تقارير خاصة - قدس الإخبارية: بينما أعلنت ثلاث دول أوروبية اليوم اعترافها الرسمي بالدولة الفلسطينية، جاءت قرارات من حكومة الاحتلال، لتؤكد سيطرة الاحتلال المالية والعسكرية على الضفة المحتلة، وأن حلّ الدولتين الذي شددت عليه إسبانيا والنرويج وأيرلندا اليوم، ومن قبلهم 139 دولة، هو وهم لا تقبل فيه ”إسرائيل“.
القرار الأول صدر عن وزير جيش الاحتلال يوآف غالانت بإلغاء قانون "فك الارتباط" مع مستوطنات في شمال الضفة المحتلة، وهو ما يسمح للمستوطنين بالعودة إلى مستوطنات "غانيم" و"كاديم" و"حوميش" و"سانور" التي جرى تفكيكها في 2005 .
أما القرار الثاني، فجاء من وزير مالية الاحتلال بتسليئل سموتريتش الذي قرر عدم تمديد الموافقة للبنوك الإسرائيلية الوسيطة التي تحول الأموال للسلطة الفلسطينية وتجميد تحويل أموال المقاصة لها إلى إشعار آخر.
هذه الخطوة، وفق صحيفة معاريف العبرية، ستؤدي لتدهور الاقتصاد في مناطق السلطة الفلسطينية التي تعتمد على الشاقل، وفي المستقبل سيكون استيراد المواد الغذائية والكهرباء والمياه مسألة صعبة.
وبحسب ما أخبر به محللون سياسيون ”شبكة قدس“، فإنه لا يمكن الفصل بين قراري غالانت وسموتريش وبين اعتراف دولٍ أوربية بفلسطين من جهة، ومن جهة أخرى الواقع الفعلي لما يجري ميدانيًا على الأرض في ظل الحكومة اليمينة الأكثر تطرفًا لدى الاحتلال.
قبل القرارات .. الضفة بين وزارتي مالية وحرب الاحتلال
بالنسبة للكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي، فإن قرارات غالانت وسموتريش ليست جديدة من طرف حكومة الاحتلال من الناحية الفعلية والجوهرية، مشيرًا إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار تقاطع سموتريش في وزارتين: الحرب التي يملك حقيبة وزارية فيها، والمالية التي يعتبر وزيرها.
ويضيف عرابي في حديثه لـ ”شبكة قدس“، إن سموتريش من خلال حقيبة وزارة المالية، يعاقب السلطة اقتصاديًا كما هو معروف من خلال حجب المقاصة عن السلطة، أما بيده الأخرى من خلال حقيبة وزارية داخل وزارة حرب الاحتلال فإنه يشرف على المستوطنين في الضفة المحتلة.
فضلًا عن ذلك، هناك إدارتان في الضفة المحتلة، إدارة عسكرية للفلسطينيين من خلال المنسق وتتبع وزير الحرب، وإدارة تشرف على المستوطنين تتبع لوزير المالية، مما يعني من الناحية الفعلية عملية ضم للمستوطنات واحتلال مدني للضفة الغربية وليس فقط عسكريًا، وبالتالي، وفق عرابي، فإن قرار غالانت ينسجم مع هذا الواقع، الذي يشرف فيه الطرفان على الضفة الغربية.
وحول إلغاء قانون فك الارتباط، يرى عرابي أن ذلك يعطي سموتريش صلاحيات أوسع يعيد من خلالها الاستيطان لتلك المناطق، وهو يسبق أي اعتراف أوروبي وجزء منه عقوبات على الفلسطينيين والانتقام منهم، ومن السلطة بسبب هذا الاعتراف.
ويتابع الكاتب والمحلل السياسي ”لا شك نحن نتحدث عن حكومة يمينة تتفق من الناحية الايدولوجية مع بنيامين نتنياهو بعدم إعطاء الفلسطينيين أدنى حقوق سياسية، ولا توافق على منح الفلسطينيين أدني تمثيل سياسي حتى لو كان في سياق السلطة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه، فإن نتنياهو معني بإرضاء حلفائه في الائتلاف الحكومي.“
لا حلّ دولتين حقيقي
أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل بلال الشوبكي يرى أن خطوة إلغاء فك الارتباط هي خطوة تستخدم كتصريح سياسي للرد على خطوة الدول الأوروبية، أما على أرض الواقع فإن فك الارتباط ملغى منذ فترة.
ويوضح الشوبكي، في حديثه لـ ”شبكة قدس“: ”على أرض الواقع، هناك عملية عسكرية في قطاع غزة هي الأوسع منذ عام 2005، بينما تشهد مناطق شمال الضفة عمليات واسعة“.
وفك الارتباط، هي من ضمن خطة الانسحاب أحادي الجانب، التي أقرها وزير حكومة الاحتلال الأسبق أريئيل شارون عام 2005، وشملت إخلاء 8000 مستوطن من قطاع غزة، و2000 آخرين من 4 مستوطنات أقيمت على أراضي جنين شمال الضفة المحتلة.
ويعني إلغاء فك الارتباط، السماح للمستوطنين بالعودة للمستوطنات وإعادة بنائها، وهي بحسب الشوبكي مسألة محفَزَّة ومسرعة من قبل الحكومة التي تريد فرض وقائع جديدة وامتصاص الغضب الداخلي في ظل ما يجري في قطاع غزة، وتريد أن تجعل من الخطوات الأوروبية رمزية لا يبني عليها شيء على أرض الواقع.
ويقول: ” يريد الاحتلال أن ينهي هذا الحل الخاص بحل الدولتين، لكن مشكلته مع هذه الدول الاوروبية تأتي في سياق التوقيت وما يمكن أن يحمله من دلالات سياسية.“
ويشير أستاذ العلوم السياسية إلى أن الاحتلال لن يكتفي بالموقف السياسي المعلن بأنه ضد حل الدولتين بل انتقل لخطوات عملية على أرض الواقع تمنع أي حضور له ويجعله في حالة صدام مع الإدارة الأمريكية خاصة أن هذا الأمر في الضفة، كما أن الاحتلال خسر جزءًا من علاقته مع الدول الأوروبية، وهذه القرارات قد تقوده لمزيد من العزلة على المستوى الدولي، وفق القراءات الداخلية لدى الاحتلال.
حرب استعراض: من اليميني الأكثر كرهًا للفلسطينين؟
”لماذا الآن؟ هي حرب استعراض.. كل طرف إسرائيلي يحاول أن يستعرض أيهم ذو قدرة كبيرة ومواقف سقوفها عالية فيما يخص الاعتداء على الحقوق الفلسطينية“، يقول الكاتب والمختص بالشأن الإسرائيلي محمد هلسة.
ويقرأ هلسة في حديثه لـ ”شبكة قدس“، قرار غالانت منسجمًا مع موقف وزير الأمن القومي لدى الاحتلال إيتمار بن غفير اقتحام الأقصى للمرة الأولى منذ السابع من أكتوبر، اليوم الأربعاء، وقرار سموتريش تجميد المقاصة وطلبه وقف تصاريح الشخصيات المهمة في السلطة، دون أي ملامح من الصدفة بين القرارات والأفعال الثلاثة.
ويلفت هلسة إلى أن غالانت قبل أيام هوجم من سموتريش وبن غفير، وشنوا عليه حملة حين قال أنه لا توجد استراتيجية سياسية بشأن غزة، فجاء رد غالانت اليوم من الضفة المحتلة، باعتبارها الأكثر حساسية للمشروع الصهيوني خاصة بفكرة ضمها والاستيطان فيها، وكأنه يقول: ”فلتخرس أصواتكم.“
ويتابع هلسة، أن غالانت يريد أن يظهر قدرته على إلغاء قرار حكومي لم يكون في إطار مداولات حكومية، إنما في سياق لقائه مع رئيس مجلس مستوطنات الضفة يعوض من خلاله موقف اليمين الصهيوني من غزة، مبينًا: ”اليوم لا يملك اليمين الديني الصهيوني إلا أن يسكتوا أمام موقف غالانت ويخرجوا بخطوات استعراضية تتمثل في اقتحام الأقصى والقرارات ضد السلطة“
ويشير المختص بالشأن الإسرائيلي، إلى أن هذا الاستعراض يأتي في سياق ظروف ومناخات خلقتها الحرب واستثمار ظروفها، في ظل معرفة على عدم وجود أي صدى على المستوى الإقليمي والدولي.
وكانت حركة حماس قالت إن إعلان وزير الحرب يوآف غالانت اليوم البدء بتطبيق إلغاء ما يسمى "قانون فك الارتباط" مع شمال الضفة الغربية، ما يسمح بإعادة بناء مستوطنات صهيونية تم إخلاؤها سابقاً، هو استمرار لسياسة الاحتلال الاستيطانية والعدوانية وتنكره لحقوق شعبنا الفلسطيني في أرضه.
ودعت الحركة الشعب والشباب الثائر في عموم الضفة الغربية المحتلة إلى تكثيف التصدي لسياسات الاحتلال الاستيطانية، وتفعيل المقاومة بكافة أشكالها وأدواتها حتى دحر الاحتلال ومستوطنيه عن أرضنا.