد تعيينه في منصبه، وقال لاحقًا، إن بلاده تسعى لموقف متوازن بشأن ”إسرائيل“ وغزة.
وتشير المعطيات بوضوح إلى تأثير حرب الإبادة في قطاع غزة على مجريات ونتائج الانتخابات البريطانية، فهل يمكن أن نقرأ، بالضرورة، فعلًا معاكسًا؟ أي هل ستشهد السياسة البريطانية الخارجية تجاه فلسطين وغزة، تغييرًا واضحًا في ظل الحكومة الجديدة؟
غزة من أسباب خسارة المحافظين
بحسب أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية رائد أبو بدوية فإن العدوان على غزة شكل أحد العوامل اللي ساهمت في خسارة المحافظين للانتخابات، حيث لم تتخذ حكومة سوناك موقفًا حاسمًا ضده، بل وتبنى موقفًا قريبًا من الموقف الأمريكية فيما يتعلق بالهدنة.
ويضيف أبو بدوية في حديثه لـ ”شبكة قدس“، أن الموقف البريطاني الذي أخذ يتردد في الأسابيع الاخيرة، لم يكن كافيًا للجمهور الداعم للقضية الفلسطينية، وحتى اليسار البريطاني الذي كان معظم شرائحه رافض للإبادة، وبلا شك الجمهور عاقب بطريقة أو بأخرى حزب المحافظين في هذه النتائج.
ويستدرك أبو بدوية: لكن غزة ليست العامل الوحيد، فهناك الأزمة الاقتصادية والأزمة الخاصة بالمهاجرين التي لم تتمكن الحكومة المحافظة من حلها أو التعامل معها.
إذن، هل تتغير السياسة البريطانية؟
”لا اتوقع أن يدعم الحزب بالمطلق الحقوق الفلسطينية، لكنه سيقترب كثيرًا منها وسيبتعد عن المواقف الإسرائيلية“، يجيب أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية، ويوضح: ”كان ذلك واضحًا من خلال كلمة وزير الخارجية الذي رسم سياسته الحزب الجديدة بخطابه: دعم وقف اطلاق نار وإغاثة القطاع وتقديم المساعدات“
ويلفت أبو بدوية إلى أن حزب العمال يدعم الاحتلال الإسرائيلي أيضًا، لكن بشكلٍ أقل من المحافظين، كما توجد شريحة واسعة من حزب العمال تدعم بالمطلق القضية الفلسطينية والاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ففي هذه الانتخابات، خسر حزب العمال عددًا من معاقله السابقة أمام 5 مرشحين مستقلين قاموا بحملات انتخابية على برامج مؤيدة للفلسطينيين، مطالبين بوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار في غزة، وإنهاء احتلال فلسطين المستمر منذ عقود، وعلى سبيل المثال، فاز زعيم حزب العمال السابق المخلوع جيريمي كوربن بشكل مريح في دائرته الانتخابية في شمال إيسلينغتون باعتباره مستقلًا مؤيدًا للفلسطينيين.
ويتوقع أبو بدوية تغييرًا في السياسة الخارجية البريطانية في عدة جوانب منها وقف العدوان بشكل كلي، وأن يتحرك ملف الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وأن يبحث الحزب ملف تزويد الاحتلال بالأسلحة بطريقة مختلفة عن طريقة المحافظين.
ويقرأ أن نتائج الانتخابات البريطانية، ولاحقًا الفرنسية التي لم يفز فيها إمونويل ماكرون، ستؤثر في تقييمات حكومة الاحتلال للحرب المستمرة في قطاع غزة.
لا مجال كبيرًا للمناورة
أما الكاتب ومحلل في الشؤون الأوروبية والدولية حسام شاكر، فلا يتوقع تحولات في السياسات الخارجية البريطانية مع انتقال القيادة من حكومة المحافظين إلى حكومة العمال.
ويوضح شاكر في حديثه لـ ”شبكة قدس“: هذا يعود أساسا لأن السياسات الخارجية البريطانية مرسومة وفق محددات تتجاوز الألوان الانتخابية في المرحلة الحالية، منوهًا إلى إمكانية حدوث بعض التغيرات الجزئية في نبرة الخطاب ولكن ليس في جوهر الموقع السياسي الخارجي.
ويشير إلى أن حزب العمال عمليًا في عهد ستارمر خسر فرصة تغيير حقيقة عن القيادة البريطانية، مثلتها قيادة سلفه جيرمي كوربن، الذي كان النموذج الذي يمكن أن يحدث تغييرات حقيقة بالسياسة البريطانية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
لكن كوربن أزيح من منصبه وأسقط عمليا بعد محاولات ضارية لتنحيته عن المنصب، وتخلى حزب العمال في ستارمر عن خياراته الإصلاحية في السياسات الخارجية وحتى في بعض الملفات الداخلية والاجتماعية التي تبناها عهد كوربن
وبحسب شاكر، ففي العهد الحالي الذي يمثله ستارمر لا مجال للحديث عن إصلاحات حقيقية في السياسيات الخارجية البريطانية رغم طبعًا اقتصار ملفات التعديل على ما يتعلق بالعلاقة مع الاتحاد الاوروبي والمعايير ذات الصلة، من باب ردم الفجوات مع الأوربي بعد البريكست.
وبعد تولي ستارمر زعامة حزب العمال عام 2020، وأكد على أهمية القضاء على ”معاداة السامية“ داخل الحزب، وهي القضية التي كانت مثيرة للجدل خلال قيادة كوربن.
التحالف البريطاني الامريكي
ويؤكد الكاتب ومحلل في الشؤون الأوروبية والدولية أن السياسة البريطانية الخارجية ترتبط بالالتزامات التحالفية مع الولايات المتحدة الأمريكية في مرحلة ما بعد البركسيت (اتفاقية انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي)، وكذلك فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية علاوة على الملف الأوكراني.
على هذا الأساس، وفق شاكر، لا تغيرات جوهرية مرتقبة في السياسة البريطانية بناء على تغير الحزب الحاكم، لكن قد تحدث بعض التغيرات بناء على معطيات تستجد في الإقليم والعالم أو السلوك الأمريكي المرتقب في المرحلة المقبلة، لكن هذا ليس ضمن التوقعات المؤكدة.
ويوضح: ”تبقى إمكانية حدوث تحول نسبي الموقف البريطاني من تطورات فلسطين وغزة وإقليم قائمة، إن طرأت تحولات على الموقف الامريكي في هذا الصدد، ونعلم أن الولايات المتحدة الامريكية مقبلة على تحول محتمل في الإدارة هذا التحول من واقع إمكانية وصول ترمب إلى البيت الأبيض مجددًا وفق المؤشرات المتزايدة.“
ويضيف: لهذا قد يحدث بعض التحول في التوجه الأمريكية بشكل قد يؤدي إلى ارتباك معين في التجاوب البريطاني مع أولوية الإدارة الأمريكية وبما فيها القضية الفلسطينية، وهذا وحتى إن حصل فلن يؤدي حالة انفكاك لندن عن التوجهات في واشنطن المعتمدة على الأرجح.