شبكة قدس الإخبارية

"إسرائيل" والسلطة الفلسطينية: لعبة العقوبات المتشابكة

2023-09-1695207515
ياسر مناع

في خطوة تعكس تعقيدات المرحلة الحالية، أعلنت إسرائيل ليلة أمس الخميس على لسان مكتب وزير المالية الإسرائيلي "بتسلئيل سموترتش" عن سلسلة من العقوبات ضد السلطة الفلسطينية. تشمل هذه العقوبات إلغاء تصاريح بعض الشخصيات الفلسطينية وسحب امتيازاتهم، بالإضافة إلى هدم بعض البيوت في المناطق المصنفة "ب".

تناقش هذه المقالة الإجراءات التي تأتي في إطار التصعيد المستمر، الموجهة ضد الفلسطينيين بشكل عام. حيث تسعى أسرائيل عبر هذا الضغط إلى خلق حالة من الردع لدى الفلسطينيين و إعادة جزء من الردع الإسرائيلي الذي تلاشى بعد أحداث 7 أكتوبر 2023.

عقوبات وإجراءات إسرائيلية

أحد أبرز العقوبات التي فرضتها إسرائيل هي إلغاء تصاريح السفر والتنقل لبعض الشخصيات الفلسطينية، مما يؤدي إلى تقييد حركتهم ويضع ضغوطًا إضافية على القيادة الفلسطينية، وإن كان ذلك لا يؤثر على المواطن الفلسطيني بشكل خاص. إلا أن هذا الإجراء يعكس استراتيجية إسرائيلية متكررة تهدف إلى فرض عقوبات شخصية لتأمين المزيد من التنازلات السياسية.

بالإضافة إلى ذلك، تم شرعنة هدم عدد من البيوت في المناطق المصنفة "ب"، وهي مناطق تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية وإدارية فلسطينية وفق اتفاقيات أوسلو. هذا الهدم يرسل رسالة قوية بأن إسرائيل مستعدة لاتخاذ أي إجراءات حتى في المناطق التي من المفترض أن تكون تحت سيطرة جزئية للسلطة الفلسطينية.

شرعنة المستوطنات وتوسيعها

في خطوة أخرى تزيد من تعقيد الوضع على الأرض، أعلنت إسرائيل عن شرعنة خمس بؤر استيطانية جديدة "وفق القانون الإسرائيلي"، إضافة إلى خطط لبناء المزيد من الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية. هذه الخطوة تبرز استغلال اسرائيل للحرب في غزة والتفات أنظار العالم إلى هناك للسيطرة على المزيد من الضفة الغربية.

تحويل أموال الضرائب: خوف من الانهيار

على الجانب الآخر، وافق المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر على تحويل أموال الضرائب المحجوزة للسلطة الفلسطينية، عدا الأموال المخصصة لقطاع غزة. هذه الأموال تشكل جزءًا حيويًا من ميزانية السلطة، ويعد تحويلها خطوة ضرورية لتجنب انهيار السلطة المالية والإدارية. بالرغم من هذه الخطوة، فإن تحويل الأموال ليس إلا جزءًا من معادلة معقدة تهدف إسرائيل من خلالها إلى الحفاظ على نوع من الاستقرار المؤقت، بينما تعمل في الوقت نفسه على تفريغ السلطة من مضمونها وحصرها في دور خدماتي فقط يقدم الخدمات الأساسية للسكان الفلسطينيين.

الضغط المزدوج: الضفة وغزة

سياسة إسرائيل تجاه السلطة الفلسطينية تعتمد على الضغط على شخصياتها القيادية من أجل تخفيف الضغط الشعبي في الضفة الغربية. هذه الاستراتيجية تسعى إلى خلق بيئة سياسية تجعل من الصعب على السلطة التحرك بحرية أو اتخاذ قرارات وخطوات حقيقية تضر بإسرائيل على الصعيد الدوبلوماسي، مما يضعف موقف السلطة – الذي في أصله ضعيف - أمام الجمهور الفلسطيني.

في قطاع غزة، تعزز إسرائيل ضغوطها على سكان القطاع بهدف الضغط على حماس. هذه السياسة تسعى إلى خلق حالة من الاستياء الشعبي ضد حماس، مما قد يدفعها من وجهة نظر إسرائيل إلى فقدان السيطرة، وولادة قيادة محلية جديدة. ومع ذلك، فإن هذه السياسة تأتي بمخاطر كبيرة، إذ أن الضغط الزائد إلى زيادة المعاناة الإنسانية في القطاع، وإطالة أمد الحرب.

تومأن يموتان معًا ويعيشان معًا

إسرائيل تنظر إلى فتح وحماس كتوأمين متلازمين؛ إذ ترى أن القضاء على حماس في غزة سيؤدي حتمًا إلى انهيار السلطة الفلسطينية في الضفة. هذا التصور يعكس فهمًا معقدًا للتوازن السياسي الفلسطيني الداخلي، لذا؛ فإن أي تحرك لإضعاف إحدى الحركتين لا يؤدي إلى تقوية الأخرى.

بالتالي، يجب على كلتا الحركتين الحفاظ على حيوية القضية الفلسطينية، واستمرارية المشروع التحرري، لاسيما بعد 7 اكتوبر 2023. وذلك من خلال بناء مشروع وطني توافقي متكامل، واضح الأهداف والأدوات والبدائل. وإن ذلك مكلف الثمن، إلا أنه يأتي عبر إعادة هيكلة منظمة التحرير وفق أسس وطنية ، وإعادة النظر في الدور الحقيقي للسلطة الفلسطينية.

المقاربة المعقدة عندما تعلن إسرائيل عن القضاء على حماس فعلياً، تكون قد قررت القضاء على السلطة الفلسطينية أيضاً، لأن بقاء السلطة مرهون بصمود حماس في غزة. هذه المقاربة المنكرة علينيًا تضع السلطة الفلسطينية في موقف صعب، حيث تجد نفسها محاصرة بين الضغوط الإسرائيلية وضرورة الحفاظ على شرعيتها وقوتها في مواجهة حماس.

الخلاصة

السياسة الإسرائيلية تجاه السلطة الفلسطينية تعكس نهجًا معقدًا يجمع بين الضغط والمساعدة المؤقتة للحفاظ على التوازن. من ناحية، تسعى إسرائيل لتفريغ السلطة الفلسطينية من مضمونها وحصرها في دور إداري بحت، ومن ناحية أخرى، تحافظ على مستوى من الدعم المالي لمنع انهيارها. في غزة، يستمر الضغط على حماس في محاولة لإضعافها.

تظهر هذه المقاربة المعقدة التحديات الكبيرة التي تواجه السلطة الفلسطينيين في الظروف الراهنة، وتوضح العلاقة المعقدة بين إسرائيل والفلسطينيين. في النهاية، تبقى الخيارات محدودة وصعبة بالنسبة للقيادة الفلسطينية، التي تجد نفسها أمام احراجات وتحديات إسرائيلية مستمرة. يمكن أن يلعب التوقف الجاد عن التنسيق الأمني دورًا في تعديل إسرائيل لعقوباتها، وذلك أقل القليل.

#السلطة #الامتيازات