رفضت محكمة العدل الدولية، اليوم الثلاثاء، طلبا قدمته نيكاراغوا تتهم فيه ألمانيا بانتهاك اتفاقية 1948 لمنع الإبادة الجماعية بتزويدها جيش الاحتلال الإسرائيلي بأسلحة تستخدمها في حربها الدامية والمدمرة على قطاع غزة.
وطلبت نيكارغوا، محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، باتخاذ إجراءات عاجلة بعد اتهام ألمانيا بانتهاك اتفاقية 1948 لمنع الإبادة الجماعية.
وأوضحت المحكمة، أنها "ترى أن الظروف التي عرضت على المحكمة ليست كذلك ولا تستدعي اتخاذ تدابير احترازية".
واتهمت نيكاراغوا في دعواها التي رفعتها الشهر الماضي، ألمانيا، بتسهيل الإبادة الجماعية، في غزة عن طريق دعمها للاحتلال الإسرائيلي من خلال إرسال معدات عسكرية ووقف تمويل الأونروا التي تقدم الدعم الأساسي للسكان المدنيين.
وأضافت الدعوى أن ألمانيا فشلت في الوفاء بالتزاماتها كطرف في العديد من الاتفاقيات المتعلقة بقانون النزاعات المسلحة، واتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948، فضلا عن التزاماتها بموجب القواعد القطعية للقانون الدولي العرفي.
وتاليًا، أحد عشر قراءة حول قرار محكمة العدل الدولية بالأمس بخصوص عدم إصدار تدابير احترازية بناء على الطلب الموجه من نيكاراغوا ضد ألمانيا لمشاركتها في الإبادة الجماعية في قطاع غزة من خلال مد الاحتلال بالسلاح ووقف تمويل الأونروا، وفق مدير منظمة القانون من أجل فلسطين إحسان عادل:
1. على الرغم من الأماني بأن تصدر المحكمة قرارا إيجابيا تأمر ألمانيا بموجبه بوقف تصدير السلاح إلى إسرائيل، خصوصا أن ألمانيا تمد إسرائيل بما نسبته تقريبا 29-30% من مجموع السلاح الذي تستورده إسرائيل، إلا أن ذلك لم يحصل. فلماذا لم تصدر المحكمة هذا القرار على الرغم من أنها أقرت في شهر يناير/كانون الأول الماضي بوجود معقولية في دعوى وجود إبادة جماعية في قطاع غزة؟
2. ليس السبب في ذلك –كما قد يظن البعض- أن المحكمة رأت أنه لا توجد مشكلة في استمرار إمداد إسرائيل بالسلاح والعتاد في ظل الحرب الحالية على قطاع غزة. على العكس من ذلك، قرار المحكمة يدل على أن مد إسرائيل بالسلاح في ظل الحرب الحالية يمثل انتهاكات لاتفاقية الإبادة الجماعية. فكيف ذلك؟
3. استندت المحكمة في تبريرها لقرارها إلى البيانات التي قدمتها الحكومة الألمانية إلى المحكمة، والتي تبين حدوث انخفاض كبير منذ نوفمبر 2023 في قيمة المواد التي مُنحت التراخيص لها للتصدير إلى إسرائيل، من حوالي 200 مليون يورو في أكتوبر 2023، إلى حوالي 24 مليون يورو في نوفمبر 2023، انخفاضا إلى حوالي مليون يورو في مارس/آذار 2024. كما أحاطت المحكمة علمًا ببيان ألمانيا بأن 98% من التراخيص الممنوحة منذ 7 أكتوبر 2023 تتعلق بـ "معدات عسكرية أخرى" (مثل الخوذ مثلا) وليس "أسلحة حربية" – أسلحة تستخدم للهجوم في قطاع غزة.
4. وفي موضوع وقف ألمانيا تمويل الأونروا، استندت المحكمة إلى أن المساهمات المقدمة من قبل الدول للأونروا هي طوعية بطبيعتها، وأنه لم تكن هناك أي مبالغ جديدة مستحقة على ألمانيا للأونروا في الأسابيع التي أعقبت إعلان قرارها وقف التمويل (وبالتالي عمليا لم يكن له أثر مالي على الأونروا). وأن ألمانيا فعليا دعمت مبادرة الاتحاد الأوروبي لدعم الأونروا في 1 آذار/مارس 2024، فضلاً عن تقديمها الدعم المالي والمادي لمنظمات أخرى عاملة في قطاع غزة.
5. وعليه، خلصت المحكمة إلى أن "الظروف في الوقت الحالي" ليست على درجة تتطلب ممارسة سلطتها بإصدار تدابير مؤقتة – وهذا يعني أنه لو أن الظروف تغيرت من خلال زيادة ألمانيا دعمها العسكري إلى إسرائيل، او تحوله إلى معدات حربية تستخدم في الحرب ضد قطاع غزة، فسيكون الأمر مختلفا.
6. من ناحية أخرى، رفضت المحكمة طلب ألمانيا شطب القضية من قائمة القضايا المنظورة في المحكمة نظرًا لعدم وجود نقص واضح في الاختصاص. وبالتالي فالقرار يفتح الباب للمضي قدما في القضية المتعلقة بجوهر الدعوى. و "لا يمس بحق حكومتي نيكاراغوا وألمانيا في تقديم الحجج فيما يتعلق بهذه المسائل". كما أن من حق نيكاراغو تقديم طلب جديد من أجل فرض تدابير احترازية في حال تغير وضع ألمانيا في القضية من حيث إمدادها لإسرائيل بالسلاح.
7. المحكمة أيضا أكدت استمرار الظروف المعيشية الكارثية التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة، ولا سيما في ضوء الحرمان المطول والواسع النطاق من الغذاء وغيره من الضروريات الأساسية التي تعرضوا لها [بالمخالفة لأمر المحكمة الموجه لإسرائيل].
8. وعليه، أكدت المحكمة أنه، عملاً بالمادة 1 المشتركة في اتفاقيات جنيف، فإن جميع الدول الأطراف ملزمة "باحترام وضمان احترام" الاتفاقيات "في جميع الظروف". ويترتب على ذلك أن كل الدول، حتى التي ليست أطرافا في النزاع (كما هو الحال بالنسبة لألمانيا) "ضمان الامتثال لمتطلبات الصكوك المعنية".
9. وهكذا، نجد أن قرار المحكمة اليوم تضمن تحذيرًا صارمًا بشأن الواجبات بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية وكذلك اتفاقيات جنيف والبروتوكولات والقانون العرفي. حيث أكدت المحكمة على واجب الدول في "استخدام جميع الوسائل المتاحة لهم بشكل معقول لمنع الإبادة الجماعية قدر الإمكان". ورأت المحكمة "أنه من المهم بشكل خاص تذكير جميع الدول بالتزاماتها الدولية المتعلقة بنقل الأسلحة إلى أطراف النزاع المسلح، وذلك لتجنب خطر احتمال استخدام هذه الأسلحة في انتهاك الاتفاقيات المذكورة أعلاه.. وتقع جميع هذه الالتزامات على عاتق ألمانيا باعتبارها دولة طرفًا في الاتفاقيات المذكورة فيما يتعلق بإمدادها بالأسلحة إلى إسرائيل".
10. بالتالي، من الواضح من منطوق القرار أن المحكمة لم تصدر قرارا بالتدابير المؤقتة التي طلبتها نيكاراغو وذلك فقط لأن ألمانيا أثبتت أنها كانت تقدم القليل من المساعدة بالأسلحة الفتاكة، أو لم تقدم أي مساعدة على الإطلاق. وليس لأنها أثبتت أنه ما من مشكلة في تقديم الدعم العسكري لإسرائيل. وهو يمثل تحذيرا لألمانيا وللدول الأخرى، بأنها إذا إذا قامت بتزويد إسرائيل بمزيد من الأسلحة، ولا سيما الأسلحة التي يمكن استخدامها في سياق الإبادة الجماعية الحاصلة على غزة، فسوف تكون قد انتهكت اتفاقية الإبادة الجماعية ومسؤولة عن ذلك.
11. وأخيرا، تجدر الإشارة إلى أنه خارج أسوار محكمة العدل الدولية، وبعد ثلاث قضايا رفعها محامون في ألمانيا نيابة عن الضحايا الفلسطينيين، بما في ذلك القضية التي دعمتها منظمة القانون من أجل فلسطين (Law4Palestine)، ضمن مبادرة العدالة والمساءلة من أجل فلسطين، قررت محكمة إدارية في برلين أن تأمر الحكومة الألمانية بتعليق صادراتها من الأسلحة إلى إسرائيل بموجب قانون مراقبة الأسلحة الحربية حتى يتم صدور حكم في القضية.