تركت الحرب الحالية غزة في حالة من الخراب الشديد، حيث أصبحت بقعة جغرافية غير صالحة للحياة. تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أن تكلفة إعادة إعمار قطاع غزة قد تصل إلى حوالي 40 مليار دولار، نتيجة للدمار الهائل والغير مسبوق الذي لحق بالبنى التحتية والمنشآت الحيوية. بالإضافة إلى ذلك، تشير التقديرات من أن عملية التعافي من هذا الدمار قد تحتاج إلى ما يصل إلى 80 عامًا.
في تصريح لافت، أعلن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أن حماس هي فكرة لا يمكن القضاء عليها أو اجتثاثها. هذا التصريح يتماشى مع مقال نشره الصحفي والمحلل الأمريكي توماس فريدمان في صحيفة "نيويورك تايمز"، حيث طالب إسرائيل بضرورة إبقاء حكم حماس في غزة، مؤكدًا أن وجود قوة محايدة في القطاع هو محض خيال.
كذلك، في تقدير موقف اللواء يارون فينكلمان، قائد المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي، أوضح أن حماس لم تعد جيشًا منظمًا وهرميًا كما كانت في السابق. وكأنه يريد القول بأن هجوم 7 أكتوبر على القواعد العسكرية والمستوطنات في محيط غزة لن يتكرر.
هذا التحليل يشير إلى تهيئة المجتمع الإسرائيلي لقبول انتهاء الحرب مع بقاء حماس في الحكم، ليس حبًا بالحركة، بل لإضعافها، في استراتيجية إسرائيلية قديمة جديدة إن صح لنا أن نطلق عليه "القضم الداخلي".
المعضلة تكمن في تعامل شريحة واسعة من الفلسطينيين مع هذه التصريحات بنوع من السطحية، بعيدًا عن المقاصد الحقيقية لهذه التصريحات، هؤلاء الأفراد لا يدركون أن هذه التصريحات ليست جديدة في الأساس، كما أنها جزء من استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى إنهاك حماس دون الإطاحة بها تمامًا.
هذه الفئة من الفلسطينيين قد تفسر التصريحات بشكل خاطئ، في حين أن الهدف الحقيقي منها هو تهيئة الرأي العام الإسرائيلي والدولي لقبول وجود حماس في الحكم كأمر واقع.
بعد الحرب الحالية، تواجه حماس تحديات جسيمة وأعباء مضاعفة في إدارة قطاع غزة، وهذه التحديات تتطلب استراتيجية شاملة للتعامل معها بفعالية. تكاليف إعادة الإعمار وإعادة بناء البنية التحتية، حيث الحرب خلفت دمارًا هائلًا في غزة، حيث تضررت العديد من المنازل والمنشآت الحيوية مثل المدارس والمستشفيات والمرافق العامة مثل الطرق والصرف الصحي. تقدر الأضرار بمئات الملايين من الدولارات، وهذا يتطلب من حماس عمليات إعادة الإعمار وإعادة بناء البنية التحتية لاستعادة الحياة الطبيعية وتوفير الخدمات الأساسية للسكان.
كذلك تعزيز القدرات العسكرية، بالإضافة إلى البنية المدنية، فإن حماس ستحتاج أيضًا إلى استعادة وتعزيز قدراتها العسكرية التي تأثرت بالحرب. هذا يشمل إعادة التسليح والإبتكار والتصنيع، وإعادة التدريب، وتعزيز التحضيرات الدفاعية لمواجهة التهديدات الإسرائيلية في المستقبل.
رعاية أسر الشهداء والجرحى، الحرب تسببت في خسائر بشرية كبيرة، مع ارتفاع عدد الشهداء والجرحى، وحماس ملزمة بتوفير الدعم النفسي والمادي لأسر الضحايا، بما في ذلك تقديم المساعدة المالية والطبية للمصابين، وتقديم الدعم العاطفي والاجتماعي لأسر الشهداء.
تكاليف توفير الخدمات الأساسية، الاقتصاد العام في غزة تدمر جراء الحرب، مما يعني أن حماس تتحمل أيضًا تكاليف توفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء، والمياه، والصحة، والتعليم للمواطنين، هذا يشمل الحفاظ على استقرار البنية التحتية المتبقية وضمان توفير الحد الأدنى من المعيشة الكريمة للسكان.
بعد الحرب الأخيرة، تواجه حماس تحديات هائلة في إدارة غزة، حيث يبرز منها بشكل خاص نقص الموارد المالية، هذا النقص يعززه عدم قدرة الدول الداعمة مثل قطر وتركيا على تلبية كل الاحتياجات الضرورية للقطاع، وتلك الظروف تفرض على حماس ضرورة إيجاد حلول مالية بديلة لإدارة الاقتصاد المحلي بشكل فعال، ولضمان تمويل أنشطة إعادة الإعمار التي تتطلب إعادة بناء البنية التحتية المدمرة وتعزيز القدرات العسكرية المتأثرة خلال الحروب الأخيرة.
إن بقاء حماس في الحكم في غزة يعكس نتيجتين رئيسيتين للأحداث والسياسات الحالية: فشل إسرائيل في حربها ضد غزة، وبقاء حماس في الحكم، وهذا ما يمثل في نظر إسرائيل فشلها في تحقيق الأهداف المنشودة في الحروب السابقة ضد القطاع.
حتى الآن، لم تتمكن إسرائيل من تحقيق تغيير جذري في الوضع السياسي بغزة أو إزاحة حماس عن السلطة. هذا الفشل يعكس ضعفاً في الاستراتيجيات الإسرائيلية لمعالجة التحديات الأمنية والسياسية في القطاع.
من الجانب الآخر، يعكس بقاء حماس إستراتيجية جديدة من إسرائيل، بدلاً من المحاولة النشطة لإزاحة حماس وتحقيق نصر عسكري مطلق، تنظر إسرائيل إلى بقاء حماس كسلطة في غزة باعتباره لا خيارا سوى ذلك، وهذه الاستراتيجية تهدف إلى زيادة الضغوط المالية والسياسية على حماس، مما ينتج بالتدريج عن إنهاكها وضعفها مع مرور الوقت. بالتالي، يمكن لإسرائيل استخدام بقاء حماس في الحكم كوسيلة لتحقيق أهدافها بدون الحاجة إلى تكاليف عسكرية ثقيلة أو تحمل مسؤولية إدارة القطاع بالكامل.
بإختصار، بقاء حماس في الحكم يعكس فشل إسرائيل في تحقيق النصر النهائي عسكرياً وسياسياً في غزة، وفي ذات الوقت يمثل استراتيجية إسرائيلية جديدة لاستغلال هذا الوضع لإضعاف حماس.